الكاتبة صباح الحلاق لعنب بلدي: “الـ99″ و”الألف” أظهرا قوة النشاط السياسي ووسائل الإعلام خلال “ربيع دمشق”

  • 2022/01/10
  • 7:30 م
الكاتبة والباحثة السورية المعارضة صباح حلاق- (تعديل عنب بلدي)

الكاتبة والباحثة السورية المعارضة صباح حلاق- (تعديل عنب بلدي)

“لا يمكننا تطبيق ديمقراطية الآخرين على أنفسنا. الديمقراطية الغربية، على سبيل المثال، هي نتاج تاريخ طويل نتجت عنه عادات وتقاليد تُميّز الثقافة الحالية للمجتمعات الغربية. يجب أن تكون لدينا تجربتنا الديمقراطية الخاصة بنا، التي تنبع من تاريخنا وثقافتنا وحضارتنا، والتي هي استجابة لاحتياجات مجتمعنا ومتطلبات واقعنا”.

تلك الكلمات ألقاها رئيس النظام السوري، بشار الأسد، خلال خطاب القسم الرئاسي في تموز عام 2000.

تطرّق الخطاب إلى مشكلات يعاني منها المجتمع السوري، مثل ضعف التنمية، ودور المواطن، والشفافية السياسية والاقتصادية، والديمقراطية، والإصلاح الإداري والتعليم. كانت أغلبية تلك المشكلات الداخلية لسوريا مهمَلة في عهد والده حافظ الأسد لأكثر من عقد، إذ ركّز خلال فترة حكمه منذ السبعينيات حتى وفاته في عام 2000 على السياسية الخارجية لسوريا.

لم يتحدث بشار الأسد عن كيفية تطبيق مبادئ الديمقراطية أو الشفافية على الحكم في سوريا، بدلًا من ذلك، ركّز كعادته في أغلب الخطابات على تحديد دلالات الألفاظ، إذ استخدم الأسد الكلمات الطنانة في السياسة الدولية للقرن الـ21، وركّز بخطابه أكثر على توخي الحذر في تعريفها وسياقها.

شعر حينها المجتمع المدني المعارض في سوريا بأن التغيير ممكن بقدوم بشار الأسد، بعد عقود من حكم الأسد الأب لم يعرفوا خلالها أي ملامح للحياة السياسية، وأن إنشاء الأحزاب والمنظمات الحقوقية والنسائية يمكن أن يسد الفجوة بين الدولة والمجتمع.

بين عامي 2000 و2001، ومن خلال حراك مدني عُرف باسم “ربيع دمشق”، شهدت سوريا ازدهارًا في التعبير والتجمع والعمل السياسي الغائب منذ ستينيات القرن الماضي.

كانت بداية “ربيع دمشق” في نفس عام خطاب الأسد الابن الرئاسي، ففي 27 من أيلول، توافد عدد من المثقفين السوريين من خلفيات فكرية مختلفة، وناشطون من المجتمع المدني، لتقديم بيان تمت صياغته بصفحة واحدة، يتضمن الإصلاحات المطلوبة من قبلهم، سُمي حينها “بيان الـ99″، نسبة إلى عدد الموقّعين عليه.

تبع هذا البيان بيان آخر سُمي بـ”بيان الألف”، وُقّعت عليه مجموعة أكبر من المعارضين السوريين، في 10 من كانون الثاني عام 2001، كان من ضمن أولئك المعارضين الذين شهدوا تلك المرحلة، الكاتبة والباحثة السورية المعارضة صباح الحلاق.

اقرأ أيضًا: “الـ 99″ و”الألف”.. دعوتان للإصلاح أجهضهما الأسد

تعبيد طريق الديمقراطية

قالت الكاتبة والباحثة السورية صباح الحلاق، في حديث إلى عنب بلدي، إنه “خلال الخطاب، وعد بشار الأسد بإجراء إصلاحات جذرية، وكان (بيان الـ99) نتاج تفاؤل من قبل المعارضين بإجراء تغييرات مرتبطة بفكرة الإصلاح في تلك الفترة، والإصلاح مرتبط بالسياسة وركن من أركانها”.

“طالب البيان بإلغاء حالة الطوارئ، ونادى بالاعتراف بالتعدد السياسي وحرية الاجتماع والصحافة والتعبير عن الرأي”، وفق الحلاق، وهو وثيقة مختصرة الصياغة مؤلّفة من صفحة واحدة، نُشر حينها في صحيفة “الحياة” اللندنية وعدة صحف لبنانية أخرى خارج سوريا.

كان “(بيان الـ99) مبادرة من الأستاذ حسان عباس الذي جمع التواقيع في أثناء جلسة عُقدت في منزل السيدة نوال يازجي التي فتحت بيتها لـ(منتدى الحوار الثقافي)، ولكن جُمعت التواقيع بشكل شخصي، ولم ترتبط بمؤسسات أو أحزاب أو كيانات”، وفق ما قالته الكاتبة الحلاق.

“كنت أنا والسيدة نوال اليازجي والأستاذ حسان عباس وديانا جبور وريمون بطرس ضمن اللجنة التنسيقية للمنتدى، ومن هنا جاءت الدعوة للتنسيق من أجل صياغة البيان، وكان هناك زمن محدد لتسليم البيان، ولم يستطع بعض المعارضين التوقيع عليه”، بحسب ما قالته الحلاق.

صور لبشار الأسد على جدران مدينة دمشق عام 2000 (Foreign Policy)

“من فمك أدينك”

لم تكن موجة التفاؤل بإرساء روح الحياة السياسية في سوريا بعد خطاب القسم الرئاسي عام 2000 سذاجة من قبل المعارضين السوريين، لأن تولي السلطة كان بمراسم توريث واضحة، وفق ما تراه الكاتبة المعارضة الحلاق، إنما “الاستفادة قدر الإمكان من مناخ كان حقيقيًا في سنة 2000، فبدأت تتشكّل في المجتمع السوري المدني منتديات وتجمعات ثقافية عملت بشكل علني، ضمن مبدأ (من فمك أدينك)”.

“رد فعل السلطة تجاه البيان مضحك مبكٍ في الحقيقة، حين سلّمنا البيان، جاءنا رد أن بشار الأسد وقت تسلّم البيان قال (لو أنا بقدر وقّع كنا سميناه بيان الـ100)، ولم يكن هناك أي مراجعات أمنية أو اعتقالات بعد نشر هذا البيان”.

أدى “بيان الـ99” إلى فكرة إنشاء جمعية لإحياء التراث المدني والمجتمع المدني، أُصدر بيانها التأسيسي تحت اسم “بيان الألف” نسبة إلى عدد الموقّعين عليه، وانتشرت حينها ظاهرة المنتديات الثقافية في كل مدن سوريا الرئيسة.

كان جمع الناس معًا في مناطق مختلفة في سوريا إنجازًا رئيسًا لمنتديات المناقشة في ذلك الوقت.

تجاهلت وسائل الإعلام المحلية في سوريا الحيوية الثقافية والسياسية في تلك الفترة، بحسب الكاتبة المعارضة السورية صباح الحلاق، على عكس وسائل إعلام إقليمية وعالمية، إذ شملت تغطية قناة “الجزيرة” في تلك الفترة سماح السلطة بإنشاء المنظمات الحقوقية، بالتزامن مع إصدار الأسد مرسومًا يقضي بالعفو عن 600 سجين سياسي ينتمون لتنظيمات حزبية محظورة، فيما اعتبر علامة على تفكير جديد لقي ترحيبًا من المعارضة ومنظمات حقوق الإنسان.

أظهر البيانان مدى قوة البيانات العامة ووسائل الإعلام في تلك الفترة، وفق ما تراه الكاتبة الحلاق، إذ لم يكن الإنترنت موجودًا في سوريا، إلا أن إصدار التصريحات لوسائل الإعلام العربية كان أداة فعالة لنشر موقف المعارضة الداخلية.

في الفترة بين “بيان الـ99″ و”بيان الألف” أُسست أهم المنتديات الثقافية والبيئية والفنية والسياسية، من أبرزها “منتدى الحوار الوطني” الذي أسسه واستضافه في بيته النائب السابق المعارض رياض سيف، الذي أعلن عن تأسيسه لحزب جديد باسم “حركة السلم الاجتماعي”.

عجّل سيف خطوة الإعلان عن الحزب الجديد، لينخفض نشاط المنتديات، بإغلاق “منتدى الحوار الوطني”، بحسب دراسة نشرها معهد “واشنطن لسياسة الشرق الأدنى” في عام 2007، تبحث بمكتسبات وخسائر المعارضة الداخلية التي كانت شاركت بانتقاد حكم حزب “البعث” في تلك الفترة.

بعد إغلاق “منتدى الحوار الوطني”، تلته بقية المنتديات الثقافية في جميع سوريا، عدا “منتدى جمال الأتاسي”، الذي استمر حتى عام 2005.

كان المشترك بين المطالب التي حملها “بيان الـ99″ و”بيان الألف” دعوة أساسية لديمقراطية تشاركية ودور لاتخاذ الناس قرارهم بإرادتهم الحرة.

هاجم “بيان الألف” على نطاق واسع النظام السوري، الذي تركّز السلطة في نخبة عسكرية طائفية ضيقة، ووزّع نفوذ القوة فقط على حلفائه المقربين والجديرين بثقته، بينما تحدث “بيان الـ99” بشكل عام، قدم “بيان الألف” نفسه كمخطط للإصلاح السياسي في سوريا.

طالب “بيان الألف” باحترام الحريات السياسية الشاملة، وحماية حرية الصحافة والتعبير عن الرأي، وإنشاء قضاء مستقل لا يتبع سياسة الحزب الحاكم، وأن يكون القانون حكمًا بين الجميع، وتشريع قانون ديمقراطي للانتخابات البرلمانية والرئاسية، وإعادة تقييم الأحزاب الموالية للسلطة في البرلمان السوري، وإعادة إنتاج سياسة أكثر فعالية في المجتمع، واحترام وحماية الحقوق الاقتصادية لجميع المواطنين، وإنهاء التمييز ضد المرأة.

هل أخطأت المعارضة؟

سارعت السلطة إلى ترسيخ فكرة أن تغيير رأس النظام لا يعني تغيير النظام واستراتيجية تعامله مع المجتمع السوري.

اتجهت السلطة إلى إغلاق منتديات المجتمع المدني واعتقال أبرز أعضائها، واتخذت إجراءات عدة اتسمت بكمّ الأفواه وشلّ المؤسسات في المجتمع، فخضعت جميع نشاطات المجتمع، خصوصًا نشاط المنظمات المدنية غير الحكومية، للرقابة المباشرة والدائمة، ومنعتها التشريعات والأنظمة الإدارية من المشاركة في أي نشاط يأخذ صبغة دينية أو سياسية.

“يعتقد بعض المثقفين السوريين أن حركة المجتمع المدني أخطأت، عندما خلطت بين مهامها كحركة مدنية، وبين مهام سياسة كان على السياسيين والأحزاب السياسية الاضطلاع بها، وأنه كان من واجبها الانتباه أكثر إلى دورها كأداة مجتمعية مهمتها التركيز على قضايا الثقافة والفكر والتنمية والتدريب والتأهيل والتعبئة وترويج مبادئ الديمقراطية وحقوق الإنسان”، بحسب كتاب “أصوات سورية من زمن ما قبل الثورة”، الذي ألّفته مجموعة من المعارضين السوريين الذين عاصروا فترة “ربيع دمشق”.

وتعتقد وجهة النظر هذه أن حظ المجتمع المدني بالنمو والبقاء كان أكبر بكثير، لو أنه “لم يحمل مهام الأحزاب السياسية، ولم يطرح برامج سياسية”.

في عام 2005، جاء “إعلان دمشق” بوصفه تحالفًا سياسيًا لينشر ظاهرة البيانات السياسية والاعتصامات، ويكون مدخلًا أساسيًا في مشروع التغيير والإصلاح السياسي من أجل “تغيير ديمقراطي سلمي في البلاد”.

تجاوزت المعارضة السورية الخط الأحمر الذي وضعته السلطة، بإصدار “بيان دمشق” الموقّع من قبل الأفراد والأحزاب المحظورة، في أيار عام 2006، حيث انتقد البيان سياسة النظام السوري في لبنان، وطالب احترام سيادة واستقلال كل من سوريا ولبنان، وترسيم حدود واضحة بين البلدين، وإقامة أنظمة قائمة على الديمقراطية في كلا البلدين، وإدانة الاغتيال السياسي ودعم التحقيق في مقتل رئيس الوزراء اللبناني الأسبق، رفيق الحريري.

بعد ذلك البيان بفترة قصيرة، انتشرت في سوريا حملة اعتقالات واسعة شنّتها السلطة، بالتزامن مع نقص عدد الجمعيات والمنظمات غير الحكومية بسبب عوائق سياسية وأمنية وقانونية.

مقالات متعلقة

لقاءات

المزيد من لقاءات