دراسة “الحقوق” شمالي حلب.. محامون رهن التغيير السياسي

  • 2022/01/02
  • 9:32 ص
حفل تخريج طلاب جامعة "حلب الحرة" من مختلف التخصصات- 9 من كانون الأول 2021 (صفحة "جامعة حلب الحرة" عبر "فيس بوك")

حفل تخريج طلاب جامعة "حلب الحرة" من مختلف التخصصات- 9 من كانون الأول 2021 (صفحة "جامعة حلب الحرة" عبر "فيس بوك")

عنب بلدي – صالح ملص

في مناطق ريفي حلب الشمالي والشرقي التابعَين لـ”الحكومة السورية المؤقتة”، تتراكم المشكلات المالية والاجتماعية التي تحتاج إلى تدخّل القضاء لمعالجتها، ضمن آلية عمل المحامين المعتادة.

وبحكم خضوع المنطقة لسيطرة سلطات الأمر الواقع، فإن بعض الأهالي تحيط بهم هواجس تجاه فعالية عمل المحامين، إذ ترتبط جميع تفاصيل ممارستهم للمهنة بمؤسسات الدولة الرسمية، وقراراتها الإدارية، وتشريعاتها، وأحكامها القضائية.

وأي تغيير عسكري أو سياسي قد يطرأ على المنطقة، ضمن حالة من عدم الاستقرار تعيشها سوريا عمومًا، من المرجّح أن يُفقد هذه المؤسسات سلطتها الشرعية بالنسبة إلى الجهة السياسية أو العسكرية التي ستسيطر على المنطقة بموجب هذا التغيير، ما يعني عدم استقرار في الأرضية القانونية والقضائية التي يعمل المحامون استنادًا إليها.

تطرح هذه الحالة المهمة السؤال عن جدوى دراسة القانون في كليات الحقوق ضمن هذه المنطقة، ومدى وضوح مستقبل خريجي تلك الكليات في سوق عمل المحاماة.

أهداف تدفع لدراسة “الحقوق”

انتسب محمد حاجي بكور (24 عامًا) إلى كلية الحقوق بجامعة “حلب الحرة” لتلبية طموح يرافقه منذ الصغر، وفق ما عبّر عنه لعنب بلدي.

قال الشاب العشريني الذي تخرج عام 2021، إن “دراسة الحقوق لها مستقبل لعدة أسباب، فمجالاتها واسعة، وتجعل الشخص يفهم الحياة بشكل صحيح، فليس لدي أي مخاوف على مستقبلي بعد التخرج من أي تغيير في المنطقة، لأن طبيعة الكلية تفرض تعدد الأعمال”.

يفكر محمد حاجي بكور، وهو من سكان مدينة الأتارب، بالالتحاق بنقابة المحامين في المنطقة، وبدء عمله في أروقة المحاكم، حاله كحال أي محامٍ آخر، “لأننا درسنا في الجامعة العديد من القوانين، المصري والفرنسي والسوري، وكانت مراجع دراستنا قريبة من مراجع الكليات في بقية المناطق السورية”.

تدير “الحكومة السورية المؤقتة” قطاع التعليم العالي عبر مجلسَي التعليم العالي في المنطقة، وبعد توقف الدراسة في كليات جامعة “حلب” التابعة للنظام السوري، أُسّست جامعة “حلب الحرة” أو جامعة “حلب في المناطق المحررة”، بقرار من “الحكومة المؤقتة” عام 2015 في حلب وإدلب وريف حمص وريف دمشق ودرعا، بأكثر من 13 كلية وأربعة معاهد تقانية، لا يُعترف بها بالطبع من قبل حكومة النظام في دمشق.

وبعد سيطرة حكومة “الإنقاذ” على محافظة إدلب وأجزاء من ريف حلب الغربي في أواخر 2017، أغلقت كليات جامعة “حلب الحرة”، ومقر الجامعة في بلدة الدانا شمالي إدلب عام 2018، ما دفع “الحكومة المؤقتة” لنقل مقرها إلى ريف حلب.

على عكس محمد حاجي بكور، لدى أحمد الحرح (30 عامًا) “مخاوف بسبب قلة فرص العمل في المناطق المحررة” مع احتمال تغيّر المراجع التي يعملون بناء عليها.

“درسنا القانون الدولي العام والدولي الإنساني والفقه الإسلامي، وجميع أنواع القوانين المدنية والتجارية والجزائية السورية، وبعض القوانين العربية. المنهجية التعليمية ممتازة، والخطة التعليمية جيدة، ولكن هل هذا كافٍ من الناحية العملية؟”.

يتساءل أحمد الحرح الذي تخرج من كلية الحقوق في عام 2020، إذ انقطع عن الدراسة بسبب ظروف النزوح والنزاع التي تعيشها المنطقة، عمّا إذا كانت الخطة التعليمية في الكلية التي درس فيها كافية لاستحقاقه لقب المحامي في جميع الأراضي السورية، التي صارت جغرافيتها منقسمة لعدة مناطق نفوذ بتوجهات سياسية وعسكرية مختلفة.

يعمل أحمد الحرح حاليًا محاميًا متدربًا في أحد مكاتب المحاماة، ويرى بأن “نتيجة عملنا في المحاماة قد تتغير مع تغير الحال. قد يصعب علينا تنفيذ أحكام معيّنة في المستقبل، هذا صحيح، إلا أن من الضروري وجود محامين داخل المنطقة يجتهدون في تحصيل حقوق الناس، هذا أمر ضروري الآن، نقوم بتمثيل الأطراف ومساعدتهم، نقدم لهم النصائح والاستشارات القانونية”.

القوانين السورية معتمَدة

يتدخّل المحامي ضمن اختصاص عمله في كل إجراء من إجراءات المحاكمة، لاتخاذ كل تدبير في سبيل تحصيل حق موكله، ويسعى لتنفيذ الأحكام القضائية، والقيام بالإجراءات الضرورية لاحترام جملة من الواجبات والالتزامات التي ينص القانون عليها.

ولذلك، تعتبر مهنة المحاماة من ضمن الأمور السيادية في الدول، لا يحق للشخص ممارستها إلا في حال كان يحمل جنسية الدولة التي يرغب بممارسة المحاماة فيها، أو ضمن مبدأ المعاملة بالمثل.

تطبّق الدول مبدأ المعاملة بالمثل بالنسبة إلى سماحها بممارسة المحامين الأجانب مهنتهم ضمن أراضيها، إلا أن الأمر أكثر تعقيدًا داخل مناطق الشمال السوري.

لا تعترف حكومة النظام بسلطات الأمر الواقع العاملة في الشمال السوري، ولا بأي قرار يصدر عنها، بما في ذلك الأحكام القضائية، أو القرارات الإدارية والتنفيذية المتعلقة باكتساب الأشخاص حقهم بمزاولة مهنة المحاماة والاعتراف بها، الأمر الذي يهدد مصير عملهم في حال طرأ أي تغيير سياسي في المنطقة.

بموجب مؤتمر الأمم المتحدة الثامن لـ”منع الجريمة ومعاملة المجرمين” الذي عُقد في عام 1990، فلكل شخص الحق في طلب المساعدة من محامٍ يختاره بنفسه لحماية حقوقه وإثباتها، وللدفاع عنه في جميع مراحل الإجراءات الجنائية.

كما تكفل الحكومات القدرة للمحامين على أداء جميع وظائفهم المهنية، دون تخويف أو إعاقة أو مضايقة أو تدخّل غير لائق.

تأخذ جامعة “حلب الحرة” بعين الاعتبار مسألة الاعتراف بها كمؤسسة تعليم عالٍ في سوريا، خصوصًا كلية الحقوق، وجميع التخصصات التي تحتاج إلى ترخيص بموجب قرارات إدارية تصدر عن المؤسسات الرسمية.

وبحسب ما قاله عميد كلية الحقوق في جامعة “حلب الحرة”، عبد القادر الشيخ، في حديث إلى عنب بلدي، فإن “المقررات الدراسية الرئيسة هي بذاتها المقررات المعتمدة في جامعة (حلب)، وكل القوانين التي تدرّس في كلية الحقوق هي قوانين سورية، بالإضافة للاستناد إلى بعض المراجع العربية والدولية”.

شُكّلت الهيئة القضائية في مناطق سيطرة “الحكومة المؤقتة” بالاعتماد على رجال القانون فقط في العمل القضائي.

وجرى الاتفاق على تطبيق أحكام القوانين السورية بمرجعية دستور عام 1950، ما يعني ابتداء اعتماد القوانين السورية بتسيير أمور الناس، وبالتالي فإن التقاضي يجري وفق الأنظمة والقواعد القانونية الدولية والقانون السوري.

ودستور 1950 أول دستور يُكتب بعد الاستقلال عن فرنسا، وأول دستور يذكر نصًا واضحًا لمصادر التشريع، وأول دستور يتم التنازع فيه بين نصَّي دين الدولة ومصادر التشريع، وفق دراسة بحثية صادرة عن مركز “عمران للدراسات الاستراتيجية”.

وبناء على ذلك، “بكل تأكيد، خريج كلية الحقوق يمكن أن ينتسب إلى نقابة المحامين”، وفق الشيخ، إلا أن الاعتراف بشهادة طالب كلية الحقوق، يبقى رهن التغيير السياسي.

ضرورة تأهيل محامين

اعتبر عبد القادر الشيخ أن إنتاج الكوادر المهنية المتعلقة بمجال المحاماة أمر ضروري في الوقت الحالي داخل المناطق الخاضعة لسيطرة “الحكومة المؤقتة”، وذلك من أجل تسيير مصالح الناس، بغض النظر عن مسألة الاعتراف الرسمي بخريجي الكلية أم لا.

وإنتاج الكوادر الشبابية لمهنة المحاماة يعتبر سلسلة متصلة بوجود هيئات قضائية في المنطقة، ومؤسسات إدارية وأمنية، تحتاج إلى الأشخاص العارفين بالقانون لمنع التجاوزات.

القاضي والباحث القانوني عبد الرزاق الحسين عزا، في حديث سابق إلى عنب بلدي، وجود المحاكم في مناطق سيطرة “الحكومة المؤقتة”، إلى “حالة الضرورة”، التي فرضها خروج مؤسسات النظام من هذه المناطق ومنها المؤسسة القضائية، وحاجة الناس إلى من يفصل في قضاياهم المستجدّة ونزاعاتهم، وتوق المواطنين إلى تحقيق نوع من الاستقرار في العلاقات الاجتماعية والاقتصادية والمعيشية والسلام المجتمعي.

وتبقى هذه الأهداف رهنًا بقدرة تلك المحاكم والعاملين فيها، من قضاة وفنيين ومحامين، على الاستجابة لحاجات الناس وحل مشكلاتهم، وهو أمر في غاية الصعوبة.


شارك في إعداد هذه المادة مراسل عنب بلدي في مدينة الباب سراج محمد

مقالات متعلقة

مجتمع

المزيد من مجتمع