أعادت محادثات “أستانة” بجولتها الـ17، التي عُقدت في 21 و22 من كانون الأول الحالي، الملف السوري إلى طاولة الدول الضامنة (تركيا وروسيا وإيران)، دون خلافات معلَنة يمكن قراءتها عبر البيان الختامي للجولة.
رغم إصدار الدول الضامنة بيانًا لا يختلف كثيرًا عن بيانات الجولات السابقة، وما حملته من تعهدات لم تؤخذ بالكامل بعين الاعتبار، فيما يتعلق بالاتفاق على الأمن والاستقرار، ومكافحة “الإرهاب” وتحسين الوضع الإنساني، قدّمت وسائل إعلام تركية، في 24 من كانون الأول الحالي، ونقلًا عن مصادر تركية (لم تسمِّها) شروطًا للانسحاب التركي من سوريا.
وحملت هذه الشروط أيضًا، نفيًا لحديث نسبته صحيفة “حرييت” التركية، لبيان الممثل الخاص بالرئيس الروسي لسوريا، ألكسندر لافرنتييف، بعد اجتماع تنسيق “أستانة” في العاصمة الكازاخية، نور سلطان، مؤخرًا، حول حديث ممثلي الجانب التركي في الجلسة عن مغادرة القوات التركية سوريا حين تسمح الفرصة الأولى بذلك.
ووفق ما نقلته “حرييت” عن مصادرها، فالشروط التي تضعها أنقرة للانسحاب من الأراضي السورية، واضحة ويجري إيصالها إلى المتحاورين في كل لقاء سوري، لكن بعض الجماعات أسهمت في نقل “رسائل شديدة الوضوح”، بما يمكن تفسيره بشكل مختلف، بحسب المصادر.
وتتمثل هذه الشروط في توافق جميع الأطراف على الدستور الجديد بما يحمي حقوق شرائح الشعب السوري كافة، وإقامة نظام انتخابي يمكن لجميع الفئات المشاركة فيه بحرية، وتشكيل حكومة شرعية بعد الانتخابات، إلى جانب قضاء هذه الحكومة على “التنظيمات الإرهابية” التي تستهدف وحدة أراضي تركيا على خط الحدود بين البلدين، ووضعها في إطار التنفيذ.
هل تنسحب تركيا من سوريا؟
المحلل السياسي حسن النيفي، وفي حديث إلى عنب بلدي، أكد أن الشروط التركية للانسحاب العسكري من سوريا، إن صحت، فهي توازي تقريبًا الحل النهائي للملف السوري، كما توازي المضمون الحقيقي للقرار “2254”، إذ تشير الشروط إلى دستور جديد وانتخابات، وانسحاب ميليشيات.
وأضاف النيفي أن انسجام هذه الشروط مع بنود القرار الأممي، يؤكد عدم نية أنقرة الانسحاب من مناطق نفوذها في “غصن الزيتون” أو “درع الفرات” أو “نبع السلام”، فهي تضع يدها على هذه المناطق بحكم تقاسم النفوذ في سوريا، ما يعني عدم انسحاب القوات التركية قبل التوصل إلى حل نهائي ودائم للملف السوري.
وبدأ الوجود التركي على الأراضي السورية، عام 2016، حين أطلقت أنقرة، في آب من العام نفسه، عملية “درع الفرات” في الشمال السوري، لحماية حدودها من تنظيم “الدولة الإسلامية” و”قوات سوريا الديمقراطية” (قسد) التي تشكّل “وحدات حماية الشعب” (الكردية) المكوّن الرئيس فيها، وفق ما أعلنته حينها، وانتهت العملية في آذار 2017.
الباحث في مركز “جسور للدراسات” عبد الوهاب عاصي، استبعد في حديث إلى عنب بلدي، إمكانية تطبيق الشروط التركية الأربعة في المدى القريب والمتوسط، ما يعني عدم إمكانية خروج تركيا من سوريا خلال السنوات القليلة المقبلة.
وأشار عاصي إلى أن النظام السوري يرفض الاتفاق على دستور جديد، ويدفع نحو تعديل الدستور الذي وُضع عام 2012، ما يعني صعوبة ضمان حقوق جميع الشرائح، كما تنص الشروط التركية.
وإلى جانب ذلك، فإن حسم ملف حزب “العمال الكردستاني”، وامتداداته التي تراها أنقرة في سوريا، مرهون بالتزام روسيا والولايات المتحدة بتطبيق مذكرة “سوتشي” (2019) ووثيقة أنقرة للعام نفسه، وهو ما لم يحصل بعد، ما قد يدفع تركيا إلى زيادة حجم وجودها العسكري في سوريا وليس العكس.
وحول الموقف الروسي من وجود القوات الأجنبية في سوريا، أوضح عاصي أن موسكو تسعى للضغط على أنقرة في سبيل ثنيها عن أي عمليات عسكرية جديدة قد تطلقها في سوريا، مع استمرار العمل المشترك في شرق وغرب الفرات، لكن بعد تطوير نظام وقف إطلاق النار ليصبح مستدامًا، عبر تعديل اتفاقية “أضنة” أو أحد ملحقاتها.
خمس سنوات من الوجود التركي
لم تكن “درع الفرات” سوى فاتحة لعمليتين تركيتين إضافيتين، وتلويح عبر التصريحات بعملية ثالثة، إذ أطلقت أنقرة، في 20 من كانون الثاني عام 2018، عملية “غصن الزيتون” العسكرية، التي انتهت بسيطرة “الجيش الوطني السوري” على مدينة عفرين في ريف حلب الشمالي، وإبعاد “قوات سوريا الديمقراطية” (قسد) عنها.
وأطلقت أيضًا أنقرة، في 9 من تشرين الأول عام 2019، عملية “نبع السلام”، واستمرت حتى 25 من تشرين الثاني، وأكد الرئيس التركي، رجب طيب أردوغان، حينها، أن الهدف من العملية، القضاء على “الممر الإرهابي” المراد إنشاؤه قرب الحدود التركية الجنوبية مع سوريا، إلى جانب ضمان عودة اللاجئين السوريين إلى بلادهم نحو المنطقة الآمنة التي ستقام من خلال العملية العسكرية التركية.
وفي مطلع تشرين الأول الماضي، لوّح الرئيس التركي بعملية جديدة ضد “قسد”، مشددًا على التزام بلاده بعمل كل ما يلزم لمكافحة حزب “العمال الكردستاني” و”مجلس سوريا الديمقراطية” (مسد)، و”وحدات حماية الشعب” (الكردية).
وأشار أردوغان إلى استعداد تركيا لإطلاق عملية عسكرية دون تردد ضد التنظيمات خارج الحدود عندما يجب القيام بذلك، وفق تصريحات صحفية نقلتها “الأناضول”.
وكان البرلمان التركي وافق، في 26 من تشرين الأول الماضي، على المذكرة الرئاسية التي تمدد تفويض رئيس الجمهورية، بإرسال قوات تركية إلى سوريا والعراق لمدة عامين إضافيين، بدءًا من 30 من تشرين الأول الماضي.
الوجود العسكري سيّد التصريحات
خلال مؤتمر صحفي جمعه بنظيره المصري، جدد وزير الخارجية الروسي، سيرغي لافروف، في 4 من تشرين الأول الماضي، التأكيد على قرار مجلس الأمن رقم “2254”، الذي ينص على وحدة وسلامة الأراضي السورية، ووفقًا للقرار، فالقوات المسلحة التي جرت دعوتها يحق لها الوجود في ذلك البلد، وهذا لا يشمل القوات الأمريكية، وقوات الشركات العسكرية، وفق قوله.
كما لفت لافروف إلى تصريحات سابقة للرئيس التركي تؤكد أن سوريا دولة مستقلة، مشيرًا إلى أن أنقرة ستحترم سيادة ووحدة أراضي هذا البلد، أي سوريا.
تصريحات لافروف التي تنطلق من باب دعوة رئيس النظام السوري، بشار الأسد، الروس إلى التدخل رسميًا في العملية العسكرية في سوريا منذ أيلول 2015، والحديث عن الوجود العسكري المتعدد الجنسيات، يتعارض مع تصريحات المتحدث باسم الرئاسة التركية، إبراهيم قالن، الذي قال خلال مقابلة صحفية مع مجلة “دير شبيغل” الألمانية، قبل ثلاثة أيام من حديث لافروف، إن “لتركيا الحق في دخول سوريا، كما روسيا والولايات المتحدة”.
وأكد قالن حينها، أن بلاده لا تطمع في أراضي سوريا، لكنها اضطرت إلى اتخاذ هذه الخطوة، في إشارة إلى دخول سوريا، من أجل أمنها وأمن السوريين في المنطقة، ضمن رده على الاتهامات التي توجّه لتركيا على أنها “قوة احتلال في سوريا”.
الموقف الروسي من الوجود الأمريكي في سوريا، لا يختلف كثيرًا عن موقف موسكو من وجود أنقرة هناك، مع اختلاف في مباشرة الرسائل والتصريحات، إلى جانب حالة الشراكة السياسية بين أنقرة وموسكو في مسار محادثات “أستانة” بالإضافة إلى إيران.
وقال لافروف، إن الوجود العسكري الأمريكي في سوريا سينتهي عاجلًا أم آجلًا، مؤكدًا خلال مقابلة مع قناة “روسيا اليوم”، في 22 من كانون الأول الحالي، أن ” الأمر معروف للجميع، الأهداف الحقيقية للوجود الأمريكي في سوريا واضحة، فقد سيطروا على الحقول النفطية والأراضي الزراعية في شرق الفرات، وشرعوا في التشجيع على الانفصالية الكردية”.
وخلال مقابلة عبر الفيديو أجراها مع قناة “الميادين”، في 22 من كانون الأول الحالي، أكد الجعفري غياب أي معلومات واضحة من مصدرها تشير إلى انسحاب أمريكي أو تركي من سوريا، متهمًا واشنطن بـ”التلاعب ببطاقة (داعش) والإرهاب، فوق الأرض السورية، وفوق الأرض العراقية إلى حد ما”.
وشدد الجعفري على أن “قرار القيادة السورية والجيش السوري والحكومة والشعب ألا يبقى جندي أجنبي محتل فوق الأرض السورية”.