توتر دولي ينعكس في إدلب.. ما وراء ارتفاع وتيرة التصعيد الروسي؟

  • 2022/01/05
  • 3:08 م
المتطوع في الدفاع المدني علاء هواش يحمل طفلة قتلت بغارة جوية روسية استهدفت نازحين قرب جسر الشغور غربي إدلب في الساعات الأولى من عام 2022 (الدفاع المدني)

المتطوع في الدفاع المدني علاء هواش يحمل طفلة قتلت بغارة جوية روسية استهدفت نازحين قرب جسر الشغور غربي إدلب في الساعات الأولى من عام 2022 (الدفاع المدني)

ازدادت وتيرة الغارات الجوية الروسية التي استهدفت مناطق متفرقة من محافظة إدلب شمال غربي سوريا خلال الأيام الماضية، على الرغم من استمرار سريان ما يُعرف باتفاق “موسكو”، أو اتفاق “وقف إطلاق النار”، الموقّع بين روسيا وتركيا في 5 من آذار عام 2020.

ووجهت القوات الروسية قصفها خلال الأيام الماضية بشكل محدد للمراكز الخدمية، كمحطة “العرشاني” التي تمد آلاف السكان بالماء، كما استهدفت مداجن ومزارع لتربية الحيوانات، وتجمعات مدنية.

الوتيرة في تصاعد

في 27 من كانون الأول 2021، أُصيب ثلاثة عمال بينهم طفل بغارات جوية روسية استهدف مزرعة لتربية الدواجن على أطراف معرة مصرين شمالي إدلب.

واستهدفت الطائرات الروسية بغارات جوية، في 26 من الشهر نفسه، مزرعة لتربية الأبقار والدواجن على أطراف مدينة دارة عزة بريف حلب الغربي، دون تسجيل أي إصابات في الأرواح بين المدنيين، واقتصرت الأضرار على نفوق عدد من الأبقار والطيور.

وفي 31 من الشهر نفسه، استُهدفت مزرعة لتربية الدواجن على أطراف قرية كفردريان شمالي إدلب، ما أسفر عن مقتل مدنيين اثنين.

وفي الساعات الأولى من العام الحالي، قُتل طفلان وامرأة وأصيب عشرة أشخاص بينهم ستة أطفال، بقصف روسي استهدف نازحين قرب جسر الشغور، غربي إدلب.

وفي 2 من كانون الثاني الحالي، خرجت إحدى أهم محطات المياه المغذية لإدلب، محطة مياه “العرشاني” المغذية لمدينة إدلب، عن الخدمة جراء قصف جوي استهدفها، ما أدى إلى إصابة مدني أيضًا.

وقال “الدفاع المدني السوري”، عبر حسابه في “فيس بوك“، إن عاملًا أُصيب إثر استهداف المحطة، إلى جانب أضرار كبيرة في المحطة وخروج خط المياه الرئيس فيها عن الخدمة جراء القصف، إلى جانب استهداف الغارات معملًا للمواد الغذائية.

إفراغ المنطقة من السكان

رئيس مركز “رصد للدراسات الاستراتيجية”، الدكتور عبد الله الأسعد، قال في حديث إلى عنب بلدي، إن ارتفاع وتيرة الضربات عبارة عن تمهيد مدفعي، وضرب للأهداف ذات الأهمية الاستراتيجية الكبرى.

وبدأت القوات الروسية بقصف محطة المياه ثم المداجن، ليتطور الأمر لاحقًا إلى قصف البنية التحتية لإدلب، كقصف الأفران ومحطات الكهرباء ومراكز “الدفاع المدني”، من أجل تدمير الأهداف ذات الأفضلية الأولى للحياة، وبالتالي تنعدم الحياة في المنطقة، ويُجبر السكان على النزوح، بحسب عبد الله الأسعد.

كما ستتبع القصف المتتالي على المنطقة أمور أخرى، إن لم يكن هنالك ضوء أخضر من أمريكا والمجتمع الدولي للهجوم على إدلب، سيبقى الوضع على الضربات الجوية العنيفة وذات التأثير الفعال، إذ إن المراكز الخدمية هي التي تجعل السكان يتشبثون بالمكان، ومن دونها سينزحون إلى المخيمات.

كما تهدف الضربات الروسية إلى منع المقاتلين في حال شنّ هجوم من الالتجاء إلى أطراف المدن، كالمداجن والأبنية البعيدة للاستفادة منها في الدفاع عن المدينة.

وعلى صعيد آخر، يمكن أن تكون نتائج الاستطلاع الجوي قد أوجدت أن هنالك حركة سيارات كثيرة من وإلى هذه المنطقة، وقد يخشى الروس أن تستخدمها فصائل المعارضة كمستودعات لها، لذلك يدمّرونها.

توتر دولي ينعكس في سوريا

الخبير في الشأن الروسي الدكتور نصر اليوسف، يرى أن نوعًا من التوتر يشوب العلاقة بين روسيا وتركيا، فالروس رأوا محاولة تقارب بين أمريكا وتركيا، ومحاولة تسوية الخلافات وربما تحسين للعلاقات، ودائمًا عندما يكون هنالك أي تقارب بين تركيا وأمريكا، يستخدم الروس الداخل السوري “المنكوب” لإرسال الرسائل.

ويرى الروس أن الشارع السوري رغم كل الصعوبات ورغم كل ما يقاسيه لا يزال متمسكًا بالمطالب التي خرج من أجلها في عام 2011، وانعكس هذا التمسك في ردود الفعل السلبية على اجتماعات “أستانة” وكذلك ردود الفعل المتشنجة من قبل السوريين على تصريحات المبعوث الرئاسي الروسي، ألكسندر لافرنتييف.

وكان لافرنتييف اعتبر أن إيجاد “دستور جديد لسوريا، يجب ألا يهدف إلى تغيير السلطة في البلاد، خاصة أن الحكومة السورية راضية عن الدستور الحالي، وفي رأيها لا داعي لتعديلات”.

وأضاف، بحسب ما نقلته وكالة “تاس” الروسية، “إذا رأت المعارضة ضرورة إجراء تغييرات، فيجب عليها النظر في القضايا التي تهمها وطرحها على التصويت في استفتاء أو للموافقة عليها بطريقة أخرى”، معتبرًا أنه “إذا سعى شخص ما إلى وضع دستور جديد من أجل تغيير صلاحيات الرئيس، وبالتالي محاولة تغيير السلطة في دمشق، فإن هذا الطريق لا يؤدي إلى شيء”.

وقال، في 27 من كانون الأول 2021، وهو توقيت يتزامن مع بدء التصعيد في إدلب، “إذا كانت المعارضة تعتقد حقًا أن بعض التغييرات مطلوبة، فعندئذ يجب أن تطرح بعض المقترحات الملموسة، وألا تنغمس في التكهنات بأنه لا يمكن أن تكون هناك تغييرات طالما أن بشار الأسد في السلطة”.

ويرجح الخبير في الشأن الروسي نصر اليوسف أن الروس يريدون فرض واقع أكثر سوءًا مما هو عليه، ليتنازل السوريون عن مطالبهم، ويقبلوا بشروط موسكو.

ذرائع لخرق الاتفاق

وبحسب ما قاله اليوسف لعنب بلدي، فإن الروس في كل اتفاق يتعلق بإيقاف إطلاق النار، يدسّون بندًا يستثني ما يصفونه بـ”مكافحة الإرهاب”، وبالتالي يستطيعون أن يصنفوا كما يشاؤون أي منطقة على أنها إرهابية، ثم يحق لهم قصفها، أو يبقوها لأنفسهم كذريعة ليرسلوا من خلالها رسائل إلى الجهة المعنية، وهي هنا تركيا، التي يتهمها الروس بعدم إيفائها ببنود 5 من آذار 2020.

ويرى اليوسف أن العلاقات الدولية لا يمكن أن تؤخذ بشكل منفرد، فهنالك تشنج واضح بين روسيا والغرب عمومًا بما في ذلك حلف “الناتو” الذي يتضمّن كلًا من الاتحاد الأوروبي وأمريكا وتركيا، ويكاد يصل حد التوتر إلى التحذير من اندلاع حرب أو اجتياح روسيا لأوكرانيا.

وفي 10 من كانون الثاني الحالي، ستبدأ حوارات بشأن الاستقرار الاستراتيجي على ثلاثة محاور بين روسيا وأمريكا، وبين روسيا و”الناتو”، وبين روسيا ومنظمة “الأمن والتعاون في أوروبا”.

ويظهر الروس تعنّتًا وتمسكًا بموقفهم لكي يكسبوا نقاطًا أو يسجلوا نقاطًا خلال المفاوضات، ويرتبط كل ما تقوم به روسيا في أي بقعة جغرافية بسياستها في مناطق أخرى، لتثبت للعالم أنها لاعب دولي ند لأمريكا، بحسب الخبير نصر اليوسف.

وكان “الدفاع المدني” أصدر تقريره السنوي حول حصيلة ضحايا القصف وفيروس “كورونا المستجد” (كوفيد- 19) في شمال غربي سوريا خلال عام 2021، بعنوان “أرواح السوريين في عام 2021 ضحية للحرب وكورونا”.

قال “الدفاع المدني” في التقرير، إنه بالرغم من اتفاق وقف إطلاق النار الذي دخل حيز التنفيذ في 6 من آذار عام 2020، لم يتوقف تصعيد النظام السوري وحليفه الروسي.

وبحسب التقرير، استجابت فرق “الدفاع المدني” خلال 2021 لأكثر من 1300 هجوم من قبل النظام وروسيا، استُخدمت فيها أكثر من 7000 ذخيرة متنوعة.

كما وثّق 1000 هجوم بالقذائف المدفعية، و123 هجومًا صاروخيًا، إضافة إلى 34 هجومًا بالصواريخ الموجهة، في حين كانت الطائرات المسيّرة حاضرة، واستجاب “الدفاع المدني السوري” لثماني هجمات بالطائرات المسيّرة، والمئات من الهجمات بأسلحة أخرى متنوعة.

مقالات متعلقة

سوريا

المزيد من سوريا