عنب بلدي – حسن إبراهيم
“من الصعب أن يشعر الإنسان أنه سلعة، وأن يكون مطية لتجار الأزمات. أحاول قدر الإمكان عدم شراء أي مادة من المحال السورية، رغم أنها تلبي احتياجاتي، لكني أكره الاستغلال”.
خالد عنتر (27 عامًا)، شاب سوري متزوج ويقيم في اسطنبول، أعرب بهذه الكلمات عن استيائه من “تسلّط واستغلال” المحال السورية.
قال خالد إنه قاطع المحال السورية، ليس لارتفاع الأسعار الذي شهدته الأسواق وجميع المحال سواء سورية أو غيرها، وإنما بسبب اختلاف السعر من “بقالية” سورية لأخرى، ليصل الفارق في سعر المادة نفسها إلى عشرات الليرات، عدا عن غياب سياسة تسعير المواد، فمن بين عشرة منتجات على الرف، بالكاد تجد منتجًا واحدًا مسعّرًا، دون سبب واضح، حسب تعبيره.
التسعيرة غائبة والزبون فريسة
أوضح الشاب (خالد) أن امتلاك التجار للمواد والسلع التي اعتادها السوريون، جعلهم الوجهة الأولى لتأمين ما يلزم المنزل من سلع واحتياجات سورية، ما جعلهم ينتظرون أي تقلّب في قيمة الليرة التركية أمام الدولار، ليرفعوا الأسعار بشكل جنوني، رغم أن البضاعة قديمة، مستغلين بذلك الزبائن.
ويواجه السوريون، في تركيا عمومًا وفي اسطنبول خصوصًا، صعوبات متزايدة جراء ارتفاع أسعار المواد الغذائية، ولا سيما المواد ذات المنشأ السوري أو ما اعتادوا استهلاكه في سوريا.
إسماعيل (28 عامًا)، شاب سوري يقيم في اسطنبول، ورغم أنه لا يحتاج إلى كثير من المواد الغذائية والمنتجات، لكونه عازبًا ويعمل في مطعم، فإنه يضطر إلى زيارة وسؤال أكثر من بقالية عن المنتج نفسه لتحصيل سعر أفضل، لكن اختلاف سعر المنتج نفسه بين مكان وآخر يثير استياءه.
ماكينات الدفع غير مفعّلة
أوضح إسماعيل أنه يواجه صعوبة في “البقّاليات” السورية من ناحية دفع قيمة المواد من خلال بطاقة البنك، فالتاجر، بحسب قوله، إما لا يستخدم ماكينة الدفع الآلي لأخذ الحساب، وإما يزيد بضع ليرات تركية على قيمة المواد، لأن طريقة الدفع ليست نقدًا، وهذا أمر فيه استغلال واضح، وغير مبرر.
وأنهى الشاب، بأن كلامه عن التجار السوريين لا يلغي وجود تجار أتراك مستغلين، لكن ما يحتاج إليه من مواد ربما لا يتوفر في “البقّاليات” التركية.
وتشهد أسعار المواد الغذائية والاستهلاكية المختلفة في “البقّاليات” باسطنبول بشكل عام ارتفاعا كبيرًا بوتيرة متسارعة، ارتبطت بالتغيّر اليومي الذي شهدته قيمة الليرة التركية خلال الأشهر الماضية.
وشهدت قيمة الليرة التركية انخفاضًا غير مسبوق أمام الدولار، لتتخطى حاجز الـ18 ليرة تركية مقابل الدولار الواحد، خلال تشرين الثاني 2021، وسط عدم استقرار في قيمتها بشكل شبه يومي، وسجّل سعر صرف الدولار الأمريكي، في 6 من كانون الثاني الحالي، 13.80 ليرة تركية، بحسب موقع “Döviz” المتخصص بأسعار الصرف والعملات الأجنبية
التجار يتحكمون بالأسعار
أوضح “أبو محمد” (رجل ستيني تحفظ عن ذكر اسمه لأسباب اجتماعية)، وهو صاحب “بقّالية” في اسطنبول، أن اختلاف الأسعار من محل لآخر يرجع لعدة أسباب هي: تحكّم التجار الرئيسين بسعر السلعة، وطبيعة المنطقة التي يقع فيها المحل، والحصول على المنتج من المصدر دون الحاجة إلى وجود موزع مواد أو مندوب.
وقال إن ارتفاع الأسعار لا يقتصر على المحل السوري فقط، فالمواد تأتي من جهة معروفة أو مصنّعة لمنتج معيّن، وهي التي ترفع سعر المنتج، وكلما ارتفع سعر المادة من المصدر، قلّ هامش الربح للمادة، وهذه الجهات هي التي ترفع أسعار المواد بسرعة كبيرة، وتخفضها ببطء شديد.
وأرجع السبب في اختلاف الأسعار من محل سوري لآخر إلى طبيعة المكان، فالمناطق السياحية والحيوية يكون إيجار المحل فيها مرتفعًا، وهذا ما يُلزم صاحب المحل برفع هامش الربح عن غيره من المحال.
وأضاف أن بعض أصحاب “البقّاليات” قادرون على جلب بضائعهم من المورد الأساسي دون طلبها من موزع، الأمر الذي يلزم التاجر بدفع زيادة على قيمة المواد الواصلة إلى محله، وتحمّل أعباء تكلفة نقلها عن طريق موزع.
وقال “أبو محمد”، إنه لاحظ شكوى العديد من زبائنه، ومقارنة “البقّاليات” السورية بالمحال التركية، لكن قضية ارتفاع الأسعار لا تتعلق بالمحال و”البقّاليات” الصغيرة، بل بالتاجر المصدر.
كل هذه الأسباب لا تلغي تحكم واستغلال بعض التجار، فأحيانًا في نفس الشارع ونفس الظروف المتاحة للباعة ونفس المنتجات، ترى اختلافًا كبيرًا في سعر المنتج، بحسب “أبو محمد”.
المنتجات السورية بلا رقابة
في حديث إلى عنب بلدي، نفى استشاري مالي في تأسيس الشركات بتركيا، طلب عدم ذكر اسمه، وجود جهات رقابية تركية أو لجان ومؤسسات لتحديد سعر المنتج السوري، أو المنتج في “البقّالية” السورية، وهذا ما يدفع التجار للتلاعب بالأسعار.
ولا توجد ضوابط أو مرجعية لتحديد الأسعار للمنتجات السورية، خصوصًا التي تُصنع على الطريقة السورية، والتي لا يوجد لها مثيل أو بديل من المنتج التركي، وهذا ما يدفع المصنع نفسه إلى تحديد السعر، بعد الرجوع إلى المواد الأولية وتكلفة التصنيع، بحسب الاستشاري المالي.
وأوضح الاستشاري عدم وجود لائحة أسعار ثابتة أو متداوَلة بين “البقّاليات” السورية، ويوضع السعر بحسب المواد الأولية الداخلة في التصنيع، وتكلفة التصنيع من عمال وغير ذلك.
مكافحة المحتكرين والمتلاعبين
بسبب التراجع الكبير في قيمة الليرة التركية أمام الدولار، وكذلك الصعوبات الاقتصادية التي مرت بها تركيا، عقب انتشار فيروس “كورونا المستجد” (كوفيد- 19)، ارتفعت معدلات التضخم لمستويات عالية، وهو ما ولّد زيادة تدريجية بالأسعار في معظم القطاعات.
وكان الرئيس التركي، رجب طيب أردوغان، أكد أن المشكلات الناجمة عن ارتفاع الأسعار التي تشهدها البلاد بسبب التقلبات في سعر الصرف، ستتم معالجتها عبر الاستثمار والتوظيف والإنتاج.
ووفق تصريحات أدلى بها للصحفيين، في 29 من تشرين الثاني 2021، على متن الطائرة في أثناء عودته من تركمانستان عقب مشاركته في قمة رؤساء منظمة التعاون الاقتصادي الـ15، أوضح أردوغان أن مشكلات ارتفاع الأسعار الناجمة عن التقلّبات في سعر الصرف، ليس لها أساس اقتصادي.
وفي 8 من كانون الأول 2021، أعلن الرئيس التركي أن بلاده تحقق في قضية التلاعب بأسعار صرف العملات، وقال إن “هيئة الرقابة تحقق في قضية التلاعب بأسعار الصرف، وسنرى من يقف وراء ذلك”.
وأكد أن تركيا ستتغلب على الهجمات التي تستهدف اقتصادها، وأن هذه الهجمات لن تخلّف آثارًا عميقة في بنيته.
وعن مسألة ارتفاع أسعار السلع والمنتجات، قال أردوغان، “عقب الانتهاء من مناقشة موازنة 2022 في البرلمان، سنطرح مشروع قرار لمكافحة المحتكرين”.
ولفت إلى أن ارتفاع أسعار بعض المنتجات ناجم عن زيادتها عالميًا، وقيام بعض الاستغلاليين باحتكار المنتجات والسلع، وقال إن “الاحتكار حرام في ديننا، ولن نسمح للمحتكرين بأن يتحكموا في أسعار السلع والمنتجات، وأقول لهم إن عقوبات كبيرة ستطالكم قريبًا”.
خارج الرقابة
أكد وزير التجارة التركي، محمد موش، استمرار عمليات التدقيق والرقابة بشأن ارتفاع الأسعار، وفرض أقسى العقوبات القانونية على المخالفين.
ونفذت فرق الشرطة المسؤولة عن ضبط المنتجات عمليات تفتيش لضبط أسعار الأسواق و”البقّاليات” في بعض مناطق اسطنبول، وسجلت هذه العمليات تناقضًا كبيرًا بين أسعار التسمية للمنتجات وأسعار سجلات النقد.
وأجرت فحصًا لوزن جميع المنتجات المباعة، ومقارنة السعر ووثيقة الشحن وتاريخ الاستهلاك، والامتثال للقواعد الأخرى.
ورغم الإجراءات الرقابية التي تجريها الحكومة التركية بخصوص ضبط المنتجات، فإنها لا تنطبق على المحال السورية، وتقتصر على الإجراءات المتعلقة بالنظافة، وتحقيق شروط فتح المحال وما تتطلبه من تصريحات عمل وأذون وموافقات.