عنب بلدي- درعا
“من الممكن التخلي عن بعض الطعام، ولكن لا يمكن الاستغناء عن الدواء”، يشكو محمد (63 عامًا) بهذه الكلمات لعنب بلدي زيادة أسعار الأدوية في محافظة درعا جنوبي سوريا، إذ يعاني من ارتفاع ضغط شرياني بالدم.
صار شراء الدواء هاجسًا يؤرّق أهالي المحافظة ماديًا، خصوصًا بعد رفع أسعاره مرتين من قبل وزارة الصحة السورية خلال عام 2021.
“لم تعد ميزانيتي تسمح بشراء كامل الدواء، كنت سابقًا أشتري الوصفة بأسعار تقل عشرة أضعاف عن سعرها الحالي، ولكن الأسعار تتزايد كل فترة، حتى صرت بحاجة إلى 25 ألف ليرة (سبعة دولارات) كل عشرة أيام”، وفق ما قاله الرجل الستيني.
ويتخوّف محمد من استمرار ارتفاع أسعار الأدوية، “إذا استمرت الصحة في رفع الأسعار، لن أتمكّن من شراء الوصفة”.
وقال محمد إن “بعض الصيادلة يحاولون إقناعك ببديل عن الدواء، في حال لم يتوفر في صيدلياتهم، ولكن هذا الأمر بحاجة إلى مراجعة الطبيب”، وتكمن الخطورة في حال صرف الصيدلاني دواء دون وصفة طبية، كما في حال “عدم امتلاك البائع في الصيدلية شهادة الصيدلة، إذ تحولت الصيدليات في درعا إلى متاجر بيع دون امتلاك شهادات تجيز العمل فيها”.
تأجيل تناول الدواء
هيام (40 عامًا) من سكان ريف درعا الغربي، تعاني من مرض الربو، قالت إن تكلفة شراء الدواء صارت مرهقة لدرجة أن “يتمنى الإنسان الموت، على أن يحتار في تأمين ثمن كل وصفة”.
وأضافت هيام، التي تعمل موظفة حكومية، أن التأثير الأكبر في رفع أسعار الأدوية يقع على المصابين بالأمراض المزمنة كالربو، والسكري، والكلى، وغيرها، في الوقت نفسه، “الناس يشكون كثيرًا من الارتفاع الكبير بالأسعار، في حين ما زالت رواتبهم الشهرية على حالها منخفضة”.
في حزيران عام 2021، رفعت وزارة الصحة في حكومة النظام السوري سعر أكثر من 11 ألف صنف دوائي، بنسب تقارب 30%، وكان ذلك بناء على توصيات اللجنة الفنية العليا للدواء في الوزارة.
الارتفاع الكبير بالأسعار، جاء بعد تصريحات رسمية توضح أن الواقع الطبي في سوريا يعاني نقصًا كبيرًا في أعداد من الزمر الدوائية المختلفة، وسيتدهور أكثر في حال عدم رفع أسعار الدواء.
كما أن رفع أسعار الأدوية كان بهدف “تأمين استمرارها”، في ظل ارتفاع تكاليف إنتاجها، وتعرض أصحاب المعامل لخسارات مالية، بحسب قول رئيس المجلس العلمي للصناعات الدوائية الوطنية التابع لوزارة الصحة، رشيد الفيصل.
وكل مادة موجودة بالدواء يُدفع سعرها بالدولار، ابتداء من الحبر الموجود على الغلاف، حتى المادة الفعالة، وفق ما قاله الفيصل، ومع ذلك، لا تزال أسعار الدواء منخفضة، الأمر الذي أوقع معامل الأدوية بخسائر فادحة لا يمكن تحملها.
وتعاني المعامل من صعوبات التصنيع وارتفاع تكاليف الإنتاج، كما تعاني المستودعات من قلّة الأدوية الواصلة إليها من المعامل، في حين تعاني الصيدليات من خسائر في رؤوس الأموال، وعدم توفر مصادر لتعويض الأدوية المباعة والخسائر.
وقالت لمياء (28 عامًا)، التي تعمل معلمة للمرحلة الابتدائية في المدينة، إن ثمن “سحبة السيتامول” صار 1400 ليرة سورية (40 سنتًا)، و”سحبة” دواء الالتهاب 3500 ليرة (حوالي دولار واحد).
“هناك عدد كبير من المرضى لا يستطيعون شراء أدويتهم، لذلك يؤجّلون تناولها، وبعضهم يخفف من الجرعات التي بحاجة إليها، وهذا ما يشكّل خطرًا على صحتهم وحياتهم”، وفق ما قالته لمياء، التي استذكرت الماضي، عندما كان يرد لها الصيدلاني “سحبة سيتامول” عوضًا عن خمس ليرات باقية بعد شراء الوصفة.
وأضافت لمياء أن التهاب أمعاء ابنها البالغ ستة أعوام، كلّفها حوالي 30 ألف ليرة (حوالي ثمانية دولارات).
خطورة تهدد حياة المرضى
قال ممرض (43 عامًا) لعنب بلدي، تحفظ على ذكر اسمه لأسباب أمنية، إن تناول الأدوية حسب وصفة الطبيب المختص أمر ضروري للمرضى، خصوصًا المصابين بمرض مزمن، والتأخير أو عدم تناول الدواء بوقته قد يعرض المريض للخطر، مثل الجلطات الدماغية، في حال كان يعاني من ارتفاع ضغط الدم، ولا يجوز استبدال الدواء بآخر إلا بعد مشاورة الطبيب المختص.
وأضاف الممرض الذي يعمل في أحد المستشفيات الحكومية بالمدينة، أن هناك بعض الأنواع من الأدوية المهمة صارت غير متوفرة، ويؤثر ارتفاع أسعار الدواء على إمكانية شرائه من قبل السكان.
ويعيش سكان محافظة درعا، كحال بقية السوريين، أوضاعًا معيشية صعبة، خصوصًا في ظل تدني القدرة الشرائية لليرة السورية، وثبات قيمة الرواتب لموظفي مؤسسات الدولة بحدود 100 ألف ليرة (28 دولارًا).
وصار المريض يخصص ميزانية قد تستهلك نصف دخله الشهري كثمن دواء فقط.
غلاء أسعار الأدوية دفع بعض سكان مدينة درعا بشكل متزايد إلى طب الأعشاب لعلاج الأمراض اليومية، مع استمرار الأزمة الاقتصادية في عموم سوريا وضعف قيمة الليرة.
ومع ارتفاع أسعار العقاقير الطبية والأدوية في الصيدليات، يتوافد السكان على محال بيع الأعشاب والبهارات التي تُستخدم في العلاج، فيما يسمى بالطب البديل.
ولكن الممرض حذر من خطورة ذلك على حياة المريض، وقال إن “طب الأعشاب لا يمكن أن يكون بديلًا، خصوصًا أن العاملين فيه لا يمتلكون خبرات طبية فنية في تحضيره”.
ضعف الرقابة
ضعف الرقابة على أسعار الصيدليات يلعب دورًا كبيرًا في رفع الأسعار دون ضوابط رسمية، إذ لا تلتزم أغلبية الصيدليات، خصوصًا في ريف درعا، بأسعار وزارة الصحة، وإنما تضع هامش ربح عبر شطب السعر المعتمد من قبل الوزارة، ووضع سعر جديد.
النقص الكبير في الأدوية والمواد الطبية على اختلاف أنواعها داخل الصيدليات في مدينة درعا، دفع الأهالي للتوجه إلى السوق السوداء للحصول على أدويتهم بأضعاف الأسعار المحددة من قبل وزارة الصحة.
وأشارت منظمة الصحة العالمية، في 5 من كانون الثاني الحالي، إلى أنه في عام 2022، سيكون 12.2 مليون شخص بحاجة إلى المساعدة الصحية، من بين هؤلاء أربعة ملايين نازح، و1.33 مليون طفل دون سن الخامسة (بمن في ذلك 503.000 ولادة متوقعة)، و3.38 مليون سيدة في عمر الإنجاب (15- 49).
ووجهت المنظمة نداء طارئا لتوفير 257.6 مليون دولار لتلبية الاحتياجات الصحية الحرجة في سوريا، والحفاظ على الرعاية الصحية الأساسية، بما يشمل الاستجابة لفيروس “كورنا المستجد” (كوفيد- 19)، وتقديم الخدمات المنقذة للحياة وبناء نظام صحي مرن.
وبحسب تقرير صادر عن منظمة الأغذية والزراعة التابعة للأمم المتحدة (فاو)، عام 2021، فإن أخطار انعدام الأمن الغذائي ارتفعت خلال العام الماضي.
ووفق التقرير، يحيط بسوريا و19 دولة أخرى خطر انعدام الأمن الغذائي الحاد، ما يشير بعمق إلى سوء الوضع المعيشي وقسوته على المجتمع السوري، الذي يستيقظ يوميًا على تباين في سعر صرف الليرة السورية أمام الدولار الأمريكي، وارتفاع في أسعار السلع والمواد الغذائية التي يواجه صعوبة في تأمينها، بدءًا برغيف الخبز.