أعياد الميلاد.. هل يرسم الجمهور السوري تغطيات وسائل الإعلام

  • 2021/12/26
  • 9:19 ص

زينة أعياد الميلاد في حي باب شرقي في العاصمة السورية دمشق - 2018 (رويترز)

عنب بلدي – جنى العيسى

مع انتهاء كل عام ميلادي، تنتشر صور لشجرة عيد الميلاد وتحضيرات “الكريسماس” على مواقع التواصل الاجتماعي حول العالم.

وترافق هذه الفترة من كل سنة بهجة ينتظرها كثيرون ربما، بينما تظهر تعليقات بعض المستخدمين السوريين على “فيس بوك” ردود فعل لا تعكس بهجة الأعياد، تدور حول مشكلاتهم اليومية التي تضغط عليهم ولا ترتاح حتى في عطلة الأعياد.

ووفقًا لتعليقات على خبر ارتفاع تكاليف شجرة الميلاد في العام الحالي، أبدى معظم المستخدمين استياءهم من الحديث عن هذا الموضوع، في ظل عدم وجود الكهرباء لتشغيل أضواء الشجرة، لافتين إلى عدم وجود المازوت الذي قد يحوّل سهرتهم المظلمة إلى سهرة دافئة.

ولم تخلُ التعليقات من عبارات السخرية التي انتقدت وسيلة الإعلام لمجرد حديثها عن هذا الموضوع، في ظل الوضع الاقتصادي والمعيشي الصعب الذي يعانيه السوريون، فكتبت إحدى المعلّقات، “أقسم بالله فايقين ورايقين”، وقال شخص آخر بلغة تهكم، “الله يجعلها أكبر المصايب”، في إشارة إلى أن ما تتحدث عنه وسائل الإعلام “تسخيف” لهموم الناس الأولى اليوم.

وقد تؤثر ردود فعل الجمهور السوري على ما تنشره وسيلة الإعلام من أخبار يعتبرونها من “الكماليات”، لبعدها عن صلب اهتمامهم المعيشي والاقتصادي، في تغطيات الوسيلة لأخبار “منوّعة”، ربما قد تتجاهل التطرق إليها أحيانًا خشية انتقادات الجمهور.

“التغطية المتوازنة” تدحض الانتقادات

تسعى وسائل الإعلام المهتمة بالشأن السوري لترتيب أولوياتها وفقًا لأولويات الجمهور وحاجاته، بناء على علاقة تبادلية مع الجمهور تعكس اهتمامات الآخر وتوجهه، بحسب ما أوضحته رئيسة التحرير في موقع “سيريا برس”، غصون أبو الذهب.

وأضافت أبو الذهب، في حديث إلى عنب بلدي، أن ترتيب الأولويات لا يمنع وسيلة الإعلام من التطرق إلى مواضيع عديدة، خاصة تلك المرتبطة بالأعياد والفرح، مشيرة إلى أن التنوع في نشر المواد المختلفة يلبي رغبات الجمهور أيضًا.

واعتبرت أبو الذهب أن الحديث عن “شجرة الميلاد” وتكاليفها اليوم في سوريا قد لا يكون من الأولويات بالنسبة إلى الجمهور، في ظل الأزمات المتربصة به، لكن إشاعة الأمل والتسلية والترفيه هي أحد أدوار الإعلام، طالما أن الوسيلة الإعلامية متوازنة في تغطياتها، وتفرد المساحات المناسبة وفقًا لطبيعة الخبر.

وأكدت أبو الذهب أن التغطية المتوازنة للأخبار بمختلف أنواعها مؤشر على مهنية الوسيلة الإعلامية، الأمر الذي يكفل دحض أي انتقادات قد توجه إليها.

ولا ترى أبو الذهب أي مانع من نشر أخبار قد لا تكون ضمن اهتمامات فئة معيّنة من الجمهور، مشيرة إلى أن الهدف منها لا يكون “تسخيف معاناة الآخرين” في ظل الظروف المعيشية الحالية، “فالحياة مستمرة بحلوها ومرها”، بحسب تعبيرها.

القرار للسياسة التحريرية

من جهتها، ترى رئيسة تحرير راديو “روزنة”، لجين الحاج يوسف، أن تجاهل الأخبار المتعلقة بشجرة عيد الميلاد من عدمه، مرهون بالسياسات التحريرية الخاصة بالمؤسسات الإعلامية، ونظرتها إلى شكل وحجم تغطيتها الإخبارية، فلا وجود لقاعدة صحيحة أو قاعدة خاطئة في هذا الشأن، بحسب تعبيرها.

وأضافت الحاج يوسف، في حديث إلى عنب بلدي، أن تقديم القضايا المُحقة من واقع الإنسان السوري اليوم، لن يُشعر أيًا من الأطراف بالغبن، معتبرة أن الانهيار الاقتصادي وآثاره على الناس في أي مكان داخل سوريا هو واحد، وفقدان الإحساس بالأمان هو شعور مشترك بينهم، والنزوح واللجوء يعاني منه الجميع، في مختلف المناسبات سواء عيد الأضحى أو الفطر أو الميلاد.

ولا تعتقد الحاج يوسف وجود أي مبرر لتخوف وسائل الإعلام من نشر أخبار تتعلق بشجرة الميلاد في ظل الظروف الحالية، في دلالة على احترام السوريين في معظمهم لخصوصيات الآخرين الدينية وعاداتهم وتقاليدهم.

كما أكدت لجين الحاج يوسف دور وسائل الإعلام في دعم السلم المجتمعي، خاصة في سوريا التي تعاني من النزاع منذ سنوات، من خلال دعم بناء الهويات المشتركة وأسس صناعة السلم المجتمعي والحفاظ عليه.

واستعرضت الحاج يوسف صورًا لشجرة الميلاد شاركتها منصات راديو “روزنة” في الأعوام السابقة، وقالت إنه لم يحدث أن وصل إليها أي اعتراض أو انتقاد على تلك المنشورات.

 ما رأي الجمهور؟

وسائل الإعلام “ممثلة” للجمهور “الغاضب”

من جهته، فسّر الصحفي والباحث الاجتماعي سلطان جلبي، حالة تخوف بعض وسائل الإعلام من الانتقادات التي قد تتعرض لها في حال نقلها أخبارًا “كمالية” لا أولوية بالنسبة إلى الجمهور، بطبيعة العلاقة بين وسائل الإعلام والجمهور، التي غالبًا ما تكون “جدلية في عمومها”.

وأوضح جلبي، في حديث إلى عنب بلدي، أن طبيعة تلك العلاقة تختلف من مكان لآخر، وتحكهما البيئة والسياق أيضًا.

ويرى الباحث الاجتماعي أن العلاقة بين وسائل الإعلام السورية والجمهور اليوم علاقة تفاعلية، لكنها تميل بحد كبير إلى “هيمنة” الجمهور على وسائل الإعلام، نظرًا إلى ظروف الجمهور “الاستثنائية”.

وأضاف جلبي أن الجمهور السوري وبسبب مروره بتجارب أليمة، هو بشكل ما “جمهور غاضب”، فأغلبه من اللاجئين أو النازحين أو من سكان مناطق تعاني من ظروف صعبة، ومن الوارد جدًا أن يكون تعليقهم الأول على الأخبار “الخفيفة الفَرِحة” التي تنقلها وسيلة الإعلام، “أنتم أين، ونحن أين”.

وشرح جلبي سلوك الجمهور هذا، باعتبارات يراها الجمهور في منصات وسائل الإعلام السورية المعارضة بأنها ممثلة عنه، ولا ينتظر منها إلا تصوير معاناته، والتركيز على أولوياته وهمومه واحتياجاته، غير متوقع منها أن تأخذه إلى مكان آخر أو إلى بيئة ثانية لا يستطيع أن يعيشها.

ويرى جلبي أن ذلك لا يجب أن يشكّل مانعًا لدى وسائل الإعلام بنقل الأخبار “المنوعة، والترفيهية”، أو يجعلها تنساق وراء رغبات الجمهور، بل من الممكن أن تعمل تدريجيًا على أن تقود هذا الجمهور وتنمّي ذائقته، في ظل الظروف الصعبة على جميع السوريين.

وبحسب بيانات لبرنامج الأغذية العالمي، يعاني الآن حوالي 12.4 مليون شخص (ما يقرب من 60% من السكان) من انعدام الأمن الغذائي، ولا يعرفون من أين ستأتي وجبتهم التالية، وهذا أعلى رقم سُجل في تاريخ سوريا بزيادة نسبتها 57% على عام 2019.

كما تعيش سوريا حالة من التدهور الاقتصادي، تتجلى بخسارة الليرة السورية أكثر من 90% من قيمتها، ما انعكس سلبًا على معيشة المواطنين، وفاقم أزمات الغذاء ونقص المحروقات.

مقالات متعلقة

مجتمع

المزيد من مجتمع