جريدة عنب بلدي – العدد 46 – الأحد – 6-1-2013
عتيق – حُمص
عانى المجتمع الإسلاميّ ما بعد الخلافة الراشدة من تسلّطَ بعض الخلفاء على الحكم بالقوّة والغلبة، وجعلِ أمر حُكم المسلمين إلى الوراثة بالقهر والعنف وإراقة الدماء وسلب الحقوق، وحتى تفجّر ثوارت الربيع العربيّ. عانى المجتمع من العنف وسيلةً في الوصول إلى السلطة وحكم الناس بالقوّة والإكراه، ومن مشكلة محاولة تغيير ذلك بالعنف أيضًا، ما أدخلنا في تاريخٍ طويلٍ من الصراعات على كرسيّ الحكم، والإنقلابات العسكريّة، التي كان جمهور الناس بها يجلس متفرجًا مشاهدًا، متألمًا تارةً، ومسرورًا أخرى، لكنه في كل الأحوال كان مفعولًا به لا فاعلًا.
ثم تضافرت أسبابٌ كثيرة، لا مجال لشرحها هنا، في إنضاج حركة الربيع العربيّ، وإنتفاضة الشعوب ضدّ حكامها الظالمين الواصلين إلى السطة بالقوّة والإكراه، بأسلوب سلميّ لا يسعى إلى إكراه الناس على حكم آخر مجددًا بدلًا مما كان، بل هدفه تطبيق مبدأ (لا إكراه في الدين)، والتخلية بين الناس وقراراتها هي.
وما كان لدولةٍ عربيةٍ عريقة كسوريا أن تكون خارج هذا الحراك، فبدأت المظاهرات تخرج وتتتالى وتتصاعد في كل جغرافية الوطن، تهتف بالحريّة (حريّة الناس بإختيار من يحكمهم)، وتعلن إسقاط شرعيّة العائلة الحاكمة منذ نصف قرن.
فماذا كان ردّ من وصل إلى الحكم بالقوّة؟ كان الردّ بإنزال قوى الأمن ثم الجيش إلى الشوارع لإجبار الناس على العودة إلى منازلهم، وإكراههم على الكفّ عن مطالبهم في التغيير، ولإيصال رسالةٍ لهم مفاداها: لا تأملوا بالتغيير، فنحن نحكم هنا بقوّة السلاح.
وهنا نشأ الكفاح المسلح، خرج من الناس، وبرضى الناس، وهتف له الملايين بالرضا والتأييد، لقد خرجت كتائب مابات يعرف بالجيش الحر، كي تحمي الناس، تحمي خيارهم، تحميهم ممن يريد أن يفرض عليهم حكمه بالقوّة والعنف.
وهذا الكفاح المسلح يختلف إختلافًا جذريًا عن كل كفاح مسلح في التاريخ السوريّ، فالجيش الحرّ لم ينزل ليقاتل قوى النظام كي يصل إلى الحكم، وإنما كي ينزع حالة «الإكراه» في الحكم، وكي يخلّي بين الناس وقرارهم، بعدما لم يبقَ من وسيلة لنزع حالة الإكراه إلّا القوّة؟
وهذا هو الفرق بين الجهاد وبين الخوارج.. فالخوارج (الذين وصفتهم بعض كتب السنّة بأنهم يصومون ويصلّون ويقرأون القرآن أكثر من عامّة المسلمين)، يسعون إلى الحكم بقوّة السلاح، لفرض ما يرونه صوابًا على الناس. بينما الجهاد المشروع هو لنزع حالة الإكراه التي تمارسها أنظمة الحكم على شعوبها، هو لخلق مناخ (لا إكراه في الدين)، وهو أيضًا لحماية حالة الـ «لاإكراه» هذه، لحماية قرار الناس وخيارهم.
لم يمارس عليه الصلاة والسلام القوّة والعنف كي يفرض، ما أنزله الله، على المجتمع، بل اتّبع أسلوب الحكمة والموعظة الحسنة، أسلوب البلاغ المبين. ثم لمّا وصل إلى الحكم برضا الناس وقبولهم وإستقبلوه بـ «طلع البدر علينا»، بات واجبًا حماية هذا الخيار، وهذا الرضا، ومنع أن يكره أحدٌ هؤلاء تغيير ما اعتنقوه بقوّة السلاح.
لقد شُرع الجهاد (حتى لا تكون فتنة) والفتنة هي الإكراه (إن الذين فتنوا المؤمنين والمؤمنات)، أي أرادوا تغيير دينهم بالقوّة، في قصّة أصحاب الأخدود، التي تمثّل أوضح الصور في تعذيب الإنسان حتى يترك قراره، ودينه الذي ارتضاه.
لم يَصلْ صلى الله عليه وسلم الحكم بالقوّة، وإنما شرعت القوّة لحماية قرار الناس، والتخلية بينهم وبين إرادتهم.
وهذا ما أحبّ أن أنوّه إليه اليوم، الكثير من كتائب الجيش الحرّ، تدرك هذا المعنى، وهي لا تريد أكثر من الإطاحة بالظالم، الذي أكره الناس على القبول بحكمه، ثم أن تُخلّي بين الناس وقرارهم من يحكمهم.
لكن لا يخلو الأمر من بعض من يفكّرون بأن يتسلطوا على الحكم ببعض القوّة التي راكموها أثناء الثورة، يجب الحذر من هؤلاء، ورفضهم بشكلٍ قاطع، لقد عانينا لقرونٍ طويلة مع الإكراه، ونحن اليوم أقرب ما نكون للتخلص منه، فلنحرص على ذلك كلّ الحرص الممكن.
الثورة، ومقصد اللا إكراه
عتيق – حُمص
عانى المجتمع الإسلاميّ ما بعد الخلافة الراشدة من تسلّطَ بعض الخلفاء على الحكم بالقوّة والغلبة، وجعلِ أمر حُكم المسلمين إلى الوراثة بالقهر والعنف وإراقة الدماء وسلب الحقوق، وحتى تفجّر ثوارت الربيع العربيّ. عانى المجتمع من العنف وسيلةً في الوصول إلى السلطة وحكم الناس بالقوّة والإكراه، ومن مشكلة محاولة تغيير ذلك بالعنف أيضًا، ما أدخلنا في تاريخٍ طويلٍ من الصراعات على كرسيّ الحكم، والإنقلابات العسكريّة، التي كان جمهور الناس بها يجلس متفرجًا مشاهدًا، متألمًا تارةً، ومسرورًا أخرى، لكنه في كل الأحوال كان مفعولًا به لا فاعلًا.
ثم تضافرت أسبابٌ كثيرة، لا مجال لشرحها هنا، في إنضاج حركة الربيع العربيّ، وإنتفاضة الشعوب ضدّ حكامها الظالمين الواصلين إلى السطة بالقوّة والإكراه، بأسلوب سلميّ لا يسعى إلى إكراه الناس على حكم آخر مجددًا بدلًا مما كان، بل هدفه تطبيق مبدأ (لا إكراه في الدين)، والتخلية بين الناس وقراراتها هي.
وما كان لدولةٍ عربيةٍ عريقة كسوريا أن تكون خارج هذا الحراك، فبدأت المظاهرات تخرج وتتتالى وتتصاعد في كل جغرافية الوطن، تهتف بالحريّة (حريّة الناس بإختيار من يحكمهم)، وتعلن إسقاط شرعيّة العائلة الحاكمة منذ نصف قرن.
فماذا كان ردّ من وصل إلى الحكم بالقوّة؟ كان الردّ بإنزال قوى الأمن ثم الجيش إلى الشوارع لإجبار الناس على العودة إلى منازلهم، وإكراههم على الكفّ عن مطالبهم في التغيير، ولإيصال رسالةٍ لهم مفاداها: لا تأملوا بالتغيير، فنحن نحكم هنا بقوّة السلاح.
وهنا نشأ الكفاح المسلح، خرج من الناس، وبرضى الناس، وهتف له الملايين بالرضا والتأييد، لقد خرجت كتائب مابات يعرف بالجيش الحر، كي تحمي الناس، تحمي خيارهم، تحميهم ممن يريد أن يفرض عليهم حكمه بالقوّة والعنف.
وهذا الكفاح المسلح يختلف إختلافًا جذريًا عن كل كفاح مسلح في التاريخ السوريّ، فالجيش الحرّ لم ينزل ليقاتل قوى النظام كي يصل إلى الحكم، وإنما كي ينزع حالة «الإكراه» في الحكم، وكي يخلّي بين الناس وقرارهم، بعدما لم يبقَ من وسيلة لنزع حالة الإكراه إلّا القوّة؟
وهذا هو الفرق بين الجهاد وبين الخوارج.. فالخوارج (الذين وصفتهم بعض كتب السنّة بأنهم يصومون ويصلّون ويقرأون القرآن أكثر من عامّة المسلمين)، يسعون إلى الحكم بقوّة السلاح، لفرض ما يرونه صوابًا على الناس. بينما الجهاد المشروع هو لنزع حالة الإكراه التي تمارسها أنظمة الحكم على شعوبها، هو لخلق مناخ (لا إكراه في الدين)، وهو أيضًا لحماية حالة الـ «لاإكراه» هذه، لحماية قرار الناس وخيارهم.
لم يمارس عليه الصلاة والسلام القوّة والعنف كي يفرض، ما أنزله الله، على المجتمع، بل اتّبع أسلوب الحكمة والموعظة الحسنة، أسلوب البلاغ المبين. ثم لمّا وصل إلى الحكم برضا الناس وقبولهم وإستقبلوه بـ «طلع البدر علينا»، بات واجبًا حماية هذا الخيار، وهذا الرضا، ومنع أن يكره أحدٌ هؤلاء تغيير ما اعتنقوه بقوّة السلاح.
لقد شُرع الجهاد (حتى لا تكون فتنة) والفتنة هي الإكراه (إن الذين فتنوا المؤمنين والمؤمنات)، أي أرادوا تغيير دينهم بالقوّة، في قصّة أصحاب الأخدود، التي تمثّل أوضح الصور في تعذيب الإنسان حتى يترك قراره، ودينه الذي ارتضاه.
لم يَصلْ صلى الله عليه وسلم الحكم بالقوّة، وإنما شرعت القوّة لحماية قرار الناس، والتخلية بينهم وبين إرادتهم.
وهذا ما أحبّ أن أنوّه إليه اليوم، الكثير من كتائب الجيش الحرّ، تدرك هذا المعنى، وهي لا تريد أكثر من الإطاحة بالظالم، الذي أكره الناس على القبول بحكمه، ثم أن تُخلّي بين الناس وقرارهم من يحكمهم.
لكن لا يخلو الأمر من بعض من يفكّرون بأن يتسلطوا على الحكم ببعض القوّة التي راكموها أثناء الثورة، يجب الحذر من هؤلاء، ورفضهم بشكلٍ قاطع، لقد عانينا لقرونٍ طويلة مع الإكراه، ونحن اليوم أقرب ما نكون للتخلص منه، فلنحرص على ذلك كلّ الحرص الممكن.