بعد وصولي إلى ألمانيا حصلت على الطلاق..
العنف الأسري في سوريا محميّ بقصور التشريع
عنب بلدي – صالح ملص
“في 2010 تزوجت بطريقة خطبة الأهل، يعني زواج عادي مثل أغلب الناس، لم أكن أعرفه (طليقها) جيدًا ولم يكن يعرفني بالمقابل، في فترة الخطبة جلسنا مرتين فقط بوجود والدي كي نتعرف إلى بعضنا، بعدها، الفترة الأولى من زواجي كانت جيدة، إلا أن علاقتي به ساءت بعد ذلك”.
تسرد “فاطمة” (33 عامًا) تجربة التعنيف الأسري الذي تعرضت له من قبل طليقها في مدينة ريف دمشق، خلال زواجها منه الذي استمر ست سنوات.
خلال حديث السيدة الثلاثينية مع عنب بلدي، طلبت استخدام اسم “فاطمة” كاسم مستعار، وذلك للحفاظ على سلامتها ضمن محيطها الاجتماعي، الذي تقول إنه “يرفض الاعتراف بوجود مشكلة ضد النساء خلال تعنيفهن من قبل أزواجهن”، واعتبرت أن الأغلبية في محيطها الاجتماعي يعتبرون أن المطالبة بحقوق المرأة ضد التعنيف مسألة غير مبررة، “لأن ضرب الزوج لزوجته هو تأديب لها بحسب الثقافة الشعبية”، حسب “فاطمة”.
خلال زواجها، تعرضت “فاطمة” للضرب واللكم من قبل زوجها، وهو صاحب محل ملابس في ريف دمشق، “من دون أسباب مقنعة تصل إلى تبرير الضرب”، بحسب قولها.
في حالات كثيرة يضرب رجل زوجته داخل البيت أو خارجه، في مدينة أو بلدة، بيده أو بسلاح أبيض، ودون أن تردعه قوانين تنتهج عقوبات مشددة لضمان عدم تكرار ذلك، ومن دون أي محاسبة قضائية، يستمر هذا الرجل بحياته مستخدمًا العنف ذاته مع أي امرأة قد يتعامل معها، ومع تكرار المشهد في سوريا، تتوفر بيئة خصبة للعنف الأسري، وربما تشكّل ظاهرة داخل المجتمع.
في بداية كانون الثاني الحالي، تداول مستخدمو مواقع التواصل الاجتماعي من السوريين خبر جريمة مقتل الشابة آيات الرفاعي في دمشق، التي قُتلت في ليلة رأس السنة، بعد تعرضها لضرب مبرح على يد زوجها ووالدته ووالده، لتتحول هذه القصة إلى قضية رأي عام أعادت معها الأصوات المطالبة بتشريع قوانين تعالج بشكل خاص مشكلة التعنيف الأسري ضد النساء في سوريا.
إنجاب طفلة مع تفاقم المشكلة
حين تزوجت “فاطمة”، كانت تبلغ من العمر 21 عامًا، وتدرس بمعهد طبي في دمشق، “كنت أناقشه (طليقها) بمسألة ضربي المتكرر، فيقول (ضغط العمل وألف مشكلة تدور في رأسي يجب أن تتحمليني عندما أقوم بذلك، اعتبريها فشة خلق، شو صار يعني؟)، وبالتالي لم أكن أرى سببًا واضحًا لضربي مثل أن أكون مذنبة بشيء معيّن، أو مقصرة بواجباتي تجاه المنزل”.
بعد أن أنجبت “فاطمة” طفلتها في بداية عام 2012، حاولت أن تعطي لزواجها فرصة للاستمرار، إلا أن عدة أحداث مصبوغة بالوضع السوري العام غيّرت مسار حياتها إلى اتجاهات لم تكن تتوقعها.
“قررت في نفسي إذا لم ينصلح حال هذا الرجل بعد إنجاب طفلتنا، فسأطلب الطلاق منه، ولم أُدخل عائلتي كثيرًا في المشكلة، رغبة مني بحلها بيني وبين والد الطفلة”.
العوامل المؤدية إلى التعنيف الأسري كثيرة، إلا أن جميعها يتطلّب العلاج الفوري من أجل عدم تفاقم المشكلة التي غالبًا ما تؤثر سلبًا على حياة الزوجة، في ظل وجود نقص بالمعالجة التشريعية الجنائية في القوانين السورية لحماية المرأة من العنف الأسري داخل نطاق الأسرة.
“كنت أتفهّم وجود ضغط في عمل طليقي، بسبب تعطل تجارته بعد بداية الأحداث في سوريا، إلا أنني وصلت إلى مرحلة لم أعد أتحمل ألم الضربات على جسمي ووجهي، وبدأت بإجراءات الطلاق بتوكيل محامية، لكن خلال هذه الفترة قُصف بيتنا عام 2013، وانكسر ظهر طليقي كثيرًا، ولم أرغب بتركه على هذه الحال، فأوقفت تلك الإجراءات”، وفق ما قالته “فاطمة” المقيمة حاليًا في ألمانيا.
تابعت “فاطمة”، “بعد قصف منزلنا، نزحنا إلى بيت أهلي بالشام بمنطقة الديوانية، خلال هذه الفترة لم يكن طليقي يمد يده عليَّ أبدًا، كان يقضي أغلب وقته خارج البيت في العمل ليعوَّض خسارة البيت”.
ظاهرة مركّبة يضبطها القانون
الركل، واللكم، والصفع، المؤدي إلى الإيذاء الجسدي والنفسي، هو من الدلالات الشائعة على سوء المعاملة في العلاقة الزوجية، وغياب التوافق الزوجي، بحسب تقرير لـ”هيئة الأمم المتحدة للمرأة“.
كما تعد الظروف الاقتصادية السيئة للمجتمع سببًا لوقوع العنف الأسري، كما يرتبط العنف بالإطار الثقافي والتاريخي الموروث، وتعد أسس التربية العنيفة التي نشأ عليها الفرد هي التي تولّد لديه العنف، وينتج العنف عن حالة إحباط مصحوبة بعلامات توتر، وانفعالات الغضب، والهياج، والمعاداة.
ومع وجود هذه التعقيدات النفسية التي يعاني منها المجتمع، فسوريا بحاجة إلى قانون خاص بالعنف الأسري يقنن ويمنع العنف القائم على النوع، ويعاقب من يستخدم العنف، وفق ما قالته المحامية والباحثة السورية سحر حويجة في حديث إلى عنب بلدي.
والعنف الأسري ظاهرة مركّبة لها جوانبها السياسية والاقتصادية والاجتماعية والنفسية، وهو ظاهرة عامة تعرفها كل المجتمعات بدرجات متفاوتة، يضبط القانون وحده تفاقم هذه الظاهرة، كونها استخدامًا غير شرعي للقوة أو التهديد باستخدامها لإلحاق الأذى والضرر بالطرف الآخر في العلاقة.
يفتقر المجتمع السوري إلى قوانين حماية من العنف الأسري، بل يوجد كثير من القوانين التي تشجع على العنف وتسهّل ارتكابه، وفق حويجة، “مثل قانون تزويج القاصرات، وواجب الطاعة المفروض على المرأة، وضرورة الإذن والموافقة على عملها أو سفرها، والتدخل بحياتها الخاصة”.
“غياب القانون العادل يؤثر على العدالة”، وفق ما تراه المحامية، “هناك كثير من الثغرات القانونية يستفيد منها القاتل، وتعطي حق الدفاع للقاتل، مثال المادة المتعلقة بالدافع الشريف للقتل الذي يتم تحت تأثير فكرة مقدسة”.
وتنص المادة رقم “192” من قانون العقوبات السوري على الآتي:
“إذا تبيّن للقاضي أن الدافع كان شريفًا قضى بالعقوبات التالية:
الاعتقال المؤبد أو 15 سنة بدلًا من الأشغال الشاقة المؤبدة، والاعتقال المؤقت بدلًا من الأشغال الشاقة المؤقتة، والحبس البسيط بدلًا من الحبس مع التشغيل، وللقاضي أن يعفي المحكوم عليه من العقوبة”.
وبذلك يكون للقاضي تخفيف عقوبة الجرم المنصوص في “جرائم الشرف” وفقًا لنص المادة “192” بعقوبة سنتين كحد أدنى.
وجزء كبير من التعنيف الأسري ضد المرأة يكون تحت اسم “الشرف”، بحسب المحامية، ويوصف العنف هنا على أنه آلية من الآليات الاجتماعية الأساسية التي تُستبقى بواسطتها النساء في وضعية خضوع للرجال.
وتتعرض النساء أكثر من الرجال لخطر العنف القائم على النوع، إذ إن العنف الأسري يطال النساء بكيفية ومزاجية غير مبررة من قبل الرجال، تكون أعلى من تعرّض الرجال لهذا النوع من العنف من قبل النساء.
وفي ظل غياب القوانين السورية الخاصة بالحماية من العنف الأسري، يعد العنف الأسري بوصفه فعلًا مفضيًا إلى موت وفق المادة رقم “188” من قانون العقوبات السوري، التي تنص على أنه “تعد الجريمة مقصودة وإن تجاوزت النتيجة الجرمية الناشئة عن الفعل أو عدم الفعل قصد الفاعل إذا كان قد توقع حصولها فقبل بالمخاطرة”.
كما تنص المادة رقم “534” من نفس القانون، على أن “يعاقَب بالأشغال الشاقة المؤبدة على القتل قصدًا في حالة إقدام المجرم على أعمال التعذيب أو الشراسة نحو الأشخاص”.
وتنص المادة رقم “535” على أنه “يعاقَب بالإعدام على القتل قصدًا إذا ارتكب تمهيدًا أو تنفيذًا لها أو تسهيلًا لفرار المحرضين على تلك الجنحة أو فاعليها أو المتدخلين فيها أو للحيلولة بينهم وبين العقاب”.
تعرّف الأمم المتحدة العنف الممارس ضد المرأة بأنه “أي فعل عنيف تدفع إليه عصبية الجنس ويترتب عليه، أو يرجّح أن يترتب عليه، أذى أو معاناة للمرأة، سواء من الناحية الجسمانية أو الجنسية أو النفسية، بما في ذلك التهديد بأفعال من هذا القبيل، أو القسر أو الحرمان التعسفي من الحرية، سواء حدث ذلك في الحياة العامة أو الخاصة”. |
لا وجود لأدوات للمعالجة
أقامت السيدة الثلاثينية مع طليقها مدة عامين في بيت أهلها بدمشق، وفي عام 2015 لجأت “فاطمة” وطليقها إلى لبنان من أجل البحث عن وسيلة يبحرون بها عبر قوارب اللجوء إلى أوروبا.
وصلت “فاطمة” إلى لبنان في حزيران عام 2015، “أقمنا بها بشكل مؤقت إلى حين تدبير طليقي اتفاقًا مع مهرّب يؤمّن لنا طريقًا إلى أوروبا عن طريق البحر، خلال هذه الفترة رجع إلى عادته القديمة بضربي ليلًا بعد عودته إلى البيت”، كما قالت.
تعتقد “فاطمة” أن ضربها من قبل زوجها كان مجرد تنفيس عن هموم معقدة ومتشابكة كان يعيشها في تلك الفترة، لكن “الحياة دائمًا فيها هموم بمختلف المستويات، وإذا كانت الطريقة الوحيدة لتفريغ هذه المشاعر هي الضرب، فالعيش مع مثل هذا الرجل سيكون أمرًا صعبًا، لذلك قررت الانفصال عنه فور وصولنا إلى بلد أوروبي نستقر فيه”.
لا يعتبر وجود العنف الأسري مرتبطًا بالوعي الجمعي للاعتراف بالمشكلة فقط، وإنما هناك مشكلة أعقد من ذلك، وهي غياب الأدوات لمعالجة هذه الظاهرة، وفق ما تراه المحامية والباحثة سحر حويجة.
ويؤدي قطاع الصحة دورًا مهمًا في تزويد المرأة المعرضة للعنف بالرعاية الصحية الشاملة عبر مراكز الرعاية الطبية، بوصفه مدخلًا لإحالتها إلى خدمات دعم أخرى قد تلزمها.
سوريا بحاجة إلى اهتمام إداري وقانوني بإنشاء أماكن لاستقبال النساء المعنفات، وفق ما أوصت به حويجة، وتقديم الحماية لهن، بالإضافة إلى تقديم الدعم النفسي والمعنوي والقانوي والمادي لهن.
في بداية عام 2016، وصلت “فاطمة” مع طليقها وطفلتها إلى ألمانيا، حيث أُتيحت لها الظروف المناسبة من أجل تقديم شكوى ضد زوجها للانفصال عنه، مع وجود إثبات طبي بوجود كدمات على الوجه وأجزاء من الجسم، نتيجة الضرب المتكرر من قبل طليقها.
رغم وجود جهات رعاية لحماية النساء المعنفات من اللاجئات السوريات في ألمانيا، بالإضافة إلى القوانين الأسرية الخاصة بمعالجة هذه المشكلة، فإن “هناك نسبة كبيرة من السوريات يخفن الشكوى ضد أزواجهن، وفوق هذا كله، يلمنني البعض منهن على اتخاذي هذا القرار، بحجة أن الطفلة تحتاج إلى أب لتربيتها تربية جيدة، فأنا أسكن اليوم ضمن محيط مجتمعي من اللاجئين السوريين الذين لا يجتهدون بمعالجة هذه المشكلة حتى الآن”.
تعيش “فاطمة” حاليًا في مدينة دسلدورف الألمانية مع طفلتها البالغة من العمر عشر سنوات، تعمل في شركة تنظيف منزلي ألمانية بشكل قانوني.
اذا كنت تعتقد/تعتقدين أن المقال يحوي معلومات خاطئة أو لديك تفاصيل إضافية أرسل/أرسلي تصحيحًا
إذا كنت تعتقد/تعتقدين أن المقال ينتهك أيًا من المبادئ الأخلاقية أو المعايير المهنية قدم/قدمي شكوى
-
تابعنا على :