خطيب بدلة
ذكّرني “فيسبوك” بمنشور كتبتُه قبل خمس سنوات، أشرت فيه إلى أمرين ظريفين جدًا، الأول، بيان صدر، في تلك الآونة، عن “هيئة تحرير الشام” التابعة لتنظيم “القاعدة”، ينص على أن الفصائل التي تتشكّل منها “الهيئة” تقاتل العدو النصيري، والدولَ الصليبية، لأنها تخشى على أهل الشام من إقامة دولة “ديمقراطية”! والثاني، أن ممثلي الفصائل الإسلامية المعتدلة اعترضوا، في اجتماعات “أستانة”، على تضمين بيانهم الختامي إشارة إلى أن سوريا المستقبل دولة “علمانية”.
وتذكرتُ، بالتداعي، الشيخ متولي الشعراوي الذي صرح، بعد حرب حزيران 1967، أنه، بمجرد ما مُنيت الدول العربية بتلك الهزيمة المنكرة، توضأ، وصلى ركعتين شكرًا لله، لأن نصر الأمة العربية، يومئذ، لو حصل، يعني أن ترتمي بلادنا في أحضان الشيوعية. ومن يشاهد الفيديو الذي يتضمّن ذلك التصريح الديماغوجي العجيب، سيلاحظ مقدار التأييد الذي حصل عليه الشعراوي من مستمعيه، وهذا يعني أن أولئك المؤيدين، المطيبين، المهللين للهزيمة، يجهلون أن جمال عبد الناصر كان يلاحق الشيوعيين في مصر، يعتقلهم، ويلعن سنسفيل أجدادهم، وعندما قامت الوحدة مع سوريا بادرت أمريكا التي كانت منهمكة بمحاربة الشيوعية لتأييده، فهي تتوقع أن يفعل عبد الناصر الشيء ذاته في سوريا، وقد حدث هذا فعلًا، إذ انطلقت حملة اعتقال الشيوعيين في سوريا بينما كانت خُصَى الإخوة الوحدويين تتعرق من فرق الدبكة.
في الأشهر الأولى للثورة السورية، ولغاية شهر آب 2012، كنت أنا محسوبكم أسافر من معرتمصرين إلى حلب عن طريق سرمدا، مرورًا بالدانا، وهوتة عين جارة، وعرب فطومة، وصولًا، من تحت الجسر، إلى مشروع 3000 شقة سكنية في جنوب غرب حلب، ومنه إلى المكان الذي كنت أقيم فيه. سبب سلوكي هذا الطريق المتعرج أنني كنت أسعى لتجنب المرور بحواجز النظام. المهم، صار يلفت نظري، مع اشتداد عود الفصائل الإسلامية، أنهم شرعوا يقتلعون إشارات المرور التي تُرشد السائقين إلى تعليمات الطريق ومفاجآته، ويضعون محلها شاخصات تتضمن عبارة: لا تنسَ ذكر الله. الديمقراطية كفر. العلمانية دين الغرب، إلى آخره. ولعلك تصدقني، عزيزي القارئ، إذا قلت لك إنني ما زلت، منذ ذلك التاريخ، أفكر في هذا الأمر، وتوصلت إلى أن هذا الخلط في الأوراق ناتج عن عقلية استبدادية وانتهازية في آن واحد، فأولئك العتاولة لو رأوا شاخصة مرورية مثبتة في باحة أحد الجوامع، مثلًا، لكسروها، وأهانوا الشخص الذي زرعها، ومع ذلك يسمحون لأنفسهم باقتلاع شاخصات المرور من الطرقات العامة، واستبدال مواعظ بها تتضمن مزايدة رخيصة على المسلمين، إذ يتهمونهم بالغفلة عن ذكر الله، ويذكرونهم بالشهادتين، ويوحون لهم، كذلك، بأن الديمقراطية التي حققت لشعوب أوروبا الرفاهية الاجتماعية، والاستقرارَ السياسي، وحمت أبناء جميع أبناء الأديان والقوميات والمذاهب من الاضطهاد، وضمنت لهم حرية الاعتقاد وممارسة طقوس العبادة، كفر. كيف تكون الديمقراطية كفرًا؟ ولماذا؟ وكيف؟ لا ندري.
أخيرًا، في يوم من الأيام، خطرت لي فكرة أظنها بالغة الأهمية، إذ سألت نفسي: إذا كانت العلمانية دينَ الغرب، والغرب، كما نعلم، متقدم جدًا، أفلا يعني هذا أنها شيء جميل؟