بعض البشر لا يجدون أنفسهم ضمن دائرة الإنجاز الحقيقي خلال عملهم اليومي، يعانون من عدم يقينهم بأن لديهم ما يضيفونه في روتين دائم، يصادفون المهام نفسها بالأسلوب نفسه وبالتفكير نفسه، فلا يجدون الوقت للراحة النشطة من أجل تعزيز هذا الإنجاز، والتحفيز من أجل الخروج من دائرة الاعتياد إلى دائرة إتقان العمل والإبداع فيه.
بحسب كتاب “استرح: لماذا تنجز المزيد عندما تعمل أقل”، للكاتب أليكس بانج، فإن هناك أنواعًا من الراحة التي تعزز الإنتاجية، بعيدًا عن أجواء الكسل والخمول، إذ إن الراحة لا تتناقض مع العمل، فلا توجد حركة إلا وتبعتها لحظات من السكون، وبالتالي فإن الراحة هي جزء مكمّل للإنجاز في المهام اليومية، ولا يمكن الحصول على مستوى فعّال من الإنتاجية، إلا من خلال توفر أوقات مخصصة من الراحة.
في أغلب كتب تحسين الإنتاجية، يرى الفرد أن نصائح المختصين تميل في أغلب الأحيان إلى ضرورة التعمق في العمل، من أجل الوصول إلى النجاح المطلوب، هنا، يوجد خلل في فهم “الاستمرارية” أو المثابرة على الشيء، وأن الراحة من شأنها أن تقلل من الإنجاز وتعكّر صفاء النجاحات.
بعيدًا عن التركيز على مفهوم العمل المتواصل دون انقطاع لمحاولة تعظيم الإنجازات، الذي غالبًا ما تكون محصلة هذا الاتجاه الوظيفي عكسية، يحاول بانج في كتابه (360 صفحة)، توضيح أن الراحة ليست مقتصرة على الرعاية الجسدية، إنما هي مهارة وعلم بحد ذاته، يجب على الإداريين في الشركات التنفيذية أن يتعودوه ويكتسبوه كآلية لتحسين جودة العمل.
وتكون الراحة عند الانتهاء من جميع المهام التي تنتظر إنجازها، سواء على الصعيد المهني أو الشخصي، وبالتالي فإن الراحة لا يجب أن تأخذ شكل العشوائية، إنما تخصيص وقت معيّن على جدول الأعمال اليومية أو الأسبوعية أو الشهرية، وأخذها على محمل الجد، وحمايتها من أي انشغالات أخرى قد تدخل في نطاق وقتها، أو من المحيطين الذين قد يحاولون سرقة الوقت المخصص للراحة، على حد تعبير الكاتب.
والوقت المخصص للراحة، الثابت والمستمر بموعد معيّن منتظم، يكون نتيجة ترتيب الأولويات والمهام، وإنجازها في موعدها المحدد، دون تأجيلها، فالغرق بما يُعرف “تسويف” العمل يمنع الشخص من تخصيص وقت معيّن للراحة، كونه سيصبح منشغلًا طوال الوقت بإتمام المهام المتأخرة.
ولإدخال الراحة ضمن البرنامج اليومي في حياة الشخص، يجب عليه أن يمتلك فهمًا عميقًا في أهمية إنجاز العمل ضمن موعده الأصلي، كي يكون هناك توازن مناسب يربط بين الراحة وبذل الجهد.
وقد تكون أشكال الراحة مختلفة، حسب رغبة الأفراد، منها التنزه مع العائلة، أو القيلولة، أو ممارسة الرياضة، أو تطوير مهارة معيّنة، أو التعرف إلى هواية جديدة، أو التوقف عن العمل في الوقت المناسب مع التفكير والتأمل والتخطيط فقط.