قُدّمت 34 ورقة بحثية متخصصة في مناقشة عدة قضايا سورية، أبرزها الأزمات الاقتصادية، والاجتماعية والإنسانية بما فيها اللجوء، والهوية الوطنية، ومسألة إعادة الإعمار، وكان ذلك في المؤتمر السنوي الذي حمل اسم “الحرية الأكاديمية الكاملة للباحثين الاجتماعيين”.
شارك في المؤتمر الذي اختتمت أعماله، في 25 من كانون الثاني الحالي، مركز “حرمون للدراسات المعاصرة” و”الجمعية السورية للعلوم الاجتماعية“، بالاشتراك مع مجلة “قلمون“.
بدأ المؤتمر في 15 من كانون الثاني الحالي، وبسبب الإجراءات الاحترازية ضد فيروس “كورونا المستجد” (كوفيد- 19) ومتحوره الجديد “أوميكرون”، عُقد المؤتمر من خلال البث المباشر عبر تطبيق “زووم”، بالإضافة إلى صفحة المركز عبر “فيس بوك“.
“عالجت الأوراق البحثية المقدمة في المؤتمر عددًا من المسائل الخاصة بالثورة السورية ومآلاتها، وقضايا الهوية الوطنية وآليات التماسك المجتمعي الذي يحتاج إليه السوريون اليوم أكثر من أي وقت مضى، والمسائل المتعلقة بالتحول الديمقراطي ودور منظمات المجتمع المدني، ومسألة الأقليات وحق تقرير المصير، بما في ذلك المسألة الكردية التي تتعدد بشأنها وجهات النظر”، وفق ما قاله رئيس “الجمعية السورية للعلوم الاجتماعية”، خضر زكريا، في حديث إلى عنب بلدي.
كما تناولت الأوراق البحث عن “بعض الأبعاد القانونية للقضية السورية وكيفية إصلاح القوانين، ومسألة إعادة الإعمار، وما يرتبط بها من تحديات. فضلًا عن البحث في مسائل نظرية مهمة، كمسألة الدين والعلمانية، وفي شؤون أدبية وفنية وغيرها”، وفق ما أضافه زكريا.
اقرأ أيضًا: مراكز الأبحاث.. خطوة لتفكيك العُقد السورية
فرصة لتقديم الأبحاث
يتيح المؤتمر للباحثين السوريين ومن في حكمهم، في أي من العلوم الاجتماعية (علم الاجتماع، الفلسفة، الأنثروبولوجيا، علم السكان، الاقتصاد السياسي، العلوم السياسية والعلاقات الدولية، التاريخ، التربية، علم النفس، الإعلام، القانون، الدراسات العابرة للتخصصات) تقديم أوراق علمية حول الأبحاث التي يجرونها، أو التي تم إنجازها ولم تُنشر بعد، وفق ما دعا إليه زكريا، بغض النظر عن موضوع البحث أو التخصص الأكاديمي للباحث.
وتهدف دورات المؤتمر إلى تحقيق تعارف الباحثين السوريين في العلوم الاجتماعية، الموجودين في بلدان العالم المختلفة، والتعرف إلى الإنتاج البحثي الحالي لكل منهم، وتبادل وجهات النظر حول ذلك الإنتاج بحرية تامة، بعيدًا عن أجواء الرقابة والقمع، وإرساء قواعد جديدة في الحوار الأكاديمي الحر.
كما يهدف المؤتمر، بحسب زكريا، إلى تداول القضايا التي يعاني منها المجتمع السوري في أزمته الحالية، بما في ذلك قضايا اللجوء والهجرة، والمشكلات الاجتماعية التي تواجه السوريين في الداخل والخارج، كالمشكلات الخاصة بالتعليم والصحة والبيئة.
والغاية الرئيسة من انعقاد المؤتمر بشكل سنوي، بحسب وجهة نظر مدير مركز “حرمون للدراسات المعاصرة”، سمير سعيفان، هي استقطاب الأكاديميين والباحثين وتعزيز العمل البحثي والعلمي والاستفادة من جميع الخبرات والكفاءات السورية، وفتح المجال أمام الدراسات المستقبلية لكل المشكلات والقضايا التي أفرزتها الحرب في المجتمع السوري، خصوصًا أن سوريا تعيش حاليًا واقعًا مأساويًا على كل الأصعدة السياسية والاقتصادية والاجتماعية.
واعتبر سعيفان، في حديث إلى عنب بلدي، أن هذا المؤتمر مكان التقاء لكل الباحثين السوريين، ويتيح تسهيل التواصل والتعاون البحثي فيما بينهم.
تحاول مثل هذه المبادرات البحثية فهم المشهد السوري العام المتكون من تركيبة معقدة تتداخل فيها مصالح الفاعلين في مختلف المجالات، بالتزامن مع تغيّر البنى التنظيمية والإدارية والسياسية والقانونية والاقتصادية والثقافية داخل الدولة والمجتمع، فضلًا عن تغيّر علاقة المجتمع بالسلطة التي تحكمه، وعلاقتهما مع المحيط الإقليمي والدولي.
تحتاج حالة التعقيد السوري هذه، التي انفجرت عام 2011، إلى خطوات واعية تمتلك الأدوات لتفكيكها من أجل فهمها وتحليلها من أساسها، وذلك عبر التمكّن من القدرة على نقدها بموضوعية، ومراجعة ما كان يُعتقد أنه يقين يومًا ما، واستبعاد ما يحدّ من تعافيها في المستقبل.
وأفرزت السنوات العشر الأخيرة قدرة بحثية تلازمت مع حجم التغيّرات التي عاشتها سوريا، بفضل ثورة المعلومات وتطور الاتصالات التي قدمت للباحثين مساحة واسعة لمحاولة تفسير الأحداث والاجتهاد لفهم مساراتها في المستقبل، وأثّر هذا العمل البحثي على حياة الأفراد العاديين، بعيدًا عن المؤسسات التي نمت تحت ظل سلطة مستبدة كان من الصعب إنتاج أي نشاط بحثي منهجي ينتقد سياستها وتعاطيها مع الواقع من حولها.
–