تبدأ غدًا، الأربعاء 19 من كانون الثاني، أولى جلسات محاكمة الطبيب السوري علاء موسى في محكمة فرانكفورت الإقليمية العليا غربي ألمانيا.
وأقرت المحكمة 18 تهمة موجهة لموسى، وبذلك ستبدأ جلسات المحكمة بـ18 تهمة تعذيب، بعد أن كان مقررًا أن تفتتح جلسات المحاكمة بثماني تهم فقط.
في 19 من حزيران 2020، ألقت السلطات الألمانية القبض على الطبيب موسى، المتهم بتعذيب المعتقلين وحرق أعضائهم التناسلية خلال عمله طبيبًا في سوريا.
وورد في أمر توقيف الطبيب، أنه في نهاية نيسان 2011، بدأت قوات النظام السوري باستخدام “القوة الوحشية” لقمع جميع أشكال الحراك المناهض لسياسة النظام، ولعبت المخابرات السورية حينها دورًا أساسيًا في ذلك، وكان الهدف وقف الحركة الاحتجاجية بمساعدة من المخابرات في أسرع وقت ممكن وتخويف السكان.
ولهذه الغاية، ألقي القبض على شخصيات معارضة، واحتُجزوا وعُذبوا وقُتلوا في جميع أنحاء سوريا، بحسب بيان أمر التوقيف.
وعمل علاء موسى طبيبًا في سجن للمخابرات العسكرية بمدينة حمص عام 2011، في الفترة من 23 من تشرين الأول إلى 16 من تشرين الثاني 2011، وفي تلك الفترة، تعرّض أحد المعتقلين المحتجز لمشاركته في مظاهرة (يدعى محمود من مدينة حمص)، لجلسة تعذيب، ثم أُصيب بنوبة صرع، وطلب أحد زملائه المعتقلين من أحد الحراس إبلاغ الطبيب، وبعد وصوله قام موسى بضرب المعتقل بأنبوب بلاستيكي، واستمر في ضربه وركله على رأسه.
وفي اليوم التالي من تلك الواقعة، تدهورت صحة المحتجز، فطلب أحد المعتقلين الرعاية الطبية، وبدلًا من علاجه عاد موسى هذه المرة برفقة طبيب آخر من السجن، وضربا المحتجز المصاب بنوبة صرع بأنبوب بلاستيكي، ولم يعد يستطيع المشي، حتى فقد وعيه، ثم وضع عدة حراس المحتجز المصاب في بطانية ونقلوه بعيدًا حتى موته.
كما عمل موسى طبيبًا وعميلًا في جهاز المخابرات بمستشفى “المزة العسكري” رقم “601” المعروف باسم “المسلخ البشري”، حيث التقطت صور “قيصر”.
ويعتبر الطبيب موسى ضالعًا في العنف الجنسي، والتعذيب، وقتل مدنيين في المستشفى العسكري وفرع المخابرات العسكرية في حمص.
اقرأ أيضًا: حُكم أنور رسلان وبقي الفرع “251”
التعذيب يمتد إلى خارج مراكز الاعتقال
من خلال ارتكابه هذه الجرائم، تجاوز الطبيب علاء موسى، الذي دخل إلى ألمانيا عام 2015، أخلاق وظيفته المتمثلة في علاج أي مريض مهما كان موقفه منه، وتحوّل إلى أداة لتعذيب المعارضين للنظام السوري، بالإضافة إلى أطباء آخرين، منهم علي حسن وأسامة النقري.
وأوضح المحامي والأمين العام لـ”المركز الأوروبي للحقوق الدستورية وحقوق الإنسان”، وولفغانغ كاليك، أن “الجرائم الخطيرة ضد المجتمع المدني السوري لا تحدث فقط في مراكز الاعتقال التابعة للمخابرات. نظام الدولة للتعذيب والإبادة في سوريا معقّد”.
وأشار كاليك إلى أن هناك دورًا للمستشفيات العسكرية والطاقم الطبي في نظام التعذيب داخل سوريا، وتابع كاليك، “إنها خطوة مهمة من قبل القضاء الألماني لمواصلة ما بدأ بالإجراءات ضد أنور ر. في كوبلنز”.
وبحسب حديث سابق مع مدير “المركز السوري للعدالة والمساءلة”، محمد العبد الله، “أُرسلت إفادة الشاهد الرئيس في هذه القضية لنا من قبل طبيب، وأرسلناها إلى الشرطة الألمانية التي أسهمت باعتقاله وتوجيه الاتهامات له”.
ويتابع بودكاست “عدالتي” جلسات محاكمة الطبيب عبر الصحفيين العاملين في “المركز السوري” والموجودين في داخل المحكمة.
أولى المخاوف.. منع الوصول إلى المعلومة
وتشمل أولى المخاوف ضمن هذه القضية منع المحكمة الحضور من تدوين ملاحظاتهم في محاكمة الطبيب موسى، وسمحت في الوقت نفسه بحضور الصحفيين غير المعتمدين في حال توفرت مقاعد لهم.
كما لن تكون هناك ترجمة فورية إلى اللغة العربية في هذه المحاكمة، إذ تنازل المتهم عن حق الترجمة، وبالتالي سيخصَّص مترجم فوري فقط في حالة وجود صعوبات بالفهم في حالات استثنائية.
وبالتالي، فإن سير المحاكمة لا يمكن مقارنته بقرار المحكمة الدستورية فيما يتعلق بالمحاكمة في المحكمة الإقليمية العليا بكوبلنز.
وفي آب 2020، حكمت المحكمة الدستورية الألمانية في كوبلنز بمنح الصحفيين المعتمَدين الناطقين بالعربية حق الوصول إلى الترجمة الفورية باللغة العربية لجلسات المحاكمة، إذ إن أجهزة استقبال الترجمة الفورية تُركت دون استخدام، في حين لم يستطع الجمهور السوري متابعة ما يُقال في المحاكمة.
وصدر هذا الحكم بناء على شكوى قدمها كل من “المركز السوري للعدالة والمساءلة” والحقوقي السوري منصور العمري لطلب اتخاذ تدابير مؤقتة إلى المحكمة الدستورية الألمانية في مدينة كارلسروه جنوبي ألمانيا، لمنح الجمهور حق الوصول إلى الترجمة العربية في محاكمة أنور رسلان وإياد الغريب، في كوبلنز.
وأوضح المركز في بيان نشره، أن الترجمة العربية من شأنها أن تجعل الإجراءات في متناول الأشخاص المعنيين في المقام الأول وهم السوريون، ولا سيما الناجين منهم، وعائلاتهم والمجتمع المدني السوري ككل.
و”لا يجب تحقيق العدالة فحسب، بل يجب أن يقتنع الجميع بتحقيقها. نعتقد أن الجمهور الأكثر تضررًا من الجرائم يجب أن يتمتع بوصول فعلي إلى الإجراءات”.
وتوفير الترجمة العربية للجمهور العام في أي محاكمة من شأنه أن يعزز من تأثيرها ويرسل رسالة إلى العالم، وخاصة في سوريا، مفادها أنه لا إفلات من العقاب على الجرائم الفظيعة.
اقرأ أيضًا: “كوبلنز”.. تفسير المحكمة يهدد بضياع وثائق تاريخية
اتصالات مع السفارة في برلين
نشر “المركز السوري للدراسات والأبحاث القانونية”، الاثنين 17 من كانون الثاني، بيانًا رحّب ببدء محاكمة الطبيب موسى.
وبحسب ما جاء في البيان، “وفقًا لملاحظة من مكتب المدعي العام الفيدرالي، فإن الأطباء في عيادة عسكرية أخرى كانوا دائمًا يحملون طلقات البوتاسيوم المميتة معهم لإبادة منتقدي النظام”.
كما “تم العثور على اتصالات بين المتهم (علاء موسى) والسفارة السورية في برلين، إذ وصف المتهم منتقدي النظام في إحدى رسائله لها بالبريد الإلكتروني بأنهم (مخربون ضد الأمة وضد الوطن، هم صراصير)”.
ومع بداية ملاحقته ومواجهته بالجرائم التي ارتكبها، دافع موسى عن نفسه، نافيًا ما اتُّهم به.
–