جريدة عنب بلدي – العدد 46 – الأحد – 6-1-2013
محمد حسام حلمي
شهد الاقتصاد السوري أزمة اقتصادية تصنف الأسوأ والأعنف في تاريخه، فقد تراجعت كافة المؤشرات الاقتصادية، وتوقفت معظم المصانع عن العمل، ووصلت معدلات التضخم إلى مستويات قياسية. فلم يكن مصدر هذه الأزمة الاقتصادية أي انهيار لمؤشرات سوق دمشق للأوراق المالية، أو أزمة بنوك أطاحت بنظامه المصرفي، إنما كان مصدرها يعود إلى الطائرات والدبابات والجنود التي دمرت البنى التحتية وخربت كل مقومات الاستثمار والإنتاج في سوريا.
سنقوم من خلال هذا المقال بعرض لمحة عن المراحل التي مر بها الاقتصاد السوري خلال مرحلة الثورة السورية في عام 2012 مدعمة ببعض الأرقام والإحصاءات رغم شحها وندرتها؛ بسبب توقف المكتب المركزي للإحصاء والمصرف المركزي السوري عن إصدار أي بيانات اقتصادية تفضح التراجع والتدهور اليومي للوضع الاقتصادي.
حيث كانت توقعات صندوق النقد الدولي للنمو الناتج المحلي الإجمالي في سورية بحدود 1.5% لعام 2012 في حين تراجع معدل النمو للعام 2011 بنحو 3%. وقد توقفت معظم المصانع والورش عن الإنتاج، إما بسبب الحالة الأمنية في المناطق الساخنة، أو بسبب تدميرها وسرقتها من قبل ميليشيات النظام. وشهد القطاع الصناعي حالة هروب لمصانع بأكملها بكافة المعدات والآلات إلى خارج سوريا، وذلك بغطاء من الحكومة من خلال قراراتها بالسماح بإعادة تصدير الآلات. وبلغت تكلفة وخسائر الاقتصاد السوري حسب الباحث الاقتصادي عارف دليلة منذ لحظة بدء النظام بقمع ثورة الحرية والكرامة بما يزيد عم 100 مليار دولار، وخسارة أكثر من ربع قرن من عمر سوريا الحاضر والمستقبل.
وتقدر تكلفة إعادة إعمار سوريا بحدود 60 – 100 مليار دولار، وتزداد هذه الفاتورة مع كل يوم ترمي فيه طائرات النظام براميلها المتفجرة على المدن والقرى؛ مخلفةً مزيدًا من الدمار في البنى التحتية والمباني.
أما على صعيد الموازنة العامة للدولة، فقد شهدت أرقام الموازنة زيادة كبيرة وخرافية وغير مدروسة، وتعتبر هي الأعلى في تاريخ سوريا، إذ بلغت نسبة الزيادة الموازنة بين عام 2011 وعام 2012 نسبة 58% أي بمقدار 491 مليار ليرة، ووصلت قيمة الموازنة العامة في عام 2012 إلى 1326 مليار ليرة بينما كانت تبلغ 835 مليار في عام 2011. وبلغت حصة الإنفاق الجاري 951 مليار ليرة اي مايعادل (72%) من إجمالي الموازنة وارتفعت هذه النسبة إلى (80.12%) في موازنة العام الحالي 2013. بينما كان نصيب الإنفاق الاستثماري في موازنة 2012 (28%) فقط، أي ما يعادل 375 مليار ليرة، في حين انخفض إلى نسبة (19.88%) في موازنة 2013.
ربما نستطيع إيجاد تفسير لهذه الزيادة من خلال المشهد العسكري اليومي على الأرض وحجم الأموال الهائلة المطلوبة لتمويل تحركات الآليات العسكرية والجنود، بينما جاء تبرير الحكومة لهذه الزيادة النظرية نتيجة إعادة هيكلية الموازنة العامة لعام 2012. أما عجز الموازنة فقد بلغ 529 مليار ليرة مقابل 320 مليار في عام 2011، وبلغت نسبة العجز في العام الحالي 2013 مانسبته 45.84% من إجمالي اعتمادات الموازنة. وتكمن المشكلة الحقيقية في كيفية تمويل العجز، فهل سيتم عن طريق الاقتراض الداخلي بإصدار مزيد من سندات القرض؟ وهل هناك أي مواطن أو مستثمر مستعد للاكتتاب بسندات لحكومة يُنتظر سقوطها في أية لحظة؟