عنب بلدي- صالح ملص
من حيث المبدأ، فإن الإنترنت ليس ملكًا لأحد، ولا توجد هيئة رسمية وحيدة، حكومية أو غير حكومية، للإشراف على الإنترنت، لأن البنية الأساسية لهذه الشبكة من الحواسيب المتصلة ببعضها، تُدار بإشراف جهات غير حكومية جعلت الإنترنت مساحة حرة متاحة للجميع.
وتتصدّر هذه الجهات “الاتحاد الدولي للاتصالات” (ITU) المشرف على منظومات الاتصالات العالمية، بالإضافة إلى جمعية الإنترنت “ISOC” (Internet Society)، وهي مؤسسة أمريكية غير حكومية أُنشئت عام 1991، تهدف إلى تنسيق عمليات الاتصال والارتباط فيما بين الشبكات.
وعلى الرغم من وجود مساحة حرة لجميع الأفراد بما يتعلق بالاتصالات، فإن جرائم الإنترنت شغلت المشرّع السوري، الأمر الذي دفعه للبحث في فهم طبيعة تلك الجرائم، وخصائصها، وذلك من أجل مكافحتها.
تتطلّب جريمة الإنترنت، أو الجرائم الإلكترونية أو المعلوماتية، إلمامًا خاصًا بتقنيات الحاسب الآلي ونظم المعلومات لارتكابها، أو التحقيق فيها ومقاضاة فاعليها، كونها جريمة عابرة للحدود لا تعرف جغرافيا معيّنة.
وتعد المهارة التقنية شرطًا رئيسًا لتنفيذ الجرائم المعلوماتية، سواء اُكتسبت هذه المهارة عن طريق الدراسة المتخصصة، أو عن طريق الخبرة في مجال تكنولوجيا المعلومات.
تكميم أفواه
في كانون الأول عام 2021، اقترحت وزارة الاتصالات السورية مشروع تعديل قانون “مكافحة الجريمة المعلوماتية” رقم “17” لعام 2012، للمناقشة أمام “مجلس الشعب”، وفي حال إقراره سيلغى القانون الحالي.
يتألف المشروع الجديد من 47 مادة، متشددًا في العقوبات المتعلقة بالنشر عبر الإنترنت، لتصل عقوبات بعض “الجرائم” إلى سبع سنوات حبس، وغرامات مالية منها ما يبلغ عشرة ملايين ليرة سورية (حوالي 2830 دولارًا).
أثار اقتراح مشروع تعديل القانون جدلًا واسعًا بين مستخدمي وسائل التواصل الاجتماعي من السوريين، إذ اعتبره بعضهم تقييدًا للحريات بشكل أكبر، لما فيه من مواد مصبوغة بعبارات عامة غير محددة، مثل “النيل من هيبة الدولة”، و”النيل من هيبة الموظف العام”.
وهناك مشكلات قانونية وعملية تواجه الجهود المبذولة لمكافحة جرائم المعلوماتية، على صعيد احترام الهامش الضيق من الحريات الممنوحة للمستخدم السوري عبر مواقع التواصل الاجتماعي، وفق ما يراه محامٍ مطلع مقيم في دمشق خلال حديث إلى عنب بلدي.
يعتقد المحامي، الذي تحفظت عنب بلدي على ذكر اسمه لأسباب أمنية، أن “المادة رقم (23) من مشروع تعديل القانون تعتبر أي انتقاد مهما بلغ شأنه لسلوك أو سياسة موظف عام، سواء أكان وزيرًا أو محافظًا أو مديرًا عامًا أو حتى موظفًا عاديًا، كاتهامه بالتقصير أو الإهمال في عمله، أو عدم كفاءته لشغل الوظيفة، هو نيل من شرف الموظف أو كرامته”.
ويوضح المحامي في حديثه، “الدليل أن هذا النص يطال أي انتقاد لموظف عام، وليس التلفظ بشتمه أو سبه، هو أن المادة (376) من قانون العقوبات العام، تعاقب بالحبس حتى سنة من يرتكب جرم الذم بحق الموظف، والذم كما عرّفه قانون العقوبات في المادة (375)، هو (نسبة أمر إلى شخص ولو في معرض الشك أو الاستفهام ينال من شرفه أو كرامته)، فلو كان القصد التشدد بالعقوبة، لكان يمكن تعديل نص قانون العقوبات، وتشديد العقوبة بدلًا من تعديل قانون الجرائم المعلوماتية”.
توجد مفارقة في التعديل المقترح للقانون، وفق رأي المحامي، وهو أنه “صار جرم شتم الموظف وذمه أهون من انتقاده، فعلى سبيل المثال إذا وصفته بـ(الغبي) فالعقوبة هي الحبس حتى سنة حسب المادة (376) من قانون العقوبات لأنه لفظ ينال من شرفه أو كرامته، أما إذا انتقدته قائلًا بأنه مقصر ومهمل في عمله وغير كفء لهذه الوظيفة، فقد تنال حكمًا بالسجن حتى ثلاث سنوات وفق النص الجديد، لأنه انتقاد ينال أيضًا من شرفه أو كرامته”.
تجاوز في المبادئ القانونية
بحسب المحامي، تتجلى مشكلة أخرى بموجب مقترح التعديل المذكور مرتبطة بالمادة رقم “23”، وهي أنه “ساوى في العقوبة بين انتقاد موظف ينال من شرفه أو كرامته، وعقوبة ذم رئيس الدولة وهي الحبس حتى ثلاث سنوات، فهل يعقل أن تتساوى كرامة موظف عام مع كرامة رئيس الدولة؟”.
كما تجاوز التعديل المقترح المبادئ القانونية المستقرة، التي تحدد مفهوم العلنية المنصوص عليه بالمادة رقم “208” من قانون العقوبات، وهي التي تحصل في محل عام أو مكان مباح للجمهور أو معرض للأنظار، فاعتبر اقتراح التعديل رسائل “الماسنجر” أو “الواتساب” علنية تسري عليها عقوبة الذم بشكل علني.
وبموجب نص التعديل في المادة رقم “30” فإنه:
“يعد من وسائل العلنية المنصوص عليها في قانون العقوبات، التواصل على الشبكة في مجموعات المراسلات الجماعية عبر الشبكة التي تضم أكثر من شخصين، والإرسال عبر الشبكة لشخصين أو أكثر”.
وعاقبت المادة رقم “24” من التعديل المقترح الذم غير العلني إذا ارتُكب برسائل خاصة عبر “الماسنجر” و”الواتساب”، بالحبس من شهر إلى ستة أشهر، وبغرامة مالية حتى 200 ألف ليرة.
وهو ما اعتبره المحامي منافيًا لأبسط المبادئ القانونية المستقرة، التي تشترط العلنية لمعاقبة الفعل.
المادة رقم “36”
تنص المادة رقم “24” من قانون “الجريمة المعلوماتية” النافذ حاليًا، على أن تُحدث في وزارة الداخلية ضابطة عدلية مختصة تكلّف باستقصاء الجرائم المعلوماتية، وجمع أدلتها الرقمية، والقبض على فاعليها، وإحالتهم إلى المحاكم الموكل إليها أمر معاقبتهم.
وتنفيذًا لهذا النص، أصدرت وزارة الداخلية في 2012 قرارها المتضمن إحداث فرع خاص في إدارة الأمن الجنائي، يسمى “فرع مكافحة جرائم المعلوماتية”، لمكافحة هذه الجرائم والتحقيق فيها.
إلا أن الأكثر خطورة في التعديل المقترح حاليًا، بحسب وجهة نظر المحامي، هي المادة رقم “36”، التي تسمح للنائب العام أن يحرّك الدعوى العامة في جرائم النيل من هيبة الدولة أو النيل من هيبة الموظف، والجرائم التي تقع على الموظف أو على الدولة، حتى إذا لم يقدم المتضرر شكوى أو ادعاء شخصيًا.
تسمح هذه المادة للجهة الرسمية التي ينتمي إليها الموظف أن تدعي على الفاعل مباشرة، وبالتالي لا يمكن أن يستفيد الفاعل من إسقاط حق شخصي من الموظف إذا تصالح الفاعل معه، ليستفيد من عذر مخفف أو قانون عفو عام.