النظام السوري يراكم عبء خزينته بـ”السندات”
عنب بلدي- جنى العيسى
أعلنت وزارة المالية في حكومة النظام السوري عن موعد المزاد الأول للأوراق المالية الحكومية للعام الحالي، للاكتتاب على سندات خزينة بأجل خمس سنوات، وبقيمة إجمالية تصل إلى 200 مليار ليرة سورية، وحددته في نهاية الشهر الحالي.
وكانت الوزارة أعلنت عن تنظيمها أربعة مزادات للاكتتاب على سندات الخزينة لعام 2022، بقيمة 600 مليار ليرة، بآجال وقيم مختلفة، بحسب بيان صادر عنها في 9 من كانون الأول 2021.
وتهدف الوزارة عبر هذا الإجراء إلى تمويل “الإنفاق الاستثماري” للقطاع العام، وتأمين فرص استثمارية للقطاع المصرفي الخاص والعام، لتوظيف ودائعه في استثمارات “منخفضة المخاطر”، تتيح له التوسع في عمليات قبول الودائع، وفقًا للبيان.
ما سندات الخزينة؟تعرف سندات الخزينة بأنها قروض تصدرها الدولة ومؤسساتها للاكتتاب العام، وتحصّل الحكومة قيمتها من الأفراد (أو الهيئات). وتمتاز هذه السندات بأنها طويلة الأجل (قد تصل إلى 30 عامًا)، يحق لمشتريها الحصول على عائد سنوي على شكل فائدة ثابتة. وبالعادة، تُستخدم السندات وتُطرح للاكتتاب العام بغرض إحداث تنمية اقتصادية، ورفد خزينة الدولة بعائدات، وتسمى “قروض إنتاج” أو “قروض تنمية”، وقد تلجأ إليها الحكومات لتمويل حروبها، وفق مسمى “قرض حربي”، كما فعل بنك “بريطانيا”، الذي طرح سندات الخزينة للاكتتاب العام في 1693 خلال الحرب ضد فرنسا. وتتعهد الدول عادة بتسديد قيمة الفائدة المترتبة على الاستكتاب في سندات خزينتها، بفائدة ثابتة كل ستة أشهر، مقابل الالتزام بدفع قيمة السند عند تاريخ استحقاقه، ويتم ذلك وفق تقييم من قبل وكالات التصنيف الائتماني، كوكالة “موديز” و”ستاندرد آند بورز” لتقدير هامش الخطر في اقتصاد البلد المعني، وقدرته على تسديد التزاماته للدائنين، وهو ما يسمى بـ”المخاطر الائتمانية”. |
خيار “وحيد” لتمويل العجز “الكبير”
توصف سندات الخزينة بأنها “حل إسعافي”، كفيل بإخراج الحكومة من أزمة مالية في حال عجزها عن استحقاق أموالها عبر الضرائب والرسوم، لكنها تغرق الحكومة العاملة بها في ديون لاحقة مستقبلًا، ويدل لجوء الدولة إليها على وجود عجز في الموازنة العامة، وحاجة إلى تغطية هذا العجز.
حكومة النظام بدأت بطرح سندات الخزينة والأذون للاكتتاب لأول مرة في عام 2010، وأجرت حينها سبعة إصدارات، قالت حينها، إنها بغرض تمويل مشروعات للبنية التحتية، واعتبر القرار آنذاك خروجًا عن المنهج السابق بالاستناد إلى البنك المركزي في الاقتراض الداخلي.
كما نفّذت إصدارين في عام 2020، لتعلن أيضًا أنها تتجهز لأربعة إصدارات خلال العام الحالي، بهدف تغطية عجز الموازنة العامة.
وتبلغ قيمة العجز في الموازنة العامة للعام الحالي، أربعة آلاف و118 مليار ليرة سورية (أكثر من 4.12 تريليون).
ومن المقرر تغطية هذا العجز عن طريق 600 مليار ليرة عبر سندات الخزينة، وحوالي 500 مليار ليرة من “موارد خارجية”، والباقي ستتم تغطيته عن طريق مصرف سوريا المركزي كاعتمادات مأخوذة من الاحتياطي لدى المركزي.
الدكتور في العلوم المالية والمصرفية فراس شعبو، اعتبر أن طرح سندات الخزينة للاكتتاب، صار اليوم منهجًا وسلوكًا اعتياديًا لدى حكومة النظام، بسبب انعدام وجود الخيارات التي تُمكّنها من تمويل العجز “الكبير” لديها.
وأوضح شعبو، لعنب بلدي، أن النظام فقد القدرة على تحسين الوضع الاقتصادي خاصة مع فقدانه قسمًا كبيرًا من موارده الاقتصادية سابقًا (كالنفظ والقمح)، والشلل الحاصل في قطاعَي الإنتاج والتصدير، مضيفًا أنه حتى احتياطي الأموال الموجود في مصرف سوريا المركزي وصل إلى حدوده الدنيا.
وهذا ما يترك أمامه إصدار السندات كخيار وحيد قادر على الاعتماد عليه لتمويل هذا العجز، في ظل غياب الاقتراض الخارجي أو الفرص الاستثمارية البديلة.
ويرى شعبو أن شراء هذه السندات يعتبر “مجازفة” قد لا تشجع العديد من المستثمرين، في ظل وجود بيئة استثمارية “غير سليمة” وقيمة عملة “تتهاوى” ووسط تدهور اقتصادي “كبير”.
“عبء متراكم” مع غياب الاستثمار
تلجأ الدول إلى آلية طرح سندات الخزينة عادة لغايات استثمارية، لتحقيق منفعة ما، إذ تحتاج الأموال إلى بدء استثمارها فتقترضها “اقتراضًا داخليًا”، وتقوم بسداد تلك القروض من عوائد هذه الاستثمارات، بحسب ما أوضحه الدكتور فراس شعبو.
وفي الحالة السورية، هناك غموض في أسباب الاقتراض عبر طرح سندات الخزينة، وهو ما أكده رئيس “هيئة الأوراق والأسواق المالية”، عابد فضيلة، في حديث إلى وكالة “سبوتينيك” الروسية، في 26 من كانون الثاني الحالي، إذ قال إنه لا أحد يعلم على ماذا تم إنفاق الـ130 مليار التي اقترضتها الدولة (السورية) عبر هذه الآلية منذ سنتين (في عام 2020).
وأكد فضيلة أن الاقتصاديين يصرّون دائمًا على أن يتم تشغيل هذه القروض (الأموال) بمشاريع استراتيجية ضرورية منتجة، لا أن تُنفق على مشاريع هامشية أو استهلاكية، فتتحول بذلك إلى عبء متراكم على خزينة الدولة.
كما أكّد الباحث في الاقتصاد الدكتور فراس شعبو، لعنب بلدي، أن من “أسوأ” القروض، تلك التي تقترضها الدولة لتستهلكها في دفع الرواتب مثلًا أو تمويل عجز الموازنة في غايات استهلاكية “بحتة”، والتي لا تسهم أبدًا في إنقاذ الاقتصاد كما تُروّج لها حكومة النظام.
دين داخلي مرتفع
تغيب الإحصائيات المالية الدقيقة عن وزارة المالية في حكومة النظام، إذ تُظهر أحدث إحصائية نقلتها صحيفة “الوطن” المحلية، أن الدين العام الداخلي وصل إلى 465 مليار ليرة سورية، في المدة الواقعة بين بداية عام 2020 وحتى منتصف الشهر الثامن من نفس العام، وهو ما يعادل حوالي 11.6% من إجمالي اعتمادات الموازنة العامة لعام 2020 البالغة أربعة آلاف مليار ليرة سورية (أربعة تريليونات ليرة).
وجُمع الدين الداخلي العام حينها من خلال سندات الخزينة وشهادات الإيداع، التي اكتتب فيها عدد من المصارف المسموح لها بالمشاركة في المزادات التي طرحتها الوزارة.
وتوزع الدين الداخلي العام على أربعة مزادات، منها اثنان للاكتتاب على سندات الخزينة، جُمع فيهما حوالي 298 مليار ليرة، ومزادان للاكتتاب على شهادات إيداع لأجل ستة أشهر، جُمع فيهما حوالي 166 مليار ليرة سورية.
اذا كنت تعتقد/تعتقدين أن المقال يحوي معلومات خاطئة أو لديك تفاصيل إضافية أرسل/أرسلي تصحيحًا
إذا كنت تعتقد/تعتقدين أن المقال ينتهك أيًا من المبادئ الأخلاقية أو المعايير المهنية قدم/قدمي شكوى
-
تابعنا على :