عنب بلدي – حسن إبراهيم
أعادت قضية التحقيق بانتهاكات “فرقة السلطان سليمان شاه” (العمشات) بقيادة محمد الجاسم (أبو عمشة)، الحديث بين السوريين والفصائل المعارضة عن مدى تحقيق العدالة، ومحاسبة مرتكبي الانتهاكات، بغض النظر عن مكانتهم العسكرية، وسط تساؤلات عديدة عن الجهة المخوّلة بمحاسبة الفصائل.
وتعددت اللجان التي تعمل تحت مظلة “الجيش الوطني السوري” المدعوم من تركيا، والموكل إليها محاسبة الانتهاكات بشكل عام، وملاحقة المطلوبين، والعمل على معالجة شكاوى المواطنين.
لجان محاسبة عديدة تحت مظلة واحدة
ظهرت لجان بمسميات عديدة هدفها المحاسبة، أبرزها “لجنة رد المظالم والحقوق”، وغرفة القيادة الموحدة ”عزم”، وحركة “ثائرون”، لكن هذه التشكيلات جميعها لا تحقق في عملية الانتهاكات الموجهة ضد “أبو عمشة” وعناصر من فصيله.
ووُجهت العديد من الاتهامات إلى “أبو عمشة” وعناصر من فرقته في منطقة الشيخ حديد بعفرين، تتعلق بجمع إتاوات وزيت الزيتون من المزارعين باسم “أبو عمشة”، ومقاسمة الناس محاصيلهم والاستيلاء على الأراضي، وانتهاكات متعددة للحقوق من قضايا اغتصاب واتهامات باطلة لأشخاص، لدفع مبالغ مقابل الحصول على البراءة.
وسط كثرة لجان المحاسبة، أُنشئت لجنة جديدة للتحقيق في هذه القضية، وأخذ الإفادات، وكلام الشهود، لمحاسبة المسؤولين عن الانتهاكات، فلمَن تتبع هذه اللجنة؟
لجنة “رد المظالم والحقوق” لا تنظر في قضية “أبو عمشة”
برز اسم لجنة “رد المظالم والحقوق”، التي تُسمى أيضًا بـ”اللجنة المشتركة لرد الحقوق في مدينة عفرين وريفها”، كجهة تهدف لإعادة الحقوق التي سلبتها عدة فصائل عسكرية، وإيجاد حلول مناسبة للمشكلات، وهذه اللجنة أنشئت في أيلول 2020.
الناطق الرسمي باسم “اللجنة المشتركة لرد الحقوق”، وسام القسوم، في حديث إلى عنب بلدي، قال إن اللجنة لا تنظر بما يتعلق بقضايا انتهاكات “فرقة السلطان سليمان شاه” المثارة حاليًا، بسبب الاتفاق الذي أجرته غرفة القيادة الموحدة “عزم” على تشكيل لجنة ثلاثية، فلجنة “رد المظالم والحقوق” تتابع وتنتظر قرارات اللجنة المستحدثة، ولا يوجد أي تضارب معها.
وأوضح القسوم أن لجنة “رد الحقوق والمظالم” تنظر في الدعاوى المتعلقة بأي تجاوزات قد تحصل من منتسبي “الجيش الوطني”، وفق ضوابط وشروط حددها النظام الداخلي للجنة بالتعاون مع المؤسسات الثورية.
وتعمل اللجنة، بحسب القسوم، على “نصرة المظلوم بغض النظر عن دينه أو عرقه أو لونه أو جنسه أو لغته، استنادًا إلى تعاليم ديننا الحنيف ومبادئ الثورة السورية”.
وفي كانون الأول 2021، أنهت لجنة “رد المظالم والحقوق” سلسلة من الجولات في ناحية الشيخ حديد، لحل الشكاوى المتعلقة بموسم الزيتون، بالتعاون مع “فرقة السلطان سليمان شاه”.
وشملت هذه الجولات زيارات للمجلس المحلي ومعاصر الزيتون، والاستماع إلى الأهالي وحل القضايا العالقة، ويتركز عمل اللجنة حاليًا في مدينة عفرين والنواحي التابعة لها.
وتتكوّن اللجنة من عدة فصائل عسكرية تابعة لـ”الجيش الوطني”، هي: “السلطان مراد”، “الجبهة الشامية”، “جيش الإسلام”، “فرقة الحمزة”، “أحرار الشرقية”، “جيش الشرقية”، وينتدب كل فصيل إلى اللجنة محامين وإداريين وقادة عسكريين، لمتابعة القضايا التي تُرفع لها.
“عزم” بعيدة عن قضية “أبو عمشة”
شُكّلت غرفة القيادة الموحدة “عزم”، منتصف تموز 2021، من قبل عدد من فصائل “الجيش الوطني”، كان أبرزها “الجبهة الشامية” و”فرقة الحمزة” و”جيش الإسلام” و”فرقة السلطان مراد” و”لواء السلطان سليمان شاه”.
المتحدث الرسمي باسم “الجيش الوطني” وغرفة العمليات “عزم”، الرائد يوسف حمود، أكّد، في حديث إلى عنب بلدي، عدم وجود جهة توكل مهام للغرفة، وإنما تجري أعمال “عزم” بالتنسيق مع مؤسسات “الجيش الوطني” وتدعم قراراته.
تداولت العديد من صفحات ومواقع التواصل الاجتماعي أنباء عن توتر العلاقات بين “فرقة السلطان سليمان شاه”، و”عزم”، وفتح الأخيرة ملف انتهاكات ودعاوى بحق فصيل “العمشات” وتجاوزاته بحق المدنيين في منطقة الشيخ حديد بريف عفرين.
الرائد يوسف حمود أوضح أن “عزم” تدخّلت في قضية انتهاكات “العمشات”، وتوصلت إلى حل بتشكيل لجنة مقبولة للجميع تحقق بحالة خاصة.
ورأت “عزم” أن تشكيل لجنة خاصة هو الحل المناسب لمنع الاقتتال والتحريض والتجييش في المنطقة، ولأن “فرقة السلطان سليمان شاه” هي أحد مكونات غرفة “عزم”.
آلية عمل “عزم”
وأوضح حمود أن غرفة القيادة هي فكرة نشأت بين تجمعات التشكيلات العسكرية، غايتها إدارة الجهود العسكرية والأمنية، وتوجيهها بشكل أفضل لتوحيد الفصائل.
يتمثّل عمل “عزم” من خلال المكاتب الخمسة التي أنشأتها، وهي المكتب الإعلامي، والعسكري، والحقوقي، والأمني، ومكتب العلاقات العامة.
وأعطت غرفة القيادة الموحدة الصلاحيات للمكاتب بالعمل مع توجيهها لآلية عمل منضبطة، واستخدام جهودها لتحقيق حالة الاستقرار العسكري في المنطقة، التي تتبعها حالة الاستقرار المدني، بحسب المتحدث الرسمي.
وتهدف “عزم” للتنسيق الأمني والعسكري على مستوى عالٍ بين الفصائل، لاستهداف الشبكات والخلايا التي تهدد أمن المجتمع، وتنفيذ حملات أمنية لملاحقة تجار المخدرات والخلايا الإرهابية والمطلوبين أمنيًا، في مناطق سيطرة “الجيش الوطني”.
“ثائرون” لا تحقق في انتهاكات “العمشات” أيضًا
نشأت ضمن غرفة “عزم” بعض الاندماجات والتشكيلات العسكرية، وأبرزها حركة “ثائرون”، وهي حالة اندماج كامل تلغى فيها مسميات الفصائل المشكّلة لها، وسيتم العمل بنظام قيادة مركزي موحد لجميع الفصائل المندمجة.
وشملت الحركة اندماج كل من “فرقة السلطان مراد”، و”فيلق الشام” (قطاع الشمال)، و”الفرقة الأولى” بمكوّناتها (لواء الشمال، الفرقة التاسعة، اللواء 112)، و”فرقة المنتصر بالله”، و”كتائب ثوار الشام”.
تعمل الحركة وفق نظام داخلي وُضع خلال سلسلة من الاجتماعات، يضبط الهيكلية العسكرية والحالة التنظيمية لمكوّنات الحركة.
والمهام الملقاة على “عزم” و”ثائرون” هي نفسها، والتوجه نفسه في دعم المكاتب الخمسة المشكّلة للمزيد من العمل المنضبط، وهي لا تحقق في قضية انتهاكات “العمشات”.
لجنة جديدة تحاسب “العمشات”
المفتي المنتخب من قبل “المجلس الإسلامي السوري”، الشيخ أسامة الرفاعي، تحدث في تسجيل صوتي تناقلته مواقع وصفحات في وسائل التواصل الاجتماعي، واطلعت عليه عنب بلدي، عن تشكيل لجنة للتحقيق في الانتهاكات.
وجرى الحديث عن أن اللجنة أشرف على تشكيلها كل من قائد حركة “ثائرون”، فهيم عيسى، وقائد “الفيلق الثالث” في “الجيش الوطني”، “أبو أحمد نور”، وقائد “السلطان مراد”، “أبو عمشة”.
وتواصلت عنب بلدي مع “المجلس الإسلامي السوري”، الذي أكد عدم إحالة أي أوراق إلى المفتي بخصوص القضية، وتحفظ عن الإجابة أو التعليق على أي سؤال، أو حتى موقف المفتي منها، حتى تتضح الأمور أكثر.
الناطق الرسمي باسم “اللجنة المشتركة لرد الحقوق”، وسام القسوم، أوضح أن اللجنة المشكّلة للنظر في القضايا المتعلقة بمنطقة الشيخ حديد الواقعة تحت سيطرة “العمشات”، “لجنة ثلاثية حيادية” وتضم الشيخ عبد العليم عبد الله، والشيخ أحمد علوان، والشيخ موفق العمر، وهم أعضاء في “المجلس الإسلامي السوري”.
وأكد القسوم أن اللجنة لم تصدر قرارها حتى كتابة هذا التقرير، وتتابع الاستماع إلى جميع الأطراف.
فوضى اللجان سببها غياب المرجعية القانونية
كثرة اللجان وتعددها تعكس عدة أمور، بحسب الباحث السوري المتخصص في الحركات الدينية الدكتور عبد الرحمن الحاج، وهي كثرة الانتهاكات في المنطقة، وعدم وجود جهة مركزية مرجعية، ووجود حالة من الفوضى القضائية.
ويرى الدكتور الحاج، أن الفصائل ترغب بالتدخل في القضاء لضمان عدم محاسبتها، أو لضبط الحد الذي يمكن أن تصل إليه هذه اللجان بحيث لا تهدد الفصائل ذاتها، ومعظم اللجان تكون مدعومة أو تابعة لفصيل أو أكثر.
اللجان المستقلة تهدد الكثير من الفصائل العسكرية لأنها تخضعها للمحاسبة، والمؤسف أن الانتهاكات منتشرة، ما يعني تضرر العديد من الفصائل من استقلاليتها، وفي بعض الأحيان يتم تشكيل لجنة تدعمها مجموعة من الفصائل ذات وظيفة محددة عندما تتجاوز الأمور الحد، مثل لجنة “رد المظالم والحقوق”، وفق الدكتور عبد الرحمن الحاج.
ورغم وجود لجنة “رد المظالم والحقوق” في قضية انتهاكات “أبو عمشة” وفصيله، لم تنظر اللجنة أو تحقق فيها، بسبب الاتفاق الذي أجرته غرفة القيادة الموحدة “عزم”، التي تضم فصيل “العمشات”، والذي نص على تشكيل لجنة ثلاثية للمحاسبة، بحسب الناطق الرسمي باسم “رد المظالم والحقوق”.
ويرى الباحث الحاج أن أزمة الملف القضائي هي المسبب الرئيس للانتهاكات والفوضى، والمشكلة الرئيسة تكمن بالمرجعية القانونية، وعلى أي قانون أو شريعة أو فقه تعتمد اللجان، ومَن يمثّل السلطة القضائية العليا فيها.
انتهاكات مستمرة
رغم وجود عدة لجان للمحاسبة والتحقيق في الانتهاكات، ورغم الإجراءات التي تتخذها في تحقيق وإرساء العدل، تستمر الانتهاكات منذ سيطرة فصائل “الجيش الوطني” على عفرين في آذار 2018، بعد تقدمها على حساب “وحدات حماية الشعب” (الكردية) بدعم تركي.
ووثّقت منظمات حقوقية محلية ودولية العديد من الانتهاكات التي نفذتها الفصائل بحق المدنيين من أهالي المنطقة.
منظمة “سوريون من أجل الحقيقة والعدالة” وثّقت، في تقرير لها، ممارسات تضييق اقتصادي وترهيب تتبعها الفصائل العسكرية التابعة لـ”الجيش الوطني” بحق الأهالي في عفرين، تمثّلت بتحكّمها بمفاصل الحياة الاقتصادية من خلال سيطرتها على الحواجز مع المناطق الأخرى، والمعابر الحدودية مع تركيا، إلى جانب فرضها ضرائب وإتاوات على المنازل والأراضي والمحاصيل الزراعية والمحال التجارية، ومصادرة منازل مدنيين من الكرد بعد طردهم منها.
كما أشارت “لجنة التحقيق الدولية المستقلة حول سوريا”، في تقرير لها في آذار 2020، إلى أنه عندما اشتكى بعض المدنيين إلى ضباط كبار في “الجيش الوطني” لاستعادة ممتلكاتهم قوبلوا بالتهديد والعنف، وأدى حجم مصادرة الممتلكات إلى إنشاء آلية للتظلم داخل هياكل “الجيش الوطني”، غير أن الأهالي أشاروا إلى عدم فاعليتها بشكل كبير.
ورصدت عنب بلدي في الأشهر الماضية عدة تسجيلات مصوّرة لأشخاص تحدثوا من خلالها عن حوادث متفرقة من الانتهاكات بحقهم، تتعلق بالإتاوات، وعمليات الابتزاز والخطف، وبيع السلاح، والاتّجار بالمخدرات، والاستيلاء على الأراضي.
وشُكّل “الجيش الوطني السوري” أواخر تشرين الأول 2017، بمبادرة ودعم تركيين، ويتبع لوزارة الدفاع في “الحكومة السورية المؤقتة” التابعة لـ”الائتلاف الوطني لقوى الثورة والمعارضة”.