فصائل الثورة وسياسة كسب الأعداء

  • 2015/11/29
  • 2:59 م

محمد رشدي شربجي

هناك ما يثير العجب في سلوك الفصائل الإسلامية المحسوبة على الثورة، وليس في سوريا فصائل ثورية غير إسلامية بالمناسبة، فمن يرى سلوكها يعتقد أنها تتنافس في كسب الأعداء وتنفير الأصدقاء.

لدى قوى الثورة مشكلة عميقة تكمن في التناقض فيما تطلبه من حلفائها، سواء الحقيقين أو المفترضين، وبين ما تنادي به في برامجها السياسية أو ما تنطق به أفعالها، فنحن نطالب الحلفاء بمضادات الطيران والحظر الجوي، والمنطقة العازلة التي ستتيح لنا هزيمة النظام السوري وإقامة نظام إسلامي نهزم فيه أمريكا بعدها ثم نشتم “العالم المتآمر”؛ لا يعقل أن نطالب العالم بالدعم في مكان، ثم نتحالف مع القاعدة في كل مكان.

لدى القاعدة في سوريا إنجازات عسكرية لا يمكن نكرانها، ولكن نظرة موضوعية تنبئنا أن وجود النصرة في قلب الثورة عاد عليها بالكوارث، فهي بدايةً كانت حصان طروادة الذي دخل من خلاله تنظيم الدولة ليَفتك بالثورة وبأهلها وبجبهة النصرة نفسها فيما بعد، ومن ثم ربطت بإصرارها على الارتباط بالقاعدة انتصار الثورة بهزيمة الولايات المتحدة برغم مناشدات السوريين لفك ارتباطها عنها.

وأخيرًا كانت النصرة جزءًا أساسيًا من حملة المزاودات التي شنها “أخوة المنهج” على رموز الثورة، فأصبحت المطالبة بالحرية ضلال، وعلم الثورة راية شركية، والفصائل التي لا تنادي بتطبيق الشريعة هي فصائل عميلة واجبة الاستئصال قبل الأسد نفسه.

ما هي الفائدة التي جنتها الثورة وهذه الفصائل نفسها من هذه المماحكات البيزنطية؟ وماذا حصلت الثورة من استبدال رايتها “الشركية” بعشرات الرايات الأخرى سوى تأليب العالم علينا وتنفير الشعب السوري نفسه من الثورة؟

الولايات المتحدة ساهمت بشكل أساسي في تشكيل العالم المعاصر كما نعرفه منذ نهاية الحرب العالمية الثانية، وكل دول الشرق الأوسط تدور في فلكها ما بين حليف وتابع، هذه حقيقة لا يمكن تجاهلها، وبقدر بداهة هذه الحقيقة فإنها على ما يبدو عصية على الفهم على فصائلنا التي قررت أيضًا هزيمة أمريكا بعد إيران وحزب الله وبسلاح تجنيه من حلفاء أمريكا أو من قطر نفسها.

لا يعني هذا التسليم للولايات المتحدة والتحول لمرتزقة عندها، ولكنه لا يعني أيضًا أن علينا أن نكسب عداوتها بالمجان كما فعلنا.

الأسبوع قبل الماضي قام تنظيم الدولة بأكبر الهجمات الإرهابية في أوروبا منذ تفجيرات مدريد التي نفذتها القاعدة في 2004، بل لعلها أكبر الهجمات التي تعرضت لها فرنسا منذ نهاية الحرب العالمية الثانية، وللمصادفة، البريئة طبعًا، فقد سبقت هذه الهجمات اجتماع فيينا الذي رجحت أحداث باريس عقده على أولوية “مكافحة الإرهاب” أولًا، ومن ثم مناقشة مصير الأسد.

لا شجاعة ولا أخلاق في قتل مجموعة من المدنيين في مسارح فرنسا أو في بيروت أو في مكان آخر، ولا ذكاء يرجى من التذكير بجرائم فرنسا الاستعمارية أو اختلال قيم العالم في تركيزه على ضحايا باريس دون غيرهم، فهذه بديهيات، وإن كان لا علاقة لها جميعًا، مرة أخرى، بقتل أبرياء.

ولكن ما يهم هو كيف تعاملنا مع هذه الأحداث التي ألصقت بالسوريين وحددت مصير سوريا؟ أحرار الشام رفضت الإدانة لأنها “لا تدين عملية ضد الكفار” والجميع انخرط في حملة التذكير بماضي فرنسا الاستعماري.

اجتماع فيينا مفصلي على كل المستويات، ومع أنه مليء بالغموض والثغرات إلا أنه دق جرس الإنذار أن الكفة سياسيًا على المستوى الدولي تكاد تحسم لصالح النظام وحلفائه وأن  الوقت ينفد أمام قوى الثورة قبل أن تصنف جميعًا كمنظمات “إرهابية” لتدخل الثورة في حرب كونية أوسع.

قالها مرة  قادة أحرار الشام قبل استشهادهم “هناك من يريدنا أن نبقى في الجبال”، وأقول إن التوحد في كيان ثوري عسكري سياسي واحد، والاتفاق على مشروع وطني جامع، هو الجدير فقط بإنقاذ الثورة داخل سوريا وفي هذا العالم الذي علينا أن نتعامل معه رغم اختلاله، وإلّا لن يبقى للسوريين حتى الجبال.

مقالات متعلقة

رأي

المزيد من رأي