مجرد صفعة
أحمد الشامي
يأتي إسقاط الطائرة الروسية كصفعة على خد بلطجي الكرملين، الذي اعتاد على أن “يصفع” ولم يعتد على تلقي اللكمات.
“بوتين” سبق له وأن دمر “الشيشان” وغزا جورجيا ثم أجزاء من أوكرانيا، وكاد يجتاح هذه اﻷخيرة بالكامل دون أن يقف في وجهه أحد… كيف وهو التوأم السيامي للرئيس اﻷسمر الذي يكلفه بالمهام القذرة ويتقاسم معه اﻷدوار؟ لبلطجي الكرملين دور”الشرطي الشرير” و “لأوباما” دور “الشرطي الطيب”. في النهاية يتقاسم الاثنان المكاسب والغنائم على حساب “المعترين” ممن رماهم حظهم العاثر بين براثن هذا “الزوج” الجهنمي.
مع أن الصفعة أتت مدوية وصادمة “لجزار غروزني” إلا أنها مع اﻷسف سوف تبقى مجرد صفعة، في حين يحتاج التعامل مع المحتل الروسي ومافياته ﻷكثر من ذلك بكثير، فالتعامل مع قاتل مثل سيد الكرملين لايكون بالصفع بل “بالفلق”. هنا تنتهي حدود المقدرة التركية في هذا الزمن الأوبامي القذر.
صحيح أن لتركيا الكثير من المحبة والمودة في قلوبنا جميعًا، لكن المقاربة العقلانية للسياسة التركية ولموقع هذا البلد الشقيق في النظام الدولي، يوضح أن هذه الصفعة متواضعة للغاية ومتأخرة للغاية. لنتذكر أن طواقم الدفاع الجوي الروسية لدى عصابة اﻷسد سبق لها وأن أسقطت طائرة تركية، عام 2012، وقتها تبادل السوريون مقولة أن “اسطنبول خط أحمر…” بعدما بادرت عصابات الأسد لقصف الأراضي التركية.
من وجهة نظرنا يبدو التدخل التركي في سوريا شبيهًا بنظيره القطري! ويبعد بسنوات ضوئية عن مستوى الدعم واﻹسناد الذي تتلقاه عصابة الأسد من الشرق والغرب، من بكين حتى واشنطن مرورًا بموسكو، طهران وتل أبيب. لو قدمت تركيا للسوريين ربع ما قدمته إيران فقط للأسد لكان “بشار” اليوم إما تحت الأرض أو لاجئًا في أصفهان أو موسكو.
الروس واﻹيرانيون يتدخلون في الحديقة الخلفية لتركيا، بعيدًا عن حدودهم وفي بلد لا تربطهم به أي صلة خارج الوشائج التي نسجتها مافيات اﻷسد و “بوتين” وزعران “الولي الفقيه”. الأورثوذوكس والشيعة يدعمون “الأقليات” التي تحتاج للحماية لكي تكمل إبادة اﻷكثرية.
بكلمة أخرى، يبدو الدور التركي في المنطقة عمومًا وفي سوريا خاصة، ضئيلًا للغاية ولا يتناسب إطلاقًا مع حجم وإمكانات الدولة التركية. تركيا هي عملاق اقتصادي وحضاري لكنها تبدو كقزم على الصعيدين السياسي والعسكري.
ما هي أسباب هزال الدور السياسي التركي؟ ولماذا تكون إسرائيل الحليف الثاني للعم سام أقوى بما لا يقاس من الحليف التركي القديم؟ للعِلم فإسرائيل لا تكتسب أهميتها لدى العم سام من موقعها الإستراتيجي في المنطقة ولا من وزنها الإستراتيجي والاقتصادي، بل من وجود ونفوذ اللوبي الصهيوني في واشنطن، فشرق المتوسط أصبح خارج مدار الاهتمام الأمريكي بشكل نهائي. والسبب الأكثر أهمية هو أن إسرائيل لديها هامش أكبر للمناورة، وفهمت جيدًا أن العالم الذي نعيش فيه هو غابة فتسلحت نوويًا وهو مالم يفهمه الأتراك بعد.
تركيا تعاني أيضًا من علاقة التبعية القائمة بين عسكر تركيا وواشنطن والتركيبة الديمغرافية التركية التي تشمل “أقليات” بعضها لا يقل مشاغبة وشرًا عن “أقلياتنا”. والأهم هو طبيعة الديمقراطية التركية، فهذه الديمقراطية لازالت غضة وضعيفة وتعمل وفق آليات مؤسساتية جامدة، لا تناسب لا الوضع الجيواستراتيجي الراهن ولا تحديات العصر، على عكس الأوتوقراطية الروسية والثيوقراطية الإيرانية.
هذا يفسر، ربما، رغبة “أردوغان” في تغيير النظام التركي إلى نظام رئاسي، يسمح له بهامش أوسع من المناورة والاستقلالية عن الخارج وعن مراكز القوى في الداخل التركي.
نقطة الضعف القاتلة لتركيا هي جوارها الشمالي الروسي والشرقي الإيراني وكلاهما لا يضمر الخير للأتراك.
لهذا سوف تبقى الصفعة مجرد “فشة خلق” ليس لها ما بعدها، لسوء حظ السوريين.
اذا كنت تعتقد/تعتقدين أن المقال يحوي معلومات خاطئة أو لديك تفاصيل إضافية أرسل/أرسلي تصحيحًا
إذا كنت تعتقد/تعتقدين أن المقال ينتهك أيًا من المبادئ الأخلاقية أو المعايير المهنية قدم/قدمي شكوى
-
تابعنا على :