دخل حي الوعر الحمصي، آخر معاقل المعارضة في حمص، عامه الرابع في الحصار، ما أدّى إلى ندرة في المحروقات، بعد أن استنفد الأهالي في العام الأول ما كان في مخزونهم، ليلجأوا إلى أساليب العيش البدائية متخذين من حطب الأشجار وقودًا لطعامهم ومصدرًا لتدفئتهم ليضمنوا بذلك استمرارًا مؤقتًا لحياتهم.
جودي عرش – الوعر
اشتهر حيّ الوعر بوفرة أشجاره فقد كان في السنوات التي سبقت بداية الثورة أحد أهم الأماكن السياحية في حمص، وكانت منطقة “الغابة”، التي تحد الحي من الجهة الشمالية وتعتبر الخط الفاصل بين حي الوعر والأوتوستراد الدولي المحاذي لقريتي قزحل والدار الكبيرة، أحد أهم الأماكن المستقطبة للسياح العرب بسبب وفرة أشجارها.
نفاد الحطب
90% هي نسبة الأشجار المقطوعة في الحي والمستخدمة في العامين الماضيين، ليصل أهالي الحي اليوم إلى حالة عجز أمام فقدان مادة الحطب وندرتها خصوصًا مع اقتراب الشتاء البارد، وفق “أبو ماهر” أحد قاطني الحي، والذي يوضح لعنب بلدي “هذا شتاؤنا الرابع في ظل الحصار وأصبح من النادر أن نجد شجرة قابلة للقطع فما بقي من أشجار اليوم في الحي هي ساترٌ لنا أمام بطش قناصي النظام للمحاصرين”.
الحطب هو المادة الأساسية للبقاء والمقاومة ويستخدمه الأهالي في طهي الطعام وتسخين المياه والتدفئة في ظل ساعات تقنين الكهرباء الطويلة وكثرة أعطالها، بحسب “أبو ماهر” الذي يضيف “نعتمد كل عام على الحطب، ولا يمكننا تخيل كيفية قضاء الشتاء فنحن مهددون بموت أطفالنا بردًا”.
تحايل على المعاناة
لا يخلو الحي من ظاهرة بيع الحطب فالبعض خزنوا ما تيسر لهم من الحطب ليبيعوه في هذه الأيام، في وقت وصل سعره لمستوى خيالي إذ يباع الكيلو غرام الواحد بـ 120 ليرة يضاف إليها أجور التقطيع ليصبح 165 ليرة سورية.
لكن أغلب العائلات في الحي لا تملك المال لشراء الحطب بهذه الأسعار، ما اضطرهم لإيجاد حل آخر هو استخراج جذوع الأشجار من الأرض وتجهيزها للحرق في الشتاء، وفق الناشط جلال التلاوي، ويقول “بات أهالي الحي في حيرة من أمرهم في ظل عدم توفر المال وغلاء أسعار الحطب فقرروا استخراج جذوع الأشجار المقطوعة مسبقًا، من الأرض وهذا الأمر يحتاج لجهدٍ كبير جدًا فطبيعة الأرض صخرية، إذ أنشئ الحي على هضبة بركانية، كما أنه أعلى الأحياء في مدينة حمص تضريسيًا”.
تحتاج عملية الحفر وإخراج الجذع إلى ثلاثة أيام في متوسط عمل 8 ساعات متواصلة، كما تحتاج الجذوع ثلاثة أيام لتحويلها إلى قطع بحجوم مناسبة للاستخدام، حسبَ التلاوي الذي ينهي حديثه “6 أيام تبدو متعبة جدًا لكنها تجلب السعادة إلى منزل فيه أطفال ينامون بردى وجياع”.
وثق ناشطو الحي الشتاء الماضي حالتي وفاة لطفلين في مراكز الإيواء، ماتا من البرد وأحدهما لا يتجاوز أشهر، ومن المتوقع أن يكون العدد في ازدياد هذا العام إذا لم يوجد حل جذري للحد من المأساة، بحسب الناشط الإعلامي رضوان الهندي، الذي ينقل أن محاولات العام الماضي لإشعال أي شيء كالمواد البلاستيكية، والملابس والأحذية المهترئة، لم تفلح في تجنب موت الأطفال بردًا.
تخوف من الشتاء هو الشعور الذي يسيطر على قلوب العائلات وعددها نحو 20 ألفًا، بينما أدى تصعيد القصف خلال العام الجاري، وخصوصًا الحملة التي شهدها أيار، إلى دمار في نسبة واسعة من المنازل، تزامنًا مع نقص في الشوادر التي يستخدمها السكان لإصلاح منازلهم وإغلاق نوافذهم المحطمة.