“تيك توك”.. بالعربي

  • 2022/01/23
  • 10:34 ص

فتاتان تصوران مقطع فيديو لنشره على منصة "تيك توك" (CANVA)

نبيل محمد

أولى ميزات المحتوى العربي على “تيك توك” هي التكرار، النابع من عدم الاهتمام بالمحتوى نهائيًا، مقابل الاهتمام بمستويات المتابعة بشكل مضاعف عن بقية المنصات التي يحتمل محتواها هذا التكرار، بالتالي يجد “التيك توكر” (منشئ المحتوى على تيك توك) أن الاعتماد على قوالب جاهزة هو الأفضل، وركوب أي “تريند” بغض النظر عن أهميته أو مغزاه، لمجرد بث محتوى قادر على الجذب، كمقاطع موسيقية متطابقة يكتفي منشئو المحتوى فيها بتقديم مشاهد مرافقة، رقصات أو حركات، لدرجة أنك وبجلسة استعراض واحدة عبر التطبيق، يمكن أن تستمع إلى الأغنية ذاتها عشرات المرات، لترافقك هذه الأغنية في يومك، فتحاول التخلص منها، إلا أن “تيك توك” قادر على زرعها في ذاكرتك واستحضارها بشكل متكرر. “بسبوس عاشق بسة” مثلًا، يمكن أن تتردد على لسانك في اليوم الواحد عشرات المرات مع ابتسامة، ومحاولة يائسة للحض على النسيان.

من ميزات “التيك التوك” التي لا تحققها أغلبية المنصات الشهيرة، هي إمكانية المتابعة دون تكلف عناء إنشاء حساب، إذ يمكنك أن تكون مجرّد فرد من الجمهور، يستعرض كل يوم الجديد على المنصة، لكنه ومن خلال المقاطع المقتطعة من برامج فنية وسياسية، قادر على أن يلخّص لك مجمل المجريات بعجالة، ويقدّم لك مختصرًا لفضائح الصحافة الصفراء، وما إلى ذلك من المحتوى المناسب لـ”تيك توك”، لدرجة أن أي محتوى جدّي ذي أثر يبدو غريبًا وغير مقنع ومفتقدًا قيمته لمجرد حضوره باللغة العربية على هذه المنصة، التي يتكاثر مستخدموها يومًا فيوم، ويزداد حضورها وتأثيرها أيضًا.

لم تستطع منصات “فيس بوك” أو “يوتيوب” أو “إنستجرام” أن تحقق النقلة النوعية للفيديو الرخيص بالدرجة التي استطاع تحقيقها “تيك توك”، فالفيديو أو المحتوى الذي يتحقق كل شروط توصيفه بالتافه أو ما إلى ذلك من أوصاف توحي بانعدام قيمته، يأخذ قيمة حقيقية في “تيك توك”، وليست هذه القيمة متأتية من مستويات المتابعة للفيديو فحسب، بل من أثر هذا الفيديو الذي من الصعب أو المستحيل أن يحققه على منصّات أخرى تحتوي مستوى معيّنًا من الرقابة ومن سويّة الجمهور الذي هو المسهم الأساسي في انتشار المحتوى. أثره في أن يصبح حدثًا تتناقله الناس، وفي إثارة الدوائر السياسية مثلًا كما حدث في تركيا أكثر من مرة، آخرها كان فيديو مجموعة المراهقين السوريين الذين يحملون العصي والأدوات الحادة في شارع من مدينة تركية، والذي أدى بهم وفق وسائل إعلام سورية إلى الترحيل من تركيا، الترحيل الذي صار يتحول إلى قرار سريع الاتخاذ في تركيا تجاه السوريين من مرتكبي المخالفات القانونية المباشرة، أو ناشري محتوى تعتبره السلطات التركية مخالفًا أو محرّضًا عبر وسائل التواصل الاجتماعي وفي مقدمتها “تيك توك”.

تفاصيل يومية لبشر عاديين، تفاصيل عادة ما تبقى في أطر ضيقة مقتصرة على محيط ناشرها في “فيس بوك” و”إنستجرام”، تأخذ شكلًا مختلفًا في “تيك توك”، صار بإمكانك متابعة الحياة اليومية لأي ناشر في هذه المنصة، بل صار أي ناشر فيها هو ليس مجرد صاحب حساب، إنما هو منشئ محتوى حقيقي ينال آلاف المتابعات بموجب خوارزمية صعبة الفهم، تسهم في انتشار انعدام المعنى الذي يرافق أغلبية “التريندات” عبر “تيك توك”، وفي نشوء طبقة من “التيك توكر” تعلّم الوافدين الجدد إلى المنصة طرق الانتشار، بل وطرق تحصيل الأرباح عبره، الأرباح “دون أي رأس مال يُذكر”، هذه الجملة بالتحديد تتكرر عند الحديث عن الربح عبر “التيك توك”، بمعنى أنك لا تفعل شيئًا، حتى ذلك الفيديو الذي تصوره وتنشره هو أقرب إلى كونك لا تفعل شيئًا، لكنه سيحقق لك الربح إن عرفت مفاتيح اللعبة على المنصة.

مقالات متعلقة

مقالات الرأي

المزيد من مقالات الرأي