عنب بلدي – خالد الجرعتلي
مع كل استهداف عسكري لمجموعات وعناصر من “قوات سوريا الديمقراطية” (قسد) شمال شرقي سوريا، تحاول وسائل إعلام النظام الرسمية الترويج للهجوم على أنه ذو طابع وطني تحت عنوان “فصائل المقاومة الشعبية”.
وتبنّت هذه الفصائل بدورها عددًا من الهجمات التي استهدفت القواعد والقوات الأمريكية شمال شرقي سوريا خلال السنوات الأخيرة.
في 17 من كانون الثاني الحالي، استهدف مجهولون بالأسلحة الرشاشة نقطة عسكرية تابعة لـ”قسد” في قرية النملية بريف دير الزور الشمالي، دون أن ترد معلومات عن إصابات، بحسب شبكة “دير الزور 24” المحلية.
وبينما لم تُعلن أي جهة عن تبنيها عملية الاستهداف، قالت وكالة الأنباء السورية الرسمية (سانا)، إن فصائل “المقاومة الشعبية” استهدفت النقطة العسكرية التابعة لـ”قسد”، ما أسفر عن جرحى من الجنود الموجودين في النقطة العسكرية.
وجاء ذكر “المقاومة الشعبية” على لسان رئيس النظام السوري، بشار الأسد، في مقابلة مع وكالة “روسيا سيغودنيا” عام 2020، كخيار أخير لطرد القوات الأمريكية من سوريا في حال لم تقبل بالانسحاب.
وفي لقاء أجرته وكالة “تسنيم” الإيرانية، اختارت له تاريخ ذكرى “هجمات سبتمبر”، ونشرته في 11 من أيلول 2021، مع القيادي في “لواء الباقر” الذي أشارت إليه بأنه “إحدى أذرع المقاومة الشعبية في منطقة الجزيرة السورية”، قال عمر الحسين الحسن، إن “المقاومة” تنظر إلى “قسد” على أنها إحدى أدوات “الاحتلال الأمريكي” في المنطقة الشرقية.
وفي دلالة على حجم ارتباط “المقاومة الشعبية” المزعومة بإيران، قال القيادي، إن “الإيرانيين كانوا السند الصادق لنا في محاربة )داعش) ومقاومة جيش الاحتلال الأمريكي وميليشيات (قسد)”.
وتكررت على لسان زعيم “حزب الله” اللبناني، حسن نصر الله، في 3 من كانون الثاني الحالي، أن “المقاومة الشعبية” في شرق الفرات هي “الخيار الصحيح” الذي سيؤدي إلى خروج الجيش الأمريكي من سوريا.
هل هي “مقاومة شعبية” فعلًا
لواء الباقر
كأول رد فعل رسمي من قبل “قسد” على هذه المجموعات التي يحاول النظام السوري تأمين غطاء إعلامي وشعبي لها، وتحميلها طابعًا وطنيًا بعد كل عملية أمنية في مناطق نفوذها، أصدرت “قسد” بيانًا حمّلت فيه وسائل إعلام النظام مسؤولية أعمال أمنية نفذها تنظيم “الدولة الإسلامية” في الحسكة.
وأصدرت “الإدارة الذاتية”، المظلة السياسية لـ”قسد”، بيانًا جاء على لسان المتحدث الرسمي باسمها، لقمان أحمي، حمّل فيه عدّة أطراف مسؤولية الهجوم الذي شنه تنظيم “الدولة” في مدينة الحسكة، في 19 من كانون الثاني الحالي.
وعن الأطراف التي كان لها شأن بهذا الهجوم، قال أحمي، إن النظام السوري الذي يصف “الخلايا الإرهابية” بأنها مجموعات “المقاومة الشعبية”، ويحاول دعمها إعلاميًا ولوجستيًا، لإضفاء الشرعية وتحميلها طابعًا وطنيًا، يتحمّل مسؤولية هجمات التنظيم، في إشارة إلى أن الهجمات التي يروّج لها النظام السوري على أنها “مقاومة شعبية” للوجود الأمريكي شمالي وشرقي سوريا ما هي إلا هجمات خلايا من تنظيم “الدولة”.
وتعتبر مناطق نفوذ “قسد” شمال شرقي سوريا، من أكثر المناطق التي تشهد نشاطًا لخلايا تنظيم “الدولة الإسلامية” الذي يستهدف نقاطًا عسكرية تابعة لها بشكل شبه يومي.
وبينما لم يتبنَّ التنظيم أي عملية في المنطقة، تحدثت وسائل الإعلام الموالية للنظام السوري عن أن “المقاومة الشعبية” هي التي تقف وراء العديد من الهجمات التي طالت عناصر من “قسد” في شمال شرقي سوريا.
في 5 من كانون الثاني الحالي، شهدت قرية العزبة شمالي محافظة دير الزور، التي تسيطر عليها “قسد”، مظاهرات شعبية طالبت قوات النظام والميليشيات الإيرانية بمغادرة المناطق التي تسيطر عليها شرق نهر “الفرات”، ردًا على كلمة لزعيم “حزب الله” اللبناني.
النظام عاجز والخلايا الأمنية خياره الوحيد
في نيسان 2018، اختبرت قوات النظام السوري والميليشيات الرديفة له في المناطق الشرقية من سوريا جدّية التحالف الدولي في الدفاع عن مناطق نفوذه في سوريا، عبر شنّ هجوم واسع على مناطق نفوذ “قسد” في ريف محافظة دير الزور الشرقي.
ووقع الاشتباك قرب دير الزور، عندما هاجم مقاتلو “فاغنر” وقوات النظام وميليشيات إيرانية، موقعًا تسيطر عليه “قسد”، وقصفوه بالدبابات والمدفعية.
وبسبب وجود القوات الخاصة الأمريكية في الموقع، تدخّل سلاح الجو الأمريكي وسلاح مشاة البحرية، بغطاء جوي كبير من نيران المدفعية الصاروخية والطائرات الحربية والمروحيات الهجومية والمقاتلات الضاربة، وحتى القاذفات الاستراتيجية من طراز “B-52” التي شاركت بعملية القصف.
بينما لم تتوفر معلومات دقيقة عن خسائر قوات النظام وحلفائها إثر الهجوم، إلا أن المعلومات التي ذكرتها الصحف العالمية حينها تحدثت عن مئات القتلى، بينهم مرتزقة روس من ميليشيا “فاغنر”.
المحلل العسكري والضابط في صفوف “الجيش الوطني السوري” العميد زياد حاج، قال في حديث إلى عنب بلدي، إن قوات النظام صارت عاجزة عن إحداث أي تغيير أو تأثير في مناطق شمال شرقي سوريا التي تتمركز فيها قوات التحالف الدولي منذ عام 2016.
وأضاف أن هذا العجز دفعه للجوء إلى خطط بديلة، كتجنيد الخلايا الأمنية التي تستهدف نقاطًا عسكرية وأفرادًا تابعين لـ”قسد”، إضافة إلى القواعد العسكرية التابعة للتحالف الدولي، إن أمكن ذلك.
وفي نيسان 2018، ادعت “المقاومة الشعبية في المنطقة الشرقية”، التابعة للنظام السوري، استهداف موقع ينتشر فيه جنود أمريكيون شمالي الرقة، في تسجيل مصوّر بثته عبر “فيس بوك”.
واعتبر الحاج أن أفعال النظام في المنطقة الشرقية تقتصر على محاولته تصدير حالة عدم الاستقرار الأمني التي تشهدها مناطق نفوذه، باتجاه مناطق النفوذ الأجنبية في سوريا.
وكان التشكيل ذاته أعلن عن استهداف القاعدة الأمريكية المتمركزة في معمل أسمنت “لافارج” بعين عيسى بقذائف الهاون، مطلع نيسان 2018، ردًا على قرار ترامب بإبقاء قواته في سوريا ستة أشهر، وفق بيان نُشر عبر “فيس بوك”.
كما تبنّى العديد من الأعمال الأمنية في مناطق نفوذ “قسد” شمال شرقي سوريا، التي استهدفت جنودًا وآليات وقياديين تابعين لها، إلا أن المُعرف الرسمي للفصيل عبر “فيس بوك” توقف عن تبنّي أعماله الأمنية في المنطقة منذ منتصف عام 2021، وصارت تقتصر على الأخبار التي تنقلها وكالة الأنباء السورية الرسمية (سانا).
مستوى التأثير على الصعيد الميداني
ربما لا تعتبر العمليات المتفرقة لهذا الخلايا الأمنية شمال شرقي سوريا ذات تأثير آني، خصوصًا أنها تقتصر على تنفيذ ضربات خاطفة، لا تسفر عن أضرار في بعض الأحيان، وفي أحيان أُخرى تقتصر على عطب سيارة، أو قتل عنصر من “قسد”، إلا أنها تشكّل تحديًا وتهديدًا أمنيًّا حقيقيًّا لقوات التحالف الدولي و”قسد” على حد سواء، بحسب ما يعتقده الباحث في مركز “جسور للدراسات” أنس شواخ.
كما قد يؤدي مثل هذا النوع من العمليات إلى تقويض أي مساعٍ من أصحاب النفوذ في المنطقة، لتحقيق “استقرار نسبي” في مناطق شمال شرقي سوريا، إضافة إلى احتمالية أن تؤدي في حال استمرارها وارتفاع وتيرتها إلى إجراءات أمنية وقائية تقوم بها قوات التحالف الدولي أو حليفتها “قسد”، كالعمليات الأمنية الواسعة النطاق، أو عمليات استهداف أمنية دقيقة داخل مناطق سيطرة هذه الميليشيات، بحسب شواخ.
وتتشابه هذه الخلايا الأمنية الموالية للنظام السوري مع خلايا تنظيم “الدولة” الأمنية في المنطقة، من حيث البنية التنظيمية وأسلوب الاستهداف الذي تستخدمانه داخل مناطق سيطرة “قسد”، وهي الخلايا الأمنية السريّة التي تعتمد على عمليات التنفيذ والهروب.
كما تتشابهان في طبيعة الأهداف التي تستهدفها، كالنقاط العسكرية والمدنيين المتعاملين معها، أو موظفي “الإدارة الذاتية” وناشطين مناهضين للنظام أحيانًا، بحسب شواخ.
إلا أنه وبحسب شواخ، يقتصر تأثير هذه الخلايا على استقرار المنطقة، فمن الممكن أن تسفر عن تكثيف عمليات التحالف و”قسد” الأمنية في مناطق نفوذهما.
وشُكّلت من تسمي نفسها “المقاومة الشعبية” في الرقة منتصف عام 2018، بحسب ما أعلنته عبر “فيس بوك”، إذ قالت إنها تعمل على “انتفاضة الرقة ضد مشروع الاحتلال الأمريكي”.