عنب بلدي – جنى العيسى
غادر أمين سر اللجنة المركزية لحركة “فتح” الفلسطينية، جبريل الرجوب، العاصمة السورية دمشق، الأسبوع الماضي، بعد أن أوصل رسالة “سرية”، بعثها الرئيس الفلسطيني، محمود عباس، لرئيس النظام السوري، بشار الأسد.
الرجوب وعد من دمشق بزيارة قريبة مقبلة للنظام السوري أعلى تمثيلًا للسلطة الفلسطينية من تلك التي أجراها، سيكون على رأسها محمود عباس.
وعقب الزيارة، بدا الغضب واضحًا في ردود فعل عدد من الناشطين الفلسطينيين مستنكرين الزيارة، بسبب إغماض السلطة الفلسطينية عيونها عما عاناه اللاجئون الفلسطينيون في سوريا من تشريد وقتل واعتقال وتهجير نتجت جميعها عن النظام وجيشه وميليشياته.
ويثير موقف السلطة الفلسطينية من الثورة السورية، ووقوفها في العلن طوال السنوات العشر الماضية إلى جانب رئيس النظام السوري، العديد من التساؤلات حول أسباب تلك العلاقة التي تجمعهما، ومكاسب الطرفين في دعم بعضهما.
وربما صار من البديهي اليوم، أن يسعى النظام السوري إلى تطوير علاقاته مع أي مبادر لذلك، لكسب شرعية يريدها، خاصة إن كانت الأطراف الراغبة بتطوير العلاقات تنادي بعودته إلى الحضن العربي والدولي.
النظام الاستبدادي يجمع الطرفين
أرجع الباحث في “المعهد العالي للدراسات الدولية في جنيف” بلال سلايمة، تطور العلاقة التي جمعت السلطة الفلسطينية برئاسة محمود عباس، ورئيس النظام، بشار الأسد، تحديدًا بعد انطلاق الثورة السورية، إلى سببين اثنين.
يتعلق السبب الأول، بحسب ما أوضحه سلايمة في حديث إلى عنب بلدي، بأن السلطة الفلسطينية المتمثلة بحركة “فتح” اليوم، تحولت إلى نظام سلطوي استبدادي لا يختلف عن أي نظام عربي آخر في قمع المعارضين له، بالتعاون مع الاحتلال الإسرائيلي، وهذا ما يفسر تماهيها مع النظام السوري، معتبرًا أنه أمر “طبيعي” بعد أن عُرف الاثنان بأنظمتهما السلطوية الاستبدادية.
ويرى منسق تجمع “مصير” والمحامي الفلسطيني، أيمن أبو هاشم، في حديث إلى عنب بلدي، أن لحركة “فتح” حسابات خاصة ترجوها من علاقتها مع النظام السوري، تراها بوجهة نظر “ضيقة”، وتأتي من مصلحتها كسلطة فقط.
وتعتبر هذه المصلحة بعيدة كل البعد عن المصلحة الفلسطينية الوطنية، التي يجب أن تفرض على الحركة عدم إقامة علاقات مع النظام الذي قتل الفلسطينيين ودمّر مخيماتهم وهجّرهم من سوريا أيضًا.
وحافظت حركة “فتح” على علاقاتها بالنظام السوري، خلال السنوات الماضية، وتُتهم الحركة بالقتال إلى جانبه خاصة في جنوب دمشق والمخيمات الفلسطينية، كما أيّد عباس في تصريحات سابقة له عودة النظام السوري إلى الجامعة العربية.
ملء فراغ حركة “حماس” في دمشق
بينما يتعلّق السبب الثاني للعلاقة التي جمعت الطرفين، بحسب الباحث بلال سلايمة، بنوع من المناكفة الفلسطينية الداخلية، بعد أن سجلت حركة “حماس” موقفها الذي كان يدعم الثورة السورية.
ويرى سلايمة أن خروج “حماس” من دمشق، ووقوف بعض قيادييها إلى جانب مطالب الشعب السوري، خلق لـ”فتح” فرصة رأتها مناسبة، لتعزز علاقاتها مع النظام على حساب علاقاته مع حركة “حماس”.
وهذا ما أكّده المحامي أيمن أبو هاشم، الذي اعتبر أن لـ”فتح” العديد من المصالح المختلفة التي تريدها من فتح قنوات العلاقة مع النظام بصورة كبيرة، لعل أبرزها رغبتها بملء الفراغ الذي تركته حركة “حماس” في سوريا تزامنًا مع انطلاق الثورة.
وتتمثل تلك المصالح أيضًا، بحسب ما يراه أبو هاشم، بتقدير “خاطئ” من قبل الحركة، باعتقادها أن النظام “انتصر في حربه المزعومة على الإرهاب”، ومن هذا الباب، تريد “فتح” استغلال فرصة هذا “الحدث” لمصلحتها من أجل إعادة حضورها ووجودها في سوريا بحجم أكبر، بعد خلافات وقفت أمام مصالحها في سوريا بعهد الأسد الأب.
مرت العلاقات السياسية بين حركة “حماس” والنظام السوري بتقلّبات منذ تأسيسها، بدأت بمرحلة التردد بفتح أبواب دمشق أمامها في عهد حافظ الأسد، في تسعينيات القرن الماضي، قبل تطور العلاقة بشكل تدريجي لتصل إلى مرحلة الازدهار ثم القطيعة في عهد بشار الأسد.
وقدم النظام السوري دعمًا بمختلف المجالات للحركة، أمّن استقرارها سياسيًا وتطورها عسكريًا، ومع اندلاع الثورة السورية في 2011، حاولت الحركة المحافظة على علاقة متوازنة مع النظام، لكنها لم تتمكّن من ضبط مواقفها، وكثيرًا ما تخبّطت في تصريحاتها.
واتهم رئيس النظام السوري “حماس” وبعض أعضائها في عدة مناسبات بدعم جماعات المعارضة السورية والقتال إلى جانبها، واعتقل النظام بعض عناصر الحركة الذين بقوا في الأراضي السورية، وصادر ممتلكاتهم وأصول الحركة الأوسع.
وخلال السنوات الماضية، تحدثت العديد من التقارير الإعلامية عن عدة وساطات من “حزب الله” وإيران، كانت تهدف إلى إعادة ترتيب علاقة “حماس” مع النظام، لم تنضج ثمارها حتى الآن.
اقرأ أيضًا: حماس” والنظام السوري.. علاقة مضطربة ومواقف متضاربة
استرضاء لروسيا وركوب مركب “التطبيع” العربي
على صعيد آخر، يعتقد المحامي الفلسطيني أيمن أبو هاشم، أن الهدف من هذه العلاقات اليوم، هو محاولة حركة “فتح” إيصال رسائل لروسيا، بأنها تدعم التطبيع العربي وتوافق على إعادة تأهيل النظام السوري دوليًا، الأمر الذي تعمل عليه روسيا منذ سنوات.
وعبر دعم النظام السوري، ترى “فتح” أنها قد تنجح في إيصال رسالة إلى بعض الدول العربية التي دخلت في خط التطبيع مع النظام، فحواها “أن (فتح) قادرة أيضًا على أن تلعب دورًا مماثلًا في هذا الاتجاه”، وهدفها الأساسي من هذه الرسالة “شخصي” يتمثل بكسب بعض العلاقات العربية والدولية، بحسب ما أوضحه أبو هاشم.
“فتح” تقضم حق فلسطينيي سوريا
لا يتفق المحامي الفلسطيني أيمن أبو هاشم مع رؤية يجري تداولها اليوم، تفيد بأن العلاقة بين حركة “فتح” والنظام السوري، لا تملك القدرة الكافية لتترك أثرًا في مختلف المجالات، والتي اعتبرت أن تصريحات الطرفين وزياراتهما هي زيارات “فارغة”، ينتهي أثرها بانتهائها.
بل يرى أبو هاشم أن تلك العلاقة تسهم في التغطية على جرائم النظام بحق الفلسطينيين والسوريين من تجويع وتدمير وتهجير.
وأضاف أبو هاشم أن السوري سيستغل موقف “فتح” ليقول للجميع إن “السلطة الشرعية الفلسطينية تقف معنا، وهي موافقة على كل ما فعلناه بالفلسطينيين”، بحسب رأيه.
ورغم رسائل “فتح” المستمرة إلى النظام السوري خلال السنوات الماضية، لم يتضمن أي منها قضايا تهم فلسطينيي سوريا، في ظل اعتقال النظام المئات منهم، وتدمير ممتلكاتهم، وحاجة أكثر من 400 ألف شخص منهم في سوريا اليوم إلى مساعدات إنسانية ماسّة من أجل البقاء على قيد الحياة.
اقرأ أيضًا: وفد عباس في دمشق.. 3 مهمات ليس بينها ما يشغل الفلسطينيين