منظمات سورية تستخدم “البودكاست” في توثيق ذاكرة الضحايا

  • 2021/12/26
  • 9:04 ص

عنب بلدي – صالح ملص

تتجه وسائل إعلام ومنظمات سورية ودولية معنية بحقوق الإنسان، إلى إعداد بودكاست يستند في فكرته الأساسية إلى إجراء مقابلات مع أفراد سوريين عاشوا تجاربهم في انتهاك حقوقهم من قبل أطراف النزاع داخل سوريا.

يقدم أولئك الأفراد معلومات عن أحداث سابقة شهدوها أو سمعوا عنها، ضمن عملية تسجيل تاريخ لعدد من ضحايا انتهاكات حقوق الإنسان، بالإضافة إلى استضافة مختصين حقوقيين لمواكبة محاكمة مرتكبي تلك الانتهاكات في أوروبا، لتمثل هذه المشاريع في التدوين الصوتي سجلًا للماضي بالنسبة إلى الأجيال في المستقبل، تفيدهم في فهم ما جرى خلال العقد الأخير في سوريا من ناحية حقوقية.

محاكمات ضبابية

يستمد هذا النوع من البودكاست أهميته من البيانات والمعلومات التي يحملها، في الوقت الذي تنعدم فيه مقدرة الجمهور السوري على الوصول إلى ما يدور داخل تلك المحاكمات.

في تشرين الثاني الماضي، أصدر “المركز السوري للعدالة والمساءلة” بودكاست “عدالتي“، الذي يتناول ملفات العدالة والمحاكمات التي تجري في المحاكم الأوروبية ضد سوريين متهمين بارتكاب جرائم حرب، وجرائم ضد الإنسانية في سوريا.

كما يناقش “عدالتي”، بالتعاون مع حقوقيين ومستشارين قانونيين، الاختصاص القضائي العالمي في القضاء الوطني الأوروبي، والمبادئ القانونية التي تستند إليها القضايا القائمة حاليًا فيما يخص انتهاكات حقوق الإنسان داخل سوريا، والتحديثات التي تشهدها تلك القضايا، بالإضافة إلى الحوارات القانونية المتعلقة بها من أجل الحصول على الدروس المكتسبة منها.

كان هدف “عدالتي” بالدرجة الأولى هو وصول المعلومات، وسير المحاكمات بكل تفاصيلها إلى الجمهور السوري بشكل خاص، من خلال شرح كل مجريات المحاكمات، وفق ما قالته الإعلامية ومقدمة بودكاست “عدالتي” راما العامر في حديث إلى عنب بلدي.

منذ عام 2015، بدأت جهود المنظمات الحقوقية السورية في محاكمة الجناة بعدة بلدان أوروبية، المحاكمات السابقة “كانت ضبابية وتأخرت في بعض الأحيان بإيصال المعلومات إلى السوريين”، وفق ما تراه العامر.

وهناك جهود متفرقة من قبل صحفيين وناشطين مستقلين سوريين ينفذون مهمة جمع المعلومات المتعلقة بالمحاكمات القائمة في أوروبا، المرتبطة بملف حقوق الإنسان في سوريا، أبرزها “كوبلنز”، إلا أن “المركز السوري للعدالة والمساءلة” أراد بإعداد هذا البودكاست أن يؤرشف تفاصيل المحاكمات بشكل رسمي من جهة حقوقية “مسؤولة ضمن معايير ذات ثقة ومصداقية حريصة على وصول الحقيقة إلى جميع السوريين، ويسخّر خبراتنا جميعًا في سبيل تحقيق هذه الغاية”.

واختيار وسيلة التدوين الصوتي، بالإضافة إلى البث المباشر الخاص بالبودكاست عبر “فيس بوك”، كان بسبب سهولة الوصول إلى الجمهور، مع تزايد الاهتمام بهذا النوع من التواصل، وفق ما تراه العامر.

ويشارك في تقديم وإعداد بودكاست “عدالتي” بالإضافة إلى العامر، الصحفي السوري كرم الشوملي، الذي يعتقد أن أحد أبرز الأهداف الأخرى من هذه المبادرة، هو تعريف المشاهدين والمستمعين الذين قد يكونون شهودًا أو ضحايا بحقوقهم، وبقدرتهم على إيصال صوتهم والتقدم بشكوى أو إفادة أو حتى رفع دعوى عبر خبراء المركز الموجودين بعدة بلدان غربية، إما عن طريق التمثيل القانوني، وإما عبر تقديم النصيحة والمشورة، أو حتى الدعم النفسي.

الذي يميز هذا البودكاست، وفق ما يراه الشوملي، هو أنه يصدر من قبل منظمة حقوقية وليست وسيلة إعلامية، يعتبر أعضاؤها من المختصين والمشاركين الرئيسين في رفع دعاوى ضمن ملف حقوق الإنسان في سوريا.

كما سيتابع “عدالتي” محاكمة الطبيب السوري علاء موسى، الذي ألقت السلطات الألمانية القبض عليه في 19 من حزيران 2020، المتهم بتعذيب المعتقلين وحرق أعضائهم التناسلية في أثناء عمله طبيبًا لدى النظام السوري.

ومصادر المعلومات في البودكاست المرتبط بمحاكمة الطبيب موسى متعددة، وفق ما قالته الإعلامية راما العامر، “تأتي مصادرنا عبر الصحفيين العاملين معنا في المركز السوري والموجودين في محاكمة الطبيب السوري علاء.م، والذين يرسلون إلينا تقارير عما يحدث في قلب المحكمة”.

بالإضافة إلى التقارير الحقوقية من المنظمات المعنية، وتقارير صحفية تُلخص وتُفهم من قبل فريق الإعداد، ويتم استضافة الخبراء للتعليق على مجريات المحاكمة بحسب الموضوع محل التناول.

قصص يجب سردها

بالإضافة إلى بودكاست “عدالتي”، هناك تجارب مماثلة في توثيق محاكمات حقوق الإنسان السورية في أوروبا، أبرزها بودكاست “الفرع 251“.

يأخذ بودكاست “الفرع 251″ المستمع إلى قلب أول محاكمة جنائية في العالم تتناول جرائم الحرب والجرائم ضد الإنسانية، والتي ارتكبها ضباط ومسؤولون سوريون تابعون لإدارة المخابرات السورية.

أُطلق اسم هذا البودكاست على اسم الفرع الأمني “251” التابع للمخابرات السورية بدمشق (المعروف أيضًا باسم فرع “الخطيب” بسبب موقعه).

ويحاكَم خلال هذه الفترة رئيس قسم التحقيق في الفرع “251” أنور رسلان، بينما حُكم على العنصر السابق الذي كان يعمل في الفرع نفسه إياد الغريب، في شباط الماضي، بالسجن لمدة أربع سنوات ونصف السنة، لإدانته بالتواطؤ في ارتكاب “جرائم ضد الإنسانية”.

ويتوفر هذا البودكاست باللغتين العربية والإنجليزية، وتكمن أهميته في نقل تطورات المحاكمة، كون محكمة “كوبلنز” قررت في وقت سابق حظر التسجيلات الصوتية لجلسات الاستماع في المحاكمة، ولذلك يعد الوصول إليها من قبل الجمهور السوري أمرًا صعبًا.

وقال المحامي المختص بقضايا حقوق الإنسان، والمؤسس والمنتج التنفيذي لبودكاست “الفرع 251″، فريتز ستريف، إنه “عندما بدأت المحاكمة في كوبلنز، أردت معرفة ما إذا كان يمكن استخدام البث الصوتي كوسيلة لتصوير ومتابعة المحاكمة، وفي الوقت نفسه سرد القصص السياقية للقضية. أدركت أن هذا لم يحدث من قبل في مجال العدالة الدولية. جزء من السبب كان ولا يزال أن هذه حالات وقصص معقدة يجب سردها”.

وأضاف ستريف في حديث إلى عنب بلدي، أن “المدونة الصوتية هي وسيلة تفاعلية للغاية، وهي أيضًا وسيلة ديمقراطية وشاملة، إذ يمكن لأي شخص لديه هاتف ذكي أو إنترنت الوصول إليه مجانًا، ويتم إجراؤها بلغات مختلفة”.

وأسهم بودكاست “الفرع 251” في سد بعض فجوات الاتصال والتواصل من المحكمة والمحاكمة إلى المهتمين بها، خصوصًا المجتمع السوري، “رأينا كيف يمكن استخدام البودكاست بنجاح لرواية هذه القصص، لترجمة التقنيات القانونية إلى لغة سهلة الفهم ويمكن الوصول إليها”، وفق ستريف.

“سنستمر في إنشاء مدونات صوتية حول هذه الأنواع من القصص، وهذه الأنواع من التجارب. لدينا مشروع كهذا قيد الإعداد حول تجارب أخرى تتعلق بسوريا في ألمانيا وفي بلدان أخرى أيضًا. نحن نخطط لبثه في العام المقبل وفي عام 2023″، وفق ما قاله ستريف.

وضمن أجواء إعداد حلقات “الفرع 251″، أوضح ستريف، “نحن فريق من منتجين ومقدمين ومراسل محكمة وأنا. نسهم جميعًا في الحلقات التي ننتجها بطريقة أو بأخرى. في بعض الأحيان يكون أحدنا هو المؤلف والمنتج الرئيس، والآخرون يقدمون الأفكار ويساعدون في عملية التحرير. ومرة أخرى يكون لشخص آخر الدور القيادي”.

و”لكل حلقة نقوم بتجميع الأفكار والمصادر بشكل فردي ثم نجمعها. ومن المصادر المهمة الدائمة للمعلومات من قاعة المحكمة، بالطبع مراسلة المحكمة، يمكن أن تشمل المصادر الأخرى أشخاصًا من شبكاتنا المهنية، وخبراء في موضوعات معيّنة نتعامل معها في إحدى الحلقات، على سبيل المثال المحامون، والمعلقون السياسيون، وعلماء النفس، والصحفيون”، وفق ما أضافه ستريف.

كما توجد “مصادر مجهولة للحصول على معلومات أساسية من شبكتنا من الزملاء السوريين”، وفق ما قاله ستريف، الذي يعتقد بأن “قصة هذه المحاكمة (محاكمة كوبلنز) هي قصة سورية، ويجب أن يرويها السوريون قدر الإمكان”، لذلك “نهدف إلى العمل قدر الإمكان على قصصنا مع الزملاء السوريين والناجين وعائلاتهم وأصدقائهم”.

وعلى الرغم من أن تفاعل الجمهور السوري في ألمانيا مع محاكمة “كوبلنز” “صعب عمليًا في كثير من الأحيان، لأن المحكمة في مدينة ألمانية نائية بعيدة عن الكثيرين”، يعتقد ستريف أن “من الطبيعي أن يشعر السوريون بملكية المحاكمة من خلال سرد القصص عبر البودكاست”.

 

بيئة ملائمة

في كانون الأول الحالي، أصدر مركز “السياسات وبحوث العمليات” دراسة بعنوان “البودكاست السوري: فهم الجمهور وسبر إمكانيات التوسع“، وخلصت هذه الدراسة  إلى أن الفضاء التواصلي السوري يشكّل بيئة ملائمة لنمو وتطور البودكاست بدرجة كبيرة، وهو ما يدلّل عليه ارتفاع نسب الوصول إلى الإنترنت بين السوريين، ومعدلات استخدام الهواتف الذكية والاعتماد عليها في الوصول إلى المواد الإعلامية.

وبحسب الدراسة، فإن جمهور البودكاست السوري يتألف بصورة أساسية من الشباب، بين 15 و34 عامًا، وأن نسبة النساء اللواتي يستمعن إلى البودكاست أعلى من نظيرتها بين المستجيبين الرجال، وأن السوريين داخل البلاد أكثر متابعة للبودكاست ممن هم في الخارج.

ومستوى التعليم لا يكون له أثر كبير في استماع الفرد للبودكاست، وفق نتائج الدراسة، إلا أن نسبة كبيرة من عيّنة الدراسة المؤلفة من 600 مستجيبة ومستجيب داخل وخارج سوريا، لم يسبق لها أن سمعت بالبودكاست، وهو ما يشير إلى الحاجة لجهود أوسع في مجال التعريف بهذا النوع من الإعلام الرقمي والترويج له.

مقالات متعلقة

مجتمع

المزيد من مجتمع