تصنيفات ضمن ضوابط دولية للنزاعات المسلحة.. ماذا عن سوريا
يميّز القانون الدولي الإنساني بين نوعين من النزاعات المسلحة، هما النزاع المسلح الدولي، والنزاع المسلح غير الدولي.
ويعتبر النزاع المسلح الدولي صراعًا تشارك فيه القوات المسلحة لدولتين على الأقل في الأعمال العدائية مع بعضها، ومن الممكن أيضًا أن يؤدي تدخل دولة ثالثة من خلال مجموعة مسلحة بالوكالة إلى تحويل نزاع مسلح غير دولي إلى نزاع مسلح دولي.
وغالبًا ما تكون النزاعات المسلحة غير الدولية تلك التي تُخاض داخل إقليم دولة واحدة، بين القوات المسلحة لدولة واحدة وجماعة مسلحة من غير الدول، إلا أن هذا التوصيف لا يكون دائمًا، إذ تحدث النزاعات المسلحة غير الدولية داخل أراضي دولة واحدة فقط.
وأشهر الأمثلة الشائعة للنزاعات المسلحة غير الدولية الحروب الأهلية، والنزاعات المسلحة الداخلية، أو النزاعات التي تتدخل فيها دول ثالثة أو قوات متعددة الجنسيات جنبًا إلى جنب مع الحكومة.
قد يكون تصنيف نوع النزاع المسلح أمرًا صعبًا، كما في تحديد متى تتصاعد الأعمال العدائية إلى مستوى النزاع المسلح.
غالبًا يسهل تحديد النزاعات المسلحة الدولية، إذ إن هذا النوع من النزاعات يشارك فيه عادة جيشان أو أكثر من جيوش الدول، فمثلًا يعتقد بعض المختصين بالقانون الدولي أن الضربات الجوية الأمريكية على القوافل العسكرية السورية في أيار 2017 أثارت نزاعًا مسلحًا دوليًا بين الولايات المتحدة وسوريا.
النزاعات المسلحة غير الدولية غالبًا ما يكون تحديدها أكثر صعوبة، فكي تصل الأعمال العدائية المسلحة إلى مستوى نزاع مسلح غير دولي يجب استيفاء شرطين:
- أولًا، يجب أن تكون الجماعة المسلحة من غير الدول “طرفًا في النزاع”، وتُعرف بأنها جماعة مسلحة منظمة ذات هيكل قيادة وتحكم واضح وقدرة على المشاركة في عمليات عسكرية متواصلة.
- ثانيًا، يجب أن تصل الأعمال العدائية إلى حد أدنى من الحدة يتجاوز مجرد العنف المتقطع أو الاضطراب الداخلي.
تحدد المادة رقم “3” المشتركة، المدوّنة في القانون الدولي العرفي، القواعد الأساسية للنزاع المسلح التي لا يُسمح بأي استثناء منها في النزاعات المسلحة غير الدولية أو الدولية. على سبيل المثال، تطلب المادة المشتركة معاملة إنسانية لجميع الأشخاص الخاضعين لسيطرة العدو وجميع الجرحى والمرضى ورعايتهم.
اقرأ أيضًا: اتفاقيات جنيف الأربع.. حين تصنع المعارك قوانين السلام
ما نوع النزاع في سوريا
خلال السنوات العشر الأخيرة في سوريا، لم يكن النزاع المسلح مستقرًا بطبيعته، إذ تغيّر في بعض الفترات من نزاع مسلح غير دولي إلى نزاع مسلح دولي مع مرور الوقت، وفي بعض الفترات قد يوجد النوعان في نفس المنطقة الجغرافية بنفس التوقيت، بحسب تقرير صادر عن منظمة “اليوم التالي” بعنوان “خارطة الانتهاكات في سوريا على مدار ست سنوات“.
في حزيران عام 2012، أعلن رئيس النظام السوري، بشار الأسد، أن سوريا “تعيش حالة حرب”، وفي آب من العام نفسه، حددت “لجنة التحقيق الدولية المستقلة المعنية بسوريا” أن شهر شباط من العام 2012 هي النقطة الزمنية التي تجاوزت الأحداث السورية فيها عتبة النزاع المسلح غير الدولي، بين قوات النظام وفصائل “الجيش السوري الحر”.
وفي أوائل 2012، صار هيكل “الجيش السوري الحر” واضحًا في السيطرة على الأراضي السورية، ثم تطورت الأحداث في سوريا إلى نزاع مسلح غير دولي بين شباط وحزيران 2012.
من الواضح، وفق تقرير “اليوم التالي”، فإن النزاع السوري بدأ كنزاع مسلح غير دولي، وعلى الرغم من ذلك، هناك اختلاف حول متى تحول النزاع إلى نزاع مسلح دولي، وحول ما إذا كانت أجزاء معيّنة من النزاع قد تحولت أصلًا إلى نزاع مسلح دولي.
اقرأ أيضًا: أربعة مبادئ دولية للضربات العسكرية في النزاعات المسلحة
وبحسب دراسة بحثية لمركز “حرمون للدراسات المعاصرة”، فإن تدويل النزاعات المسلحة غير الدولية هو مفهوم حديث للغاية في القانون الدولي.
ولا تتضمن، وفق الدراسة، اتفاقيات جنيف الأربع لعام 1949 أو أحكام لاهاي لعام 1899- 1907 قواعد محددة بشأن الحروب المحلية الدولية، إذ تُركت هذه المسألة للدول من أجل تحديد القانون الواجب تطبيقه، خلال نزاع مسلح داخلي خاضع للتدويل، ما أبقى هذا الموضوع ممتلئًا بالتعقيدات القانونية.
وينبغي تقسيم النزاع المسلح الداخلي- الدولي إلى مكوّناته الدولية وغير الدولية، وفق ما أوصت به الدراسة، هذا التقسيم ينطبق على النزاع في سوريا، حيث يصنّف النزاع بين قوات النظام السوري والدولة الأجنبية التي تساعده كإيران وروسيا وبين فصائل المعارضة السورية ضمن نطاق النزاع المسلح غير الدولي (الداخلي).
ويصنّف النزاع بين قوات النظام والدول التي تسانده من جهة، والدول التي تتدخل لمصلحة فصائل المعارضة نزاعًا دوليًا.
النزاع بين قوات النظام وفصائل المعارضة المسلحة هو نزاع مسلح غير دولي، وفق الدراسة، تحكمه قواعد القانون الدولي الإنساني، المنصوص عليها في المادة الثالثة المشتركة من اتفاقيات جنيف الأربع.
وبصرف النظر عن طبيعة النزاع المسلح ونوعه، أو شكله، أو قسوته، فإن قواعد القانون الدولي الإنساني وأحكامه تكون دائمًا محل تطبيق لحماية ضحايا النزاع وتقليل المعاناة التي قد تلحق بهم من جراء ممارسات القوى المتنازعة.
–
اذا كنت تعتقد/تعتقدين أن المقال يحوي معلومات خاطئة أو لديك تفاصيل إضافية أرسل/أرسلي تصحيحًا
إذا كنت تعتقد/تعتقدين أن المقال ينتهك أيًا من المبادئ الأخلاقية أو المعايير المهنية قدم/قدمي شكوى
-
تابعنا على :