في 15 من تموز 2020، كان حمزة عجان يعمل في سوق الهال (بازار غورسو)، وهو أحد أسواق ولاية بورصة التركية، حينها جاءت امرأة سورية إلى جيران حمزة في البازار، وكانوا أربعة أخوة شباب، تريد شراء بندورة بكمية كبيرة، وكانت لا تجيد اللغة التركية.
نادى الجيران لحمزة للاستعانة به من أجل الترجمة. أخبرهم حمزة بطلبها، ووعدت المرأة أن تأتي في المساء لتأخذ الكمية المطلوبة، وطلبت بوضع الصناديق جانبًا وعدم بيعهم، عندما عادت المرأة لأخذ الكمية وجدت اختلافًا في جودة البندورة التي طلبت أن توضع جانبًا، الأخوة الشباب نادوا لحمزة لأن المرأة لم تعد تريد الشراء. وهنا بدأت المشكلة”.
بهذه الكلمات سرد محمد، شقيق حمزة عجان، بداية الحادثة التي أودت بحياة أخيه، والذي كان يبلغ حينها 17 عامًا، بعد أن جاء إلى تركيا منذ سبعة أعوام.
قال محمد لعنب بلدي، “بدأ الشباب بشتم المرأة (…) عاتبهم حمزة على كلامهم وشتمهم، ليردوا عليه بعدم علاقته بالموضوع، بعدها هجم الأخوة الأربعة عليه وضربوه، بحسب كلام الناس والجيران والإفادات الأولية، لكن بعدها بدأت الناس تغير أقوالها، إذ كان أغلب أصحاب البسطات على قرابة ومعرفة بالأخوة”.
بعد أكثر من عام على الحادثة، أصدرت محكمة الجنايات “16” في ولاية بورصة، حكمها في قضية مقتل حمزة عجان، إذ فرضت عقوبة السجن لمدة ثلاثة أعوام وأربعة أشهر على أحد المعتدين، وتبرئة البقية.
صدم الحكم عائلة حمزة ومحامي الادعاء، في سياق محاكمة حدثت فيها عدة إجراءات إشكالية، بينما قُدّم الطعن حاليًا ضمن المدة القانونية.
“ضرب مبرح وشديد ومؤلم”
الحادثة التي استمرت لبضع دقائق لم ينتبه لها صاحب “البسطة” التي يعمل عليها حمزة، حيث كان على الجانب الآخر منها، منشغلًا بإغلاق مكان بيع بضاعته بعد انتهاء يوم العمل.
شاهد صاحب “البسطة” تجمع الناس حول مكان الحادثة، كان حمزة مرميًا على الأرض حينها، جاءت سيارة الإسعاف، وحين وصلت عائلة حمزة عجان إلى المستشفى، علمت أن ابنها في قسم العناية المشددة، وبعد نصف ساعة خرج الطبيب الذي كان يعاين الوضع الصحي لحمزة، وكان يجيد العربية، وسأل عن صلة العائلة به، ليأخذ الطبيب الأخ الأكبر لحمزة، محمد، جانبًا من أجل أن يطلعه على وضع أخيه.
“قال الدكتور إن الشاب بين الموت والحياة وجسده تعرض لضرب مبرح وشديد ومؤلم، الضرب ألحق الضرر والأذى بالكبد والقلب والرأس، وإن عاش فإنه سيعيش مشلولًا، وسأل الطبيب عن طبيعة الضرب والهجوم، لكن العائلة لم تكن تعلم أي تفصيل عن ذلك”، وفق ما قاله محمد عجان.
بعد انتظار من ثلاث إلى أربع ساعات من كلام الطبيب، نُقل حمزة إلى قسم آخر في المستشفى ليفارق الحياة بعدها بساعة واحدة.
“في اليوم الثاني قدمت الشرطة والوالي ومدير المنطقة ومسؤولين لا أعلمهم إلى المنزل، وجرى اتصال من وزير الداخلية بأن الوزارة تتابع القضية وأن العدالة ستأخذ مجراها”، بحسب محمد.
لكن العائلة بعد هذا التصريح “لم تعد ترى أحدًا، ولا تتلقى أي سؤال، فوكلت محاميًا لمتابعة القضية، بعدما علمت أن الأخوة هربوا إلى أضنة وأن الشرطة ألقت القبض عليهم، بحسب كلام الشرطة”.
وبعد عقد المحكمة وحضور عدة جلسات، تفاجأ محمد بعد مرور فترة ستة أشهر من الحادثة، بجلسة اضطرارية دون إبلاغ سابق بموعدها وإطلاق سراح ثلاثة من الأخوة وإبقاء شخص واحد في السجن، موضحًا أن “محامي التوكيل للدفاع عن قضية حمزة لا يعلم بهذه الجلسة”.
تأخر صدور تقرير الطب الشرعي
خلال فترة المحاكمة اعتاد محمد أن يسأل في كل جلسة عن التقرير الطبي، والذي من المفترض أن يتضمن السبب المباشر للوفاة عن طريق فحص الجثة.
لكن كان يجري إبلاغه بأنه غير جاهز وبحاجة إلى أوراق، وبعد مرور سنة ونصف، تفاجأ بأن التقرير الطبي الذي ظهر بتاريخ 11 من كانون الثاني 2022، يتحدث عن بوجود مرض بدم حمزة، وأنه توفي نتيجة تأثير المرض الذي يعاني منه وليس الضرب.
تنفي عائلة حمزة وجود أي مرض بجسد ابنها، إذ تظهر بيانات الحكومة الالكترونية “e-Devlet” أن حمزة سليم معافى لا يعاني من أي مرض.
وبحسب ما قاله الناشط المختص في حقوق اللاجئين السوريين في تركيا والمطلع على القضية طه غازي فإن تأخر إصدار تقرير الطب الشرعي لمدة عام ونصف العام في قضية حمزة عجان كان بسبب “الإجراءات الاحترازية المتعلقة بفيروس كورونا”.
وبالإضافة إلى الإجراءات الاحترازية، يرجع سبب تأخر صدور تقرير الطب الشرعي إلى “إجراءات إدارية بحسب ما قاله لنا محامي حمزة”، وفق ما أوضحه الناشط غازي المطلع على القضية، في حديث إلى عنب بلدي.
تغيير إفادات
بجسب ما قاله محمد عجان، “يوجد شخص غيّر إفادته ثلاث مرات خلال جلسات المحكمة”، وعدا عن ذلك أوضح صاحب “البسطة” التي كان يعمل عليها حمزة بوجود امرأة أخرى عند شرفة منزلها شاهدت الحادثة وقتها، وهي مستعدة للإدلاء بشهادتها أمام المحكمة، و”لكن عند استدعائها للمحكمة قالت إنها لم ترَ جيدًا تفاصيل ما حدث لحمزة”، وفق ما ذكره محمد.
وأوضح الناشط الحقوقي طه غازي أن “تغيير إفادات الشهود في القضية من شأنه التأثير على الحكم بكل تأكيد، فلو بقي الشهود على إفاداتهم الأولى، لكانت القضية في صف حمزة الأن”.
وبعد صدور الحكم، تواصل الناشط طه غازي مع بعض الكوادر الحقوقية في الهيئات الحقوقية التركية، التي أبدت رغبتها في متابعة ملف الدعوى والسعي لنيل حقوق العائلة كاملة وملاحقة الجناة، وفق ما ذكره غازي.