عنب بلدي- زينب مصري
يترافق الحديث عن فتح المعابر الداخلية التي تربط بين مناطق سيطرة فصائل المعارضة السورية في الشمال ومناطق نفوذ النظام مع غضب واستياء شعبي ورفض لهذه الخطوة، لأن فتح المعابر يعني التعامل مع النظام سياسيًا، إلا أن للأمر جانبًا قد يفيد الشمال السوري اقتصاديًا.
قبل عدة أيام، عاد الحديث عبر مواقع التواصل الاجتماعي عن إعادة فتح معبر “أبو الزندين”، الذي تديره “الحكومة السورية المؤقتة”، والواصل مع مناطق سيطرة النظام، أمام الحركة التجارية.
لكن وزير الاقتصاد في “الحكومة المؤقتة”، عبد الحكيم المصري، نفى صحة هذه الأنباء، مؤكدًا أن قرار الحكومة الصادر في 2020، الذي نص على إغلاق المعابر والمنافذ مع مناطق النظام السوري، لا يزال ساري المفعول، وأن الحكومة لم تتخذ أي إجراء أو قرار رسمي حول فتح هذه المعابر، لـ”خطورة الأمر”.
نقطتا اتصال
يصل معبران تجاريان مناطق سيطرة فصائل المعارضة السورية في الشمال مع مناطق سيطرة النظام، بالإضافة إلى عدة معابر أخرى تربط تلك المناطق مع مناطق نفوذ “الإدارة الذاتية” شمال شرقي سوريا.
يربط معبر “أبو الزندين” بين مدينة الباب بريف حلب الشرقي، في منطقة عمليات “درع الفرات” الخاضعة للمعارضة برعاية تركية، وبين شرقي مدينة حلب الخاضعة لسيطرة النظام، ويقع في الجهة الغربية لمدينة الباب بالقرب من قرية الشماوية، التي تخضع لسيطرة النظام.
ويعتبر من مناطق التماس بين فصائل المعارضة والجهات المسيطرة على شرق الفرات المتمثلة بـ”قوات سوريا الديمقراطية” (قسد)، ويشهد مناوشات عسكرية واشتباكات بين الحين والآخر، ما يتسبب بتوتر الأوضاع الأمنية في المنطقة.
كما يعتبر المعبر الأول الذي افتُتح بين مناطق ريف حلب الشمالي والشرقي، الخاضعة للإدارة التركية ومناطق النظام السوري.
بينما يربط معبر “ميزناز- معارة النعسان” بين بلدة معارة النعسان بريف إدلب الشرقي الواقعة تحت نفوذ “هيئة تحرير الشام”، وبلدة ميزناز غربي حلب.
ويُستخدم المعبر لإدخال المساعدات الإغاثية من الأمم المتحدة، تحت مسمى “المساعدات عبر الخطوط”، القادمة من مستودعاتها في مناطق سيطرة النظام.
“لا للمعابر مع النظام”
يرى ناشطون في الشمال السوري أن فتح معابر مع مناطق سيطرة النظام سيشكّل متنفسًا اقتصاديًا له، كما سيؤدي إلى انتشار تجارة المخدرات في مناطق سيطرة المعارضة واختراقها أمنيًا.
برزت هذه المخاوف من خلال وسم أطلقه الناشطون في مواقع التواصل الاجتماعي في آذار 2021، كما اعتبر بعضهم أن فتح المعابر “خيانة لدماء الشهداء”.
وتكمن خطورة فتح المعابر مع مناطق سيطرة النظام في إدخال المخدرات للشمال السوري، بحسب وزير الاقتصاد في “الحكومة المؤقتة”، عبد الحكيم المصري.
وقال المصري في حديث إلى عنب بلدي، إن النظام والميليشيات الإيرانية الداعمة له هرّبت المخدرات إلى دول لديها إمكانيات هائلة بكشف التهريب، لذلك لن يتوانى عن إدخالها إلى مناطق الشمال في ظل الإمكانات المحدودة بكشف المخدرات المخبّأة بطرق كثيرة.
وأضاف أن النظام سيسحب الدولار من مناطق الشمال بكل الوسائل والطرق لكن عن طريق أشخاص محددين، إذ يوجد تجار تابعون له يمكن أن يشتروا الدولار بأي سعر، ما سيؤدي إلى استنزاف الدولار.
وسيعمل النظام على إدخال الدولار المجمّد إلى الشمال، وهو أوراق نقدية طُبعت بشكل رسمي لكن أرقامها التسلسلية عُطّلت وجُمّدت أرصدتها في المصارف الواقعة بمناطق الحروب أو بسبب السرقات.
وتُعرض هذه الأوراق بأسعار تتراوح بين نصف وثلثي قيمتها الحقيقية، ولا يمكن تمييزها إلا من قبل المؤسسات المالية الرسمية، بحسب المصري.
وسيستفيد النظام أيضًا من الرسوم على السيارات، بحسب الوزير، إذ يتقاضى رسمًا من جميع السيارات التي تدخل إلى مناطقه يصل إلى 8000 دولار بالنسبة إلى السيارات المحملة بالزيت، وكذلك يتقاضى رسمًا على السيارات الداخلة للشمال، باستثناء المنتجات الزراعية المنتجة في الساحل، لتشجيع دخولها وتسويقها بشكل سهل، ولتنافس المنتجات في الشمال أو المنتجات المستوردة.
وأشار إلى أن النظام سيصدّر إلى مناطق الشمال البضائع الفائضة عن حاجته، كالألبسة التي توجد معامل في الشمال لصناعتها، وبعض الخضار والفواكه خاصة إنتاج الساحل، إذ يعاني المزارعون من صعوبة تصريف ناتج الحمضيات للعام الحالي.
ولفت المصري إلى أن الأرباح التي سيجنيها عدد محدود من “تجار الحروب” إثر فتح المعابر سيدفعها الناس، إذ سيدفعون الضرائب التي سيفرضها المسؤولون عن فتح تلك المعابر.
ماذا عن الفائدة الاقتصادية؟
يرى الخبير والباحث الاقتصادي خالد تركاوي أن فتح المعابر مسألة مهمة، والأطراف المستفيدة أكبر من الرقعة السورية هي الأتراك والروس والإيرانيون، باعتبار أن السلع المتدفقة بين المناطق الثلاث هي سلع أجنبية في معظمها وليست سورية المنشأ.
ولا يتفق الباحث مع القول إن فتح المعابر يشكّل “خطورة كبيرة”، بحسب ما قاله لعنب بلدي، والمشكلة عند المعارضة تكمن في غياب إدارة واضحة للمعابر تستطيع الاستفادة من عملية الافتتاح.
ويرى أن النظام باعتباره يعرف ماذا يريد من المعابر، فسيستفيد بشكل أكبر حكمًا.
وفوائد افتتاح المعابر، بحسب تركاوي، هي فوائد تتعلق بالعملية التجارية نفسها، أي إضعاف الاحتكار وتخفيض الأسعار نسبيًا، ولكن الأمر يتعلق بالقدرة على عدم حصر المنتجات بيد تاجر أو قلة من التجار.
واقترح الباحث أن تقوم “الحكومة المؤقتة” بدراسة متكاملة عن الأمر، تأخذ بعين الاعتبار الجوانب الإيجابية والسلبية لافتتاح المعابر، وماذا يلزم بالضبط للاستعداد للأمر، وفي حال اتخاذ قرار كهذا تكون الأمور أميل لمصلحة الناس في الشمال.
وتشهد مناطق الشمال السوري ارتفاعًا في الأسعار مع غياب القدرة على ضبطها في ظل انخفاض القدرة الشرائية للمواطنين، وتدني مستوى الدخل والأجور.
وتعتمد هذه المناطق على التجارة مع الجارة التركية، إذ تصدّر مناطق الشمال إلى تركيا العديد من المواد الزراعية والغذائية والصناعية، بينما تستورد المحروقات والوقود الحبوب والبقوليات وحديد الإنشاءات وآلات البناء والعديد من المواد الأخرى.