عباس النوري.. بوح ثم اعتذار تحت “بسطار” العسكر

  • 2022/01/31
  • 5:20 م
الفنان السوري عباس النوري (تعديل عنب بلدي)

الفنان السوري عباس النوري (تعديل عنب بلدي)

“من وقت ما جاء العسكر أطاحوا بالدستور، أطاحوا بالديمقراطيات، أطاحوا بكل الثقافة”.

بهذه الكلمات الواضحة انتقد الفنان السوري عباس النوري نموذج السلطة في سوريا، إذ يستند النمط القائم عليه الحكم إلى التضييق الشديد على الحريات، بالتزامن مع أحكام قانونية مقيدة وتعسفية.

كان ذلك خلال لقاء حُذف لاحقًا مع برنامج “المختار” عبر إذاعة “المدينة إف إم”، تطرّق فيه عباس إلى “إرث في البلد كان يضخ ثقافة عظيمة”، أُلغيت في المناهج التعليمية، نتيجة اختلاف أفكارها مع ما تحمله السلطة من أهداف.

رغم حذف اللقاء عبر صفحة “المدينة إف إم” في “فيس بوك”، تسلّل حديث عباس إلى أغلبية قنوات “يوتيوب” المهتمة بالشأن السوري.

https://www.youtube.com/watch?v=2bRq31Jhbrs

الجيش أقدس من الدستور

يصون الدستور السوري الصادر عام 2012 الحق في حرية التعبير، في الوقت نفسه تعتمد السلطة على قوانين لتتجاوز بها الضمانات الدستورية، كي تصبح الجهة الوحيدة التي تحدد كيف سينعم السوريون بتلك الحقوق.

فجّر كلام عباس المنتقد للعسكر في سوريا جدلًا واسعًا في مواقع التواصل الاجتماعي بين المستخدمين السوريين، بين متضامن مع وجهة نظره، ومنتقد لها بشدة، ووصفت الآراء التي أخذت جانب الهجوم الجيش بأنه “أمر مقدس لا ينبغي المساس به” كونه “المؤسسة الوحيدة الشريفة في هذا البلد”.

بمقابل هذا الهجوم المعتاد على أي انتقاد مباشر للسلطة، تضامنت مجموعة من الفنانين السوريين مع ما تحدث به عباس، أبرزهم كان منشور الفنان أيمن زيدان عبر “فيس بوك”، الذي لا يعتقد فيه أن “سياسة التخوين والإقصاء وتكميم الأفواه صارت مجدية لأنها بشكل أو بآخر لا تعبر عن منطق الحياة التي ننشدها”.

اعتذار عن ممارسة الحقوق

سياسة تكميم الأفواه التي اشتهرت بها سوريا بعد وصول الأسد الأب إلى السلطة في 1971، ما زالت مجدية بعكس ما يعتقده أيمن زيدان، يُلاحظ هذا بكم الهجوم العنيف ضد عباس.

بعد أن تكلم عباس النوري بما يراه مناسبًا لوصف واقع الحريات في سوريا بأنه أسوأ من واقع الحريات في منطقة الخليج العربي، فرضت ردود الفعل الظهور بنفس البرنامج الإذاعي مرة ثانية، واعتذار عباس النوري إلى المؤسسة العسكرية السورية، لأن الحديث في سياق منع الحريات قد “أُسيء فهمه وتم اجتزاؤه”.

ليست الشكوى من العسكرة ومن تسلط المخابرات جديدة، فمفاعيل هذا التسلط ماثلة أمام الجميع، وأولها منع المحاسبة وغياب أي شكل من أشكال الانتقاد المباشر للسلطة.

ويعتبر معدل حرية التعبير داخل سوريا صفرًا من أربعة، بحسب مؤشر الحريات العامة في العالم الخاص بمنظمة “Freedom House“.

يكفل الدستور السوري شكليًا حرية التعبير، لكن من الناحية العملية، فإن حرية التعبير مقيدة بشدة في المناطق التي تسيطر عليها حكومة النظام السوري، ويواجه الصحفيون أو المواطنون العاديون الذين ينتقدون سياسة السلطة الرقابة والاحتجاز والابتزاز والتعذيب.

بلد يرفض تاريخه

يعد عباس النوري إحدى أكثر الشخصيات الفنية التي أحدثت جدلًا في الأوساط الفنية منذ عام 2011، سواء بتصريحاته السياسية أو آرائه التاريخية أو الفكرية.

خلال دراسته في قسم التاريخ، تعرف عباس إلى المسرح بشكل أدق، وعمل في تلك المرحلة مع مخرجين أكاديميين، وكانت أهم مسرحية عمل بها هي “رسول من قرية تميرة للبحث عن قضية الحرب والسلم” للكاتب المصري محمود دياب.

“عندما يقول الناس إن هذا البلد لا يمشي الحال معها بالديمقراطية ولسا بدنا وقت طويل ليصير عنا ثقافة الديمقراطية، هذا كلام معيب، علمه، خليه يخوض تجارب، أنت عم تحكي على بلد عم ترفض تاريخها”، لا يتدرب المجتمع السوري، وفق وجهة نظر عباس، في المدارس على أن هناك أفكارًا متعددة في الشؤون الاجتماعية والسياسية والتاريخية، بل يتدرب على أن هناك قولًا واحدًا، وحزبًا واحدًا، ودينًا واحدًا، وقائدًا واحدًا عظيمًا، وجميعهم غير قابلين للنقاش أو النقد.

تميزت فترة الخمسينيات من تاريخ سوريا بأنها شهدت إلى ذلك الحين تداولًا للسلطة بين عدة شخصيات، إذ وصل عدد من تولى الحكم من عام 1922 (بعد الانتداب الفرنسي بعامين) وصولًا إلى عام الوحدة مع مصر 1958، إلى 12 رئيسًا، بمن فيهم أصحاب الانقلابات العسكرية.

إلى جانب تداول السلطة، انتشرت الصحف السياسية التي امتلكت سقف حرية مرتفعًا وصل إلى حد السخرية من رئيس الجمهورية، أديب الشيشكلي، عام 1953.

آراء ضد السلطة

علاقة عباس النوري مع السياسة بدأت مبكرًا، منذ أن بلغ من العمر 14 عامًا، عندما خرج باتجاه ساحة النجمة وسط دمشق، ليشهد على إطلاق النار في الشوارع، والدبابات التي نفذت انقلاب عام 1966، وهو الانقلاب الثاني الذي نفذه حزب “البعث”، بعد انقلابه الأول عام 1963.

وقال النوري في تصريحات صحفية لصحيفة “الأخبار” اللبنانية، في عام 2009، إنه اعتُقل للمرة الأولى من قبل “الشرطة المدنية” لعدة ساعات.

ومع بداية الثورة عام 2011، انقسم الفنانون السوريون إلى ثلاثة أقسام، قسم دعم النظام السوري مباشرة، وقسم عارضه، وقسم ثالث فضّل الصمت، ولم يُعرف موقف واضح لعباس النوري، لكنه استمر في العمل بإنتاجات محلية.

انتقل عباس وعائلته إلى بيروت، وعاش تجربة الانتقال بين العاصمتين السورية واللبنانية، حتى شهد عام 2013 تصريحات جديدة هاجم فيها رئيس النظام السوري، بشار الأسد.

وقال حينها، “إن الأب الذي لا يستمع إلى أولاده هو فاشل”، معتبرًا أن الثورة حدثت حتى يستطيع الناس التعبير عن أنفسهم، بحسب ما نقلته صحيفة “لوس أنجلوس تايمز” الأمريكية.

النظام السوري هو نظام عسكري بطبيعته ولا يملك، بحسب ما قاله عباس، “ثقافة أن الناس لديهم رأيهم أيضًا”، وأن “النظام لم يصدق أنه من الممكن انتقاده فأطلق النار على الثقافة والناس”.

وأشار عباس إلى أن سوريا “عاشت كذبة كبيرة، وما يحصل فيها عبارة عن انفجار”.

لم يُحذف لقاء عباس مع الصحيفة الأمريكية حينها، إلا أن لقاءه مع وسيلة إعلام محلية في دولة غير حرة مثل سوريا، يتشكل فيها هيكل السلطة من أجهزة أمنية تراقب الشارع، فـ”لا مجال للتنفس”، وكل محاولة للتعبير بحرية هي محاولة فاشلة، طالما أن السلوك الأمني للنظام لم يتغير.

مقالات متعلقة

  1. ما حصل أن عباس النوري قد نسي
  2. عباس النوري.. "عكيد" تقلبات السياسة والدراما
  3. الحرية عندما يطالب بها عباس النوري
  4. ما حقيقة منع عابد فهد وعباس النوري من الظهور على الإعلام السوري؟

فن وثقافة

المزيد من فن وثقافة