نبيل محمد
يحاول المنجمون قدر ما استطاعوا إثارة الضباب والغبار حول الحقيقة التي يقصدونها، كي لا يظهر أن هناك حقيقة واضحة أصلًا، وكي يتم فهم الجملة التي يقولونها بأكثر من معنى، بحيث يزداد احتمال حدوث شيء مما يتوقعونه في المستقبل، فيقول ميشيل حايك، وهو أحد أقدم المنجّمين على الشاشات اللبنانية، في توقعاته للبنان في 2022، إن “زمن حرق الدواليب سيعود من جديد”، وكأن هذا الزمن انتهى أصلًا، أو كأن حرق الدواليب حالة استثنائية تستدعي حدثًا جللًا، وعلّ من يعرف لبنان يعرف أن خلافًا على مائدة غداء قد يؤدي إلى حرق دواليب في الحي.
ذلك الأسلوب بما فيه من لعب بالكلام، وتجارة بتطلعات الناس نحو المستقبل خاصة على مشارف السنة الجديدة، فيه أيضًا شكل من اللغة يصعب أن تصادفه في مكان آخر، شاعرية سياسية تصل إلى مستوى كوميدي حقيقي أحيانًا، كأن تقول ليلى عبد اللطيف في توقعاتها لسنة 2022، “أرى دمعة على خد سيف الإسلام القذافي”، ولا يخفى على أي متابع للشأن الليبي أنه قد تم قبول ترشيح القذافي الابن للانتخابات الليبية، بالتالي لا بد أنه سوف يحزن في حال خسارته، وقد يبكي فرحًا إن فاز، وفي الحالتين ستجري الدمعة التي توقعتها عبد اللطيف، تلك التي طلبت من صباح فخري في العام الماضي خلال توقعاتها لـ2021 أن “يدير باله على صحته”، فتوفي فخري المطرب الهرِم المريض، فجاءت الوفاة لتحقق نبوءة المنجّمة، وفق قناة “الجديد” اللبنانية التي قدمت عبد اللطيف كما لم تقدّم زرقاء اليمامة.
من المصادفات ربما أن أشهر المنجّمين في المشرق العربي هم لبنانيون، وأنهم متقاربون في انتماءاتهم السياسية نسبيًا، بعضهم تظهر تنبؤاته أقرب إلى بيان سياسي، تساعدهم في ذلك اللغة الشعرية التي يستخدمونها، فمايك فغالي الذي ظهر في توقعاته لـ2022 عبر قناته على “يوتيوب”، في حلّة مختلفة كما اعتاد في كل عام، حاملًا عصا نُقِشت عليها رموز من حضارات قديمة يخطئ في نطق أسماء بعضها، ثم يبدأ بتوقعات تنطلق كأنها نشرة أخبار سياسية تذيعها محطة رسمية كلاسيكية أقرب إلى أن تكون سورية، فنسمع “مواجهات عسكرية في إدلب”، “العرب يهرولون زاحفين باتجاه سوريا”، “تغيير في أنظمة دول”، “ازدهار ستشهده سوريا”، “الأسد سيسامح السياسيين في الخليج ولبنان”، كل ذلك يأتي مشرَّبًا بلغة شعرية وتعليقات رمزية تضفي الضباب والجو اللاهوتي على المشهد، كأن يقول “مش عطول الشتي بكون مَيْ”.
ازدهار سوريا جاء على لسان ليلى عبد اللطيف أيضًا، التي بدأت توقعاتها لسوريا حرفيًا بـ”سوف تمتلئ شوارعها بالجماهير والحشود من جميع الفئات والأعمار تضامنًا مع حدث إيجابي كبير للرئيس الأسد، وسنرى تأييدًا جماهيريًا لكل قرارات الرئيس الأسد. الرئيس السوري بشار الأسد سيبقى رمزًا لسوريا في كل الأزمات والحلول، والجيش السوري أراه يستعيد كامل الأراضي السورية من يد المسلحين، وهروب جماعي لأفراد التنظيمات المتطرفة…”. فإذا كان هذا ما تتوقعه ليلى عبد اللطيف ماذا يمكن أن تتوقع بثينة شعبان مثلًا.
لمنجّمي لبنان شعبية قديمة في سوريا، على الأقل في السنوات التي كانت فيها التلفزيونات اللبنانية هي أقصى ما يمكن أن يراه المواطن السوري من حرية وانفتاح في “الميديا”، حينها كانت سهرات رأس السنة التي يتم إحياؤها في “LBC” أو “MTV” هي ما يحرّك الركود في سهرات السوريين، عندها كان للتوقّعات وقع مختلف خاصة عندما تبث تلك التلفزيونات ما تحقق من توقعات المنجّمين في السنة السابقة، مغيبة كليًا التوقعات التي لم تتحقق، مضفية جوًّا من الجديّة على ما يقوله المنجّمون، مدعومًا بالموسيقى والإضاءة، ثم مطلقة لهم العنان باللعب بآمال الجموع التي لا بد أن كل ذلك لم يعد ينطلي عليها حاليًا. كيف يمكن أن ينطلي أصلًا؟ عندما تجد منجّمًا شهيرًا يبشّر بازدهار سوريا في 2022. ازدهار يا رجل! وأنت قطعًا تعلم أن أغلب السوريين لم يشاهدوك في ليلة الازدهار تلك، بسبب انقطاع التيار الكهربائي في بيوتهم.