“تسويات” النظام في ريف الرقة

  • 2022/01/16
  • 9:19 ص

إبراهيم العلوش

في 12 من كانون الثاني الحالي، افتتح النظام مركزا لـ”التسويات” في بلدة السبخة، مبشرًا أبناء الرقة بعودة صور بشار الأسد، ولكنها هذه المرة مصحوبة بصور لبوتين مع صور وتماثيل لقاسم سليماني.

ومثل معظم المدن السورية، بدأ النظام في النصف الثاني من عام 2011 بتدمير محافظة الرقة ممهدًا الطريق لوصول “جبهة النصرة” و”داعش”، وها هو الآن يحاول أن يعود من جديد مصحوبًا بقوى الاحتلال الجديدة التي تبحث عن تعويضات لمصاريفها وخسائرها خلال مناصرتها لقوات الأسد التي أنجزت تدمير سوريا بالبراميل المتفجرة وبنشر الخوف والرعب. وقد قامت تلك القوات بتهجير معظم أبناء الرقة أسوة بنصف سكان سوريا، الذين تم تهجيرهم من بيوتهم في أثناء تصدي النظام و”شبيحته” للمؤامرة المريخية على عرش آل الأسد!

هذه الإعلانات عن “التسويات” ليست إلا محاولة لابتزاز الناس، فـ”التسويات” التي أدارها النظام في المحافظات الأخرى لم تجلب لأبنائها إلا المزيد من الخراب والجوع، ودرعا خير مثال على انتشار الاغتيالات والاعتقالات، وهي مثال واضح على تراجع النظام عن كل بنود “التسويات” ووعودها، رغم أنها كانت بكفالة روسية هناك وبكفالة إيرانية في أماكن أخرى.

في آذار عام 2013، خرجت قوات النظام من مركز مدينة الرقة بعد حوالي سنتين من القصف المدفعي والصاروخي ضد أهالي المدينة وممتلكاتهم، وقد فشلت خطة النظام في وأد ثورة السوريين بدءًا بشعار “دبابة أمام كل بيت”، وصولًا الى شعار “الأسد أو نحرق البلد”، ذلك الشعار الذي يلخص كل خيبات النظام وعدائه للشعب السوري الذي خرج مطالبًا بحريته من عبودية مزرعة الأسد التي سوّرها حافظ الأسد بإحكام طوال 30 عامًا من العنف والاحتقار العلني لإرادة السوريين!

لم يحزن أبناء الرقة على خروج النظام منها، والمعركة الأخيرة التي دارت بين عناصر المخابرات و”جبهة النصرة” لم تكن تعني أبناء الرقة، فلا “جبهة النصرة” ولا “داعش” من بعدها هي حاملة الأمل الجديد الذي يبحث عنه السوريون، ولا عناصر المخابرات، آخر المنسحبين، كانوا ممن خدموا الرقة أو احترموا أهلها، بل إن تاريخهم كان معروفًا للجميع في احتقار الناس، وفي الاعتقال، والتنكيل، والابتزاز، ونشر النفاق من خلال إجبار السكان على الهتاف في المسيرات وفي التجمعات، وتمجيد القيادة “الحكيمة” التي أنتجت أخيرًا كل هذا الخراب!

اليوم أيضًا تأتي “تسويات” النظام في محاولة لإعادة التحالف مع “قوات سوريا الديمقراطية” (قسد) التي يديرها حزب “العمال” الكردي، الذي كان زعيمه عبد الله أوجلان حليفًا لحافظ الأسد، ولا يزال قياديّو الحزب يعلنون تحالفهم الاستراتيجي مع النظام، رغم الخلافات المصطنعة التي يديرونها بينهم من أجل الحصول على المكاسب المتبادلة.

ورغم وجود الطرفين على طرفي نقيض في الحروب السورية، فإن مصالحهما تكاد تكون متطابقة، فحزب “العمال” الذي يعادي الثورة السورية، يتحالف مثل نظام الأسد مع إيران وروسيا، ولا يهم الطرفين إلا استمرار مصالحهما التي تتجاهل إرادة السكان في مناطق سيطرتهما.

استطاعت “قسد” التحالف مع الأمريكيين في الحرب ضد “داعش”، وحصلت في العام 2017 على أجزاء من محافظتي الرقة و دير الزور كجوائز ترضية، وهي ليست معنية بتمثيل السكان بل بتوزيع التهم عليهم، والسيطرة على الموارد الاقتصادية التي تتبادلها مع نظام الأسد علنًا عبر المعابر بينهما على ضفاف “الفرات” وفي حقول البترول، بالإضافة إلى زيارات إلهام أحمد المتكررة لدمشق ولمركز قاعدة الاحتلال الروسي في حميميم، وتتم تلك الزيارات بنصائح أمريكية، وتحت ضغط احتمال الانسحاب الأمريكي من مناطق شرق الفرات بأي لحظة، كما حدث للقوات الأمريكية في العراق وفي أفغانستان!

لن تدافع قوات “قسد” عن السكان في شرق الفرات، ولن تمنع النظام من دخول المدن الفراتية والانتقام من أهلها، لأنها تعمل بمبدأ قوات “الزكرت” المعروف تاريخيًا في منطقة الجزيرة السورية، وهي قوات كانت تستجلبها “المشيخات” البدوية للسيطرة على المنطقة وللتحكم بتابعيها، ويقابلها اليوم مصطلح حديث هو “المرتزقة”.

بعد أن سقطت صورة الأسد في الرقة عام 2013، وبعد أن سقطت صورة “البغدادي” في 2017، ها هي صور عبد الله أوجلان التي تحتل الساحات في الرقة تستعد لإخلاء مكانها لصور قاسم سليماني وتماثيله التي عمّت لبنان وسوريا والعراق، تلك التماثيل المدعومة بفتوى شرعية من قبل ملالي إيران، بأن من يعتدي عليها كأنه يعتدي على منزل الإمام علي!

نفوذ إيران في منطقة الجزيرة السورية صار قاعدة خلفية لقواتها في سوريا ولبنان، وقد أعلن وكيل إيران (حسن نصر الله) أن الجزيرة السورية هي نقطة انطلاق الحرب ضد القوات الأمريكية في المنطقة. وطبعًا هذه النقطة هي مرحلة من مراحل تحرير القدس بعد نقاط متعددة مرّت فيها عملية تحرير القدس الإيرانية، مثل تدمير مدينة القصير، وبصرى الشام، والأحياء الشرقية من مدينة حلب، وغوطة دمشق، وقرى دير الزور والبوكمال، والتي قد تصل إلى الرقة مع هذه “التسويات”.

وهكذا تستمر ميليشيات إيران بتغيير طريقها واتجاهاتها الأخطبوطية قبل الوصول إلى القدس، وربما ستصل إلى هناك بعد أن تدمّر كامل المنطقة العربية!

مقالات متعلقة

مقالات الرأي

المزيد من مقالات الرأي