ديانا رحيمة | جنى العيسى | صالح ملص
تضاعف بقوة الإنتاج والاتجار بالمواد المخدرة واستهلاكها في سوريا، حتى صارت واحدة من أبرز دول العالم في مجال المخدرات.
وتأتي القوة التي يستند إليها هذا الإنتاج والتصدير إلى الخارج من تمتعها بدعم أفراد من عائلة رئيس النظام السوري، بشار الأسد، والمقربين منه، الذين ليست لديهم مصلحة في تقييد هذا النشاط غير القانوني.
ومع تنامي التجارة والتصنيع في سوريا، بدأ التأثير يتضح أكثر فأكثر على دول الجوار، في الوقت الذي تنتعش فيه جيوب مسؤولين سوريين ونافذين في النظام من عائدات التجارة.
تناقش عنب بلدي في هذا الملف مدى ضلوع النظام واستخدام عائلة الأسد نفوذها في إنماء هذه التجارة في ظل تهالك الاقتصاد السوري، واعتمادها مصدر الدخل الأول، إلى جانب استعمال النظام المخدرات كورقة ضغط ومساومة لتحقيق مصالحه، دون محاسبته أو العمل على إيقاف توسعه فيها.
ما حجم تجارة المخدرات في سوريا ومن يديرها
توالت تقارير لجهات مختصة وتحقيقات صحفية تستند إلى أدلة تثبت ضلوع عائلة رئيس النظام السوري، بشار الأسد، ومقربين من نظامه بشكل خاص، في شبكات لتصنيع المخدرات والتجارة بتصديرها من سوريا إلى دول أخرى.
وأثبت تحقيق نشرته صحيفة “نيويورك تايمز” الأمريكية، في 5 من كانون الأول 2021، أن “الفرقة الرابعة” التابعة لقوات النظام السوري بقيادة ماهر الأسد، الأخ الأصغر لبشار الأسد، هي المسؤولة عن تصنيع مادة “الكبتاجون” وتصديرها، فضلًا عن تزعّم التجارة بها من قبل رجال أعمال تربطهم علاقات وثيقة بالنظام، وجماعة “حزب الله”، وأعضاء آخرين من عائلة الأسد.
كما أوضحت دراسة صادرة عن مركز “COAR” للتحليل والأبحاث (كوار)، في نهاية نيسان 2021، أن سوريا صارت مركزًا عالميًا لإنتاج “الكبتاجون” المخدر، وأنها أصبحت أكثر تصنيعًا وتطورًا تقنيًا في تصنيع المخدرات من أي وقت مضى.
وفي عام 2020، بلغت قيمة صادرات سوريا من “الكبتاجون” فقط، أكثر من 3.46 مليار دولار أمريكي، بحسب دراسة مركز “COAR”.
مقربون من الأسد أبرز الضالعين
استند تقرير “نيويورك تايمز” إلى عشرات المقابلات مع خبراء مخدرات دوليين وإقليميين، وسوريين لديهم معرفة بتجارة المخدرات، ومسؤولين حاليين وسابقين في الولايات المتحدة، قالوا إن مختبرات “الكبتاجون” تنتشر في مناطق سيطرة النظام وفي الأراضي التي يسيطر عليها “حزب الله” بالقرب من الحدود اللبنانية، وفي ضواحي العاصمة دمشق، وحول مدينة اللاذقية الساحلية.
وتكون معظم مصانع التصنيع صغيرة، في سقائف معدنية أو فيلات فارغة، يحرس بعضها عدد من الجنود، بينما وُضعت أمام أخرى لافتات توضح بأن المصنع “منطقة عسكرية مغلقة”، بحسب التحقيق.
ويوفر مكتب أمن “الفرقة الرابعة” برئاسة غسان بلال، الكثير من التجهيزات لحماية تلك المصانع، ويسهّل تدفق المخدرات إلى الحدود السورية والمواني.
وكشف التحقيق عن أسماء لرجال أعمال مقربين من النظام ضالعين بتجارة المخدرات، مثل رجل الأعمال عامر خيتي الذي يعتبر لاعبًا رئيسًا في هذه القضية، وخضر طاهر الذي كان يشرف على نقاط تفتيش لـ”الفرقة الرابعة” في عدة مناطق في سوريا، ويسهّل حركة تهريب المخدرات.
وفي عام 2020، فاز عامر خيتي بمقعد في مجلس الشعب السوري، كما منح بشار الأسد خضر طاهر “وسام الاستحقاق” في أيار 2021، “تقديرًا لخدمته المميزة في مجالات اقتصاديات الحرب والإدارة المالية”.
وأنفق كل من عامر خيتي وخضر طاهر كثيرًا من الأموال على المآدب واللوحات الإعلانية والتجمعات والحفلات الموسيقية، خلال الحملات الدعائية التي أجريت في فترة إعادة تسلّم بشار الأسد السلطة في أيار 2021.
النظام ينفي التحقيقات: معلوماتها خاطئة ومُضللة
على نقيض التحقيقات التي تثبت ضلوع النظام السوري وتضخم تجارة المخدرات، اعتبر مدير مكتب اللجنة الوطنية لمكافحة المخدرات التابعة للنظام السوري، حسام عازر، التقارير الصحفية والدراسات الصادرة عن مراكز أبحاث متخصصة، التي أكّدت أن “سوريا تحولت إلى دولة مخدرات”، أنها تنقل “معلومات خاطئة ومُضللة”.
وأضاف عازر، خلال لقاء له مع موقع “المشهد أون لاين“ المحلي، في 11 من كانون الثاني الحالي، أن هذه التقارير “تختلق الأرقام” التي تذكرها حول تجارة وإنتاج المخدرات في سوريا، إذ تعتمد على “مصادر مفتوحة وغير موجودة في سوريا”، معتبرًا أن أي أحد من العاملين في مجال المكافحة العملياتية للمخدرات يستطيع “كشف زيف هذه الأرقام”.
ونفى عازر ما ذكرته تلك التقارير عن إنتاج المخدرات في سوريا، عازيًا ارتفاع عمليات تهريبها عبر الحدود إلى “زيادة” الطلب الاستهلاكي في الدول المجاورة والقريبة من سوريا، “نظرًا إلى موقعها الجغرافي وتوسطها القارات، ما جعلها بلد عبور بين الدول المنتجة والدول المستهلكة للمخدرات”، وفقًا لتبريره.
المخدرات تنعش اقتصاد “الظل” للنظام وشبكاته
أدى الانكماش الهائل لاقتصاد النظام السوري خلال سنوات الحرب إلى زيادة اعتماده على “اقتصاد الحرب” من أجل ضمان بقائه.
ويشمل “اقتصاد الحرب” الذي انتشر نتيجة للحرب في سوريا، بحسب ما أوضحته دراسة لمركز “COAR” بشكل واسع تجارة المخدرات، التي انتشرت مع غياب القوانين بعد عام 2011.
وفي نهاية عام 2019، قُدّرت صادرات النظام السوري المضبوطة عالميًا من “الكبتاجون” فقط بحوالي ثلاثة مليارات دولار أمريكي، وهي أكثر من ثلاثة أضعاف الصادرات القانونية للنظام التي وصلت إلى حوالي مليار دولار.
كما أشار موقع “Syria Report“، المختص بالأعمال والاقتصاد، إلى أن حجم صادرات المخدرات السورية وتقلّص أنشطة التجارة المشروعة يجتمعان لجعل المخدرات “إلى حد بعيد أهم مصدر للعملة الأجنبية” في سوريا.
ووفقًا لهذه الأرقام، أكد الباحث في الاقتصاد السياسي جوزيف ضاهر، في حديث إلى عنب بلدي، أن تجارة المخدرات صارت مصدرًا مهمًا لاقتصاد “الظل” في سوريا، وهي تسمح بتراكم رأس المال التابع للنظام ومقربين منه من المنخرطين في هذه التجارة.
ولا يمكن أن تسهم هذه التجارة في إنقاذ الاقتصاد السوري، بل على العكس من ذلك، إذ يحتاج الاقتصاد إلى انتعاش “حقيقي” في قطاعات الزراعة والصناعة والقطاعات التي ترفد البنوك بأموال “نظيفة”.
كما لا تستفيد حكومات الدول المجاورة لسوريا من هذه التجارة غير القانونية، بل المستفيد منها هم عبارة عن شبكات معيّنة لا علاقة لها بالضرورة باقتصاد بلادها، ولكن قد يكون لها وجود سياسي فيها كـ”حزب الله” في لبنان الذي يُموّل جزءًا من أنشطته عبر هذه التجارة، بحسب ضاهر.
وبحسب دراسة أجراها الباحث الاقتصادي في مركز “جسور للدراسات” خالد تركاوي، في تشرين الأول 2021، يمكن تقدير نسبة اقتصاد “الظل” في سوريا في عام 2010 بحوالي 20% من الناتج المحلي الإجمالي بناء على عدد من الطرائق العلمية المعمول بها.
بينما من الممكن أن تصل النسبة في عام 2021، بحسب حسابات أجراها الباحث، إلى حوالي 200% من الاقتصاد الرسمي.
ويغطي اقتصاد “الظل” اليوم في سوريا، بحسب الدراسة، مجموعة واسعة من أعمال تجارة السلاح والمخدرات والاتجار بالبشر وبأموال المهجرين والثروات الباطنية، ونشاطات تتعلق بالأوراق الرسمية وغيرها، كما تنخرط فيه معظم الأطراف العاملة في سوريا وتتشابك المصالح بينها في أكثر من نقطة.
ما اقتصاد “الظل”
يعتبر الاقتصاد “الأسود” في أدبيات علم الاقتصاد، واحدًا من مرادفات اقتصاد “الظل” أو “الخفي” أو “السري” أو “غير الرسمي”.
ويُعرّف بأنه الأنشطة الاقتصادية التي يُمارسها الأفراد والمؤسسات، دون أن يتم إحصاؤها بشكل رسمي، ولا تُعرف مكوناتها الفعلية، ولا تدخل في حسابات الناتج القومي الإجمالي، وبالتالي لا تخضع للضرائب أو الرسوم أو القانون.
ويتصف بمجموعة من الخصائص أبرزها:
1. العمل خارج القانون (أنشطة مسموحة أو ممنوعة).
2. عمليات غسل الأموال.
3. الطرق الخفية والملتوية في تنفيذ الأعمال وتطويرها.
4. عدم القدرة على إحصائه.
5. اقتصاد وليس مجرد سوق.
المصدر: مركز “جسور للدراسات”
إبعاد التهم أم ورقة تفاوض؟
ما وراء الترويج الرسمي لملاحقة المخدرات
رغم التقارير التي تدين النظام وتثبت ارتباطه بتجارة المواد المخدرة، واستغلاله انتشارها لدعم اقتصاده الذي أنهكته سنوات الحرب العشر، لا تزال وسائل الإعلام الرسمية التابعة له تنشر باستمرار وبوتيرة شبه يومية، إعلانات لضبط إدارة مكافحة المخدرات التابعة للنظام شحنات كانت متوجهة من الأراضي السورية إلى خارجها، ولأشخاص “مُروّجين” لتعاطي المخدرات في سوريا.
وقد يبدو عبر هذه الإعلانات بأن النظام هو “الحامي الأول” لحدوده مع جيرانه، و”الرافض الأكبر” لتصنيع المخدرات وانتشارها في المجتمع السوري، لكن التقارير والتحقيقات الإعلامية تؤكد أن ما تقوم به وسائل الإعلام لا يندرج إلا ضمن تصنيف “الترويج” لأهداف قد يكون بعضها غير مفهوم حتى الآن.
ووصل عدد قضايا المخدرات التي أعلن النظام السوري عن كشفها خلال عام 2021 إلى تسعة آلاف و575 قضية، بلغ عدد المُتهمين فيها 12 ألفًا و88 شخصًا، بحسب إحصائية لوزارة الداخلية، أعلنها مدير مكتب اللجنة الوطنية لمكافحة المخدرات، حسام عازر.
كما وصلت كمية المضبوطات، وفقًا للإحصائية، إلى 40 مليونًا و610 آلاف و144 كيلوغرامًا من “الحشيش” المخدر، وأربعة كيلوغرامات من “الهيرويين” المخدر، و128 غرامًا من “الكوكايين”، و113 كيلوغرامًا من بذور القنب الهندي، و256 غرامًا من “الميتا إمفيتامين”، وستة كيلوغرامات “إمفيتامين”، وحوالي 16 مليون حبة “كبتاجون”، وأكثر من 383 ألف حبة من الحبوب الدوائية النفسية.
يرى الباحث في مركز “عمران للدراسات الاستراتيجية” المهتم بشؤون الاقتصاد السياسي أيمن الدسوقي، أن الهدف من ترويج النظام السوري لضبطه انتشار المخدرات، يفسّر بوجهتي نظر اثنتين: تتمثل الأولى بأن النظام يرزح تحت ضغط داخلي وخارجي كبير، نتيجة تعدد التقارير والمعلومات الدالة على ضلوع شبكات مرتبطة به بأنشطة إنتاج وتوزيع وتجارة المخدرات.
وأوضح الدسوقي، في حديث إلى عنب بلدي، أن هذا الضغط يدفع النظام إلى محاولة نفي هذه “التهم” عنه، عبر إظهار دوره في مكافحة انتشار المخدرات، وأنه غير مسؤول عنها، من خلال إعلانه القبض على عدد من الشحنات ومن يقف وراءها، مستجديًا بذلك دعم وتعاون دول الخارج للتعامل مع هذا الملف “المُعقد”.
بينما تتمثل وجهة النظر الثانية، وفقًا لحديث الباحث أيمن الدسوقي، بتوظيف النظام ملف المخدرات كورقة تفاوضية، من خلال الإيحاء بقدرته على وقف هذه الشحنات، بهدف كسر العزلة المفروضة عليه، ونيل مكاسب سياسية واقتصادية من الدول المستهدفة بشحنات المخدرات الخارجة من سوريا، (وهي دول الخليج بالدرجة الأولى).
ورغم امتلاك تلك الدول معلومات واضحة تثبت أن النظام ضالع بتجارة المخدرات في سوريا، وعدم تصديقها رواية النظام وادعاءاته بأنه جاد في وقف شحنات المخدرات القادمة نحوها، فإن ذلك لا يُلغي احتمالية توصل هذه الدول إلى “تسوية” من نوع ما مع النظام، لتعاملاتها معه في هذا الملف، بحسب ما يرى الباحث أيمن الدسوقي.
محطات في الجوار.. الهدف.. الخليج
التجارة تزدهر مع ارتفاع وتيرة التطبيع
على عكس المتوقع، زاد التطبيع المتسارع بين النظام وبعض الحكومات الإقليمية في المنطقة، وعلى رأسها الإمارات والأردن والبحرين، وإعادة عضويته في “الشرطة الجنائية الدولية” (الإنتربول)، من صعوبة مواجهة تجارة “الكبتاجون” لإتاحة مُصادرة الأدلة على الشحنات وحظر إنفاذ القانون.
وكان “الكبتاجون” على رادارات وكالات الأمن القومي الأمريكية لسنوات، ولكنها تفتقر الآن إلى التنسيق والمراقبة الكافية والتخطيط الاستراتيجي حول كيفية مواجهة التجارة بين الإدارات والوكالات الأمريكية بنجاح.
وتربك أنظمة إنفاذ القانون الإقليمية الشحنات التي يتم تناقلها بين سوريا ودول المنطقة، لا سيما مع تلقي المملكة العربية السعودية الملايين من حبوب “الكبتاجون” المموهة بين البضائع المشروعة مثل البرتقال، والرمان، وحبوب الكاكاو، والعنب، القادمة برًا أو من المواني البحرية.
وكذلك الأمر في الأردن الذي تفتقر قواته إلى الموارد والأفراد اللازمين لاعتراض جميع الشحنات المشبوهة عبر الحدود، ومواجهة الاشتباكات العنيفة عبر الحدود مع المهربين.
كما تحدث موقع “The National Interest” الأمريكي، في تقرير له، عن تسارع تجارة “الكبتاجون” في الشرق الأوسط، بعد التطبيع العربي مع النظام السوري، لتشكّل تحديًا إقليميًا يتطلب اهتمامًا متزايدًا من أمريكا وشركائها الإقليميين.
ولفت التقرير إلى مدى افتقار أمريكا وحلفائها إلى آلية تنسيق أو استراتيجية مشتركة لإدارة منع تجارة “الكبتاجون” في ظل الجهود المحدودة لإدارة مكافحة المخدرات وتبادل المعلومات الاستخبارية بين البلدان الإقليمية.
الأردن يعاني
قال الجيش الأردني، في 12 من كانون الثاني الحالي، إنه أحبط، خلال عام 2021، 361 محاولة تسلل وتهريب من سوريا إلى الأردن، وضبط ما يقارب 15.5 مليون حبة مخدرات بأنواعها المختلفة، بما فيها “الكبتاجون” و”الترامادول”، وأكثر من 16 ألف ورقة حشيش تزن ما يقارب 760 كيلوغرامًا، وكيلوغرامان من “الهيروين”.
وخلال كانون الثاني الحالي، قُتل ضابط أردني وأُصيب ثلاثة جنود من حرس الحدود في اشتباك مع مهربي مخدرات عند الحدود السورية- الأردنية، وفق ما أعلنه بيان للجيش عن مصدر مسؤول في القيادة العامة للقوات المسلحة الأردنية.
الأردن، الذي يقع على طريق التهريب إلى دول الخليج، يستضيف حوالي 1.6 مليون لاجئ سوري منذ اندلاع الاحتجاجات في سوريا عام 2011، قام بالعديد من الإجراءات الأمنية عند حدوده مع سوريا، وأوقف عشرات تجار المخدرات.
مسألة المخدرات تعاني منها دول الجوار منذ عام 2011، بالإضافة إلى وجود مناطق خارج سيطرة النظام السوري، وبالتالي هي ليست مرتبطة فقط بحكومة النظام السوري، وفق ما يراه الخبير الاستراتيجي الأردني عامر السبايلة، في حديث إلى عنب بلدي، لكن تراكم إهمال هذه المشكلة من قبل الجهات المختصة في سوريا، شكّل جماعات وعصابات مرتبطة ارتباطًا وثيقًا بالنظام السوري.
ويعيش الأردن حالة من القلق المتزايد من تصاعد محاولات تهريب المخدرات من سوريا خلال عام 2021، التي لم تتوقف بعد، بما في ذلك كميات كبيرة عُثر عليها مخبّأة في شاحنات سورية تمر من خلال معبرها الحدودي الرئيس إلى منطقة الخليج.
في نفس الوقت، يمر الأردن مع حكومة النظام السوري بمرحلة من تطبيع العلاقات السياسية وبناء الثقة، “وهو ما يتطلّب جهدًا استخباراتيًا وتنسيقًا أمنيًا بين الطرفين، لا تسهيل هذا العمل”، بحسب ما قاله عامر السبايلة، في إشارة إلى التهريب المنهجي للمواد المخدرة.
العراق.. ممر آمن
الأردن ليس الدولة الوحيدة التي تعاني من تهريب شحنات المخدرات إلى أراضيها من حدودها مع سوريا، إنما يعتبر العراق أيضًا دولة مجاورة متضررة من هذا التصدير غير المشروع.
كان العراق ممرًا لتهريب المخدرات الإيرانية والأفغانية والباكستانية إلى دول الخليج العربي، وبالذات إلى الكويت والسعودية، وأُضيفت سوريا في الفترة الحالية إلى قائمة الدول المهربة للمخدرات عبر العراق.
في تشرين الأول 2021، ألقت السلطات العراقية القبض على تاجرَي مخدرات، قالت إنهما من أكبر تجار المخدرات على الحدود السورية- العراقية، دون التطرق إلى جنسيتهما.
وقالت وزارة الداخلية العراقية في بيان لها عبر “فيس بوك”، إن وكالة الاستخبارات العراقية ألقت القبض على اثنين من أكبر تجار المخدرات وبحوزتهما حوالي 17 كيلوغرامًا من الحبوب المخدرة.
وتشهد الحدود السورية- العراقية نشاطًا لعمليات التهريب، وخصوصًا الحدود المحاذية لمدينة البوكمال التابعة لمحافظة دير الزور، التي تسيطر عليها الميليشيات الموالية لإيران، إذ تتحرك هذه الميليشيات بين الأراضي السورية والعراقية بكل أريحية.
وتربط سوريا والعراق حدود بطول يبلغ نحو 610 كيلومترات، وفي المناطق الشمالية من الحدود على الجانب السوري تسيطر “قوات سوريا الديمقراطية” (قسد) على المناطق شمال مدينة البوكمال حتى أقصى الحدود.
بينما تسيطر الميليشيات الإيرانية على معبر “القائم” الحدودي في البوكمال، ويقابلها نفوذ لـ”الحشد الشعبي العراقي” المدعوم من إيران والمنخرط ضمن صفوف الجيش العراقي منذ 2018.
نشاطات توزيع ونقل المخدرات من الجانب السوري إلى العراقي ليست فردية، بل هي منظمة وتجري برعاية رسمية، وخاصة في الجانب السوري، وفق ما يراه الباحث السياسي العراقي شاهو القره داغي في حديث إلى عنب بلدي.
وبحسب القره داغي، “تدخل الشحنات العراق، وتُنقل من هناك إلى دول أخرى، وخاصة إلى المملكة العربية السعودية عن طريق التهريب، ويُستخدم العراق كممر لنقل هذه المواد.
ويوضح الكشف عن الكثير من الشحنات المهربة من قبل الأجهزة الأمنية العراقية، “رعاية القوات الأمنية السورية في الجانب السوري لهذه التجارة”، وفق ما قاله الباحث السياسي.
وقد تكون عمليات تهريب الشحنات من سوريا إلى جارتها العراقية “لضرب أكثر من عصفور بحجر واحد”، وفق رأي الباحث، فمن جهة “توفر هذه التجارة موردًا ماليًا جيدًا للنظام السوري”، وبالإضافة إلى هذا الهدف، يستخدم النظام السوري تهريب المخدرات كـ”ورقة ضغط سواء على العراق أو الدول الأخرى المتضررة من هذا الملف حتى تحصل على تنازلات معيّنة مقابل تشديد القبضة الأمنية على الحدود”.
أين يقف “الإنتربول” من اعتقال تجار المخدرات؟
التطبيع مع النظام السوري لم يشمل دولًا عربية فحسب، بل امتد إلى منظمات دولية أبرزها “الشرطة الجنائية الدولية” (الإنتربول)، التي أصدرت، في 5 من تشرين الأول 2021، قرارًا برفع ما وصفته بـ”الإجراءات التصحيحية” التي فرضتها على النظام السوري عام 2012.
عملية ملاحقة المطلوبين تجري عن طريق الدول، وأجهزة الشرطة المختصة بمكافحة المخدرات هي التي تلاحقهم وتعتقلهم وتحولهم إلى القضاء، ليعاقَبوا حسب قانون الدولة المعتقلين فيها، فلكل دولة قوانين خاصة بالتهريب وقضايا مكافحة المخدرات، كما أن الأحكام وطرق التعامل مختلفة بين الدول، بحسب ما قاله مدير “البرنامج السوري للتطوير القانوني”، إبراهيم علبي، في حديث سابق إلى عنب بلدي.
فعلى سبيل المثال، إذا كان هناك أشخاص تابعون للنظام السوري وضالعون بتهريب مخدرات، يمكن أن تصدر مذكرة اعتقال بحقهم مثلًا في إحدى الدول الأوروبية، وبالتالي لا يستطيعون الذهاب إلى أوروبا لأنهم مطلوبون بهذه القضية أو متهمون، وممكن أن يضافوا إلى قوائم العقوبات، وهما أبرز خيارين يمكن أن يلاحَق بهما أشخاص إذا ثبت أنهم يتاجرون بالمخدرات.
وإذا كان هؤلاء الأشخاص خارج سوريا وفي أوروبا، فيمكن أن تجري محاكمتهم محليًا ضمن القانون المحلي.
ويستطيع الأشخاص المتهمون بقضايا تهريب المخدرات أو غيرها، الامتناع عن المجيء إلى الدولة المطلوبين فيها، كأحد أساليب التهرب من الملاحقة القضائية، وهذا يضيّق عليهم الحركة.
استراتيجية أمريكية لم ترَ النور
أدوات “ضعيفة” لتعطيل شبكة المخدرات
أمام هذا التضخم المتزايد للتجارة في المنطقة، وصل القلق إلى الحكومة الأمريكية التي تعد دول الخليج من أبرز شركائها في المنطقة، ولذا تعمل على مكافحة تجارة المخدرات عبر أدوات وقدرات إنفاذ القانون التقليدية، بحسب ما قاله متحدث رسمي من وزارة الخارجية الأمريكية، لصحيفة “الشرق الأوسط“.
وتعتبر تجارة المخدرات على الصعيد العالمي غير مشرعة، ويتضمّن هذا التصنيف زراعتها وصناعتها، وتوزيعها وبيعها، وفي الإعلان المعني بسيادة القانون الدولي، سلمت جميع الدول الأعضاء بأهمية تعزيز التعاون الدولي في مكافحة مشكلة المخدرات العالمية.
وفي 15 من كانون الأول 2021، قدم نائبان من الكونجرس الأمريكي، هما فرينش هيل (جمهوري من ولاية أركانسس)، وبرندان بويل (ديمقراطي من ولاية بنسلفانيا)، إلى الكونجرس مشروع قانون يطلب من الإدارة الأمريكية تطوير استراتيجية مشتركة بين الوكالات الفيدرالية، لتعطيل وتفكيك إنتاج المخدرات في سوريا والاتجار بها، والشبكات التابعة المرتبطة بنظام الأسد.
وقال النائبان في بيان، “من المهم أن نوقف هذا الاتجار، ومصدر التمويل غير المشروع، وإذا فشلنا في القيام بذلك، فسيستمر نظام الأسد في دفع الصراع المستمر، وتوفير شريان الحياة للجماعات المتطرفة، والسماح لأعداء أمريكا، مثل الصين وروسيا وإيران، بتعزيز مشاركتهم هناك، ما يشكّل تهديدًا أكبر من أي وقت مضى على إسرائيل والشركاء الآخرين في المنطقة”.
النائب فرينش هيل، اقترح تعديلًا في أيلول 2020، على قانون موازنة وزارة الدفاع، معتبرًا إياه خطوة أولى وضرورية للولايات المتحدة للحصول على حل بشأن تجارة “الكبتاجون” السورية وتحديد طرق تعطيلها، لكن المشروع أُسقط من موازنة وزارة الدفاع لعام 2022.
مبعوث واشنطن: الملاحقة ممكنة
المبعوث الأمريكي السابق إلى سوريا، جويل ريبورن، قال في حديث إلى عنب بلدي، إن حذف استراتيجية مكافحة “الكبتاجون” من قانون تفويض الدفاع الوطني كان مجرد مسألة إجرائية، وإن هناك فرصة جيدة لكي يعالج الكونجرس قضية “الكبتاجون” بشكل منفصل خلال عام 2022.
ويرى ريبورن أن لدى أمريكا بالفعل سلطات “ممتازة” لتكون قادرة على إصدار تصنيفات ضد مهربي المخدرات الدوليين، بما في ذلك من خلال قانون تصنيف تهريب المخدرات “Kingpins” (قانون أمريكي يستهدف تجار المخدرات الأجانب البارزين ومنظماتهم ووكلائهم).
وبحسب ما قاله المبعوث السابق لعنب بلدي، يمكن تطبيق هذه القوانين الأمريكية الحالية ضد نظام الأسد ومهربي “الكبتاجون” الآخرين بمجرد إثبات الأدلة بشكل كامل.
وكان الرئيس الأمريكي، جو بايدن، أصدر أمرًا تنفيذيًا يندرج تحت قانون “Kingpin”، في 15 من كانون الأول 2021، يخوّل وزارة الخزانة الأمريكية، بالتشاور مع وزارة الخارجية الأمريكية، معاقبة الأشخاص الأجانب الذين يتبين أنهم يقعون ضمن ما يأتي:
1. الأطراف التي شاركت أو حاولت الانخراط في أنشطة أو معاملات أسهمت بشكل جوهري في الانتشار الدولي للمخدرات غير المشروعة، أو تشكّل خطرًا كبيرًا من حيث الإسهام المادي في الانتشار الدولي للمخدرات، بما في ذلك تسهيل إنتاجها.
2. الأطراف التي تسلّمت عن عمد أي ممتلكات أو مصلحة في ممتلكات معروف أنها تشكّل أو تنبع من أنشطة أو معاملات غير مشروعة، أو الأطراف التي تم استخدامها، أو قصد استخدامها لارتكاب أو تسهيل الأنشطة أو المعاملات، التي أسهمت بشكل جوهري، أو شكّلت خطرًا كبيرًا من الإسهام المادي في الانتشار الدولي للمخدرات غير المشروعة، بما في ذلك تسهيل إنتاجها.
3. الأطراف التي قدمت، أو حاولت تقديم دعم مالي أو مادي أو تقني أو خدمات لدعم أي شخص موصوف في البندين “1” و”2″ أعلاه، أو أي شخص يخضع للعقوبات.
4. الأطراف التي تم تحديدها على أنها كانت بصفة قيادية أو مسؤولة لأي شخص خاضع للعقوبات أو أي شخص أجنبي في أي نشاط موصوف في البندين “1” و”2″ أعلاه.
5. الأطراف التي تعمل لمصلحة أو نيابة عن أي شخص يخضع للعقوبات بشكل مباشر أو غير مباشر.
بينما يرى المبعوث الأمريكي، جويل ريبورن، أن المرحلة الأولى من تعطيل الشبكة لا تحتاج إلى قدرات أو موارد أكثر بكثير مما تمتلكه دول الجوار بالفعل، وإن أكبر مطلب هو إنشاء آلية لتبادل المعلومات والقيام بأنشطة إنفاذ القانون الدولي معًا.
وأضاف المبعوث السابق، أن بلدان البحر الأبيض المتوسط ومنطقة الخليج تمتلك بالفعل قدرات واسعة النطاق في مجال عمليات مكافحة المخدرات، “إنهم يحتاجون ببساطة إلى تجميع هذه القدرات معًا، وتوجيهها نحو مشكلة الاتجار بالمخدرات التي أوجدها نظام الأسد”.
ما جدوى العقوبات
يجد مدير “المركز السوري للعدالة والمساءلة”، محمد العبد الله، أن الورقة الوحيدة التي تملكها واشنطن ضد النظام السوري هي العقوبات، ولكن جدواها “ضعيف للأسف”، لأن عائدات النظام من المخدرات ستفوق ما يخسره بسبب العقوبات، بحسب ما قاله لعنب بلدي.
ويرى العبد الله أنه لو مُرّر فعلًا القانون الذي يضع الآلية لمكافحة الاتجار بالمخدرات من قبل النظام السوري، كان من الممكن لأمريكا أن تستخدم أجهزتها الاستخباراتية لتتبع الإنتاج وإحباط عمليات التهريب ودعم دول جوار سوريا في مراقبة حدودها ومنع التهريب، ولكن من دون آلية متكاملة وبالاعتماد على العقوبات فلا جدوى فعلية من العقوبات.
تهرّب أمريكي من الإجابة
توجهت عنب بلدي بالأسئلة إلى وزارة الخارجية الأمريكية، عبر مراسلة إلكترونية، وتحفّظ مسؤول فيها عن الرد على الأسئلة المتعلقة بعدم قبول الاستراتيجية التي وُضعت لمكافحة المخدرات في سوريا، كونها تتعلق بالكونجرس الأمريكي وبقانون لم يتم التصديق عليه.
وفي حين أنه يجب على واشنطن إنزال عقوبات تتعلق بمحاسبة النظام السوري، فيما يخص ملف المخدرات، تقوم الإدارة برفع العقوبات المتعلقة بقانون “قيصر” عن الدول المشاركة بمشروع خط الغاز لمد لبنان بالطاقة.
وتعليقًا على رفع العقوبات، أكّد مسؤول الخارجية الأمريكية، في رده على أسئلة عنب بلدي، الموقف الأمريكي العام من القضية، بأن “الحكومة الأمريكية قلقة للغاية من أزمة الطاقة الحادة في لبنان وانعكاساتها على استقرار الدولة اللبنانية، مع استمرار تهديد نقص الوقود والكهرباء في لبنان بتقديم الخدمات الحيوية للشعب اللبناني، مثل الرعاية الصحية والمياه”.
وتابع المسؤول أن الحكومة الأمريكية على اتصال بحكومات الأردن ومصر ولبنان، وكذلك البنك الدولي، للوصول إلى صورة أكثر اكتمالًا لكيفية هيكلة هذه الترتيبات وتمويلها، ولضمان توافقها مع سياسة الولايات المتحدة ومعالجة أي مخاوف محتملة تتعلق بالعقوبات.
وأكد المسؤول إيضاح وزير الخارجية الأمريكي، أنتوني بلينكن، في وقت سابق، بعدم رفع أو التنازل عن العقوبات المتعلقة بسوريا في هذه الحالة أو أي حالات أخرى، إذ تهدف عقوبات قانون “قيصر” إلى تحميل النظام السوري المسؤولية عن الفظائع التي ارتُكبت بحق شعبه.