د. أكرم خولاني
ألم الصدر من الأعراض المرضية التي تؤدي إلى القلق عند حدوثها، فمن الممكن أن يكون عرضًا لعدد من الحالات المرضية الخطيرة، وأهمها المشكلات القلبية، لذلك عمومًا يعتبر حالة طارئة، وعلى الرغم من أن ألم الصدر قد لا يكون مرتبطًا بمشكلة في القلب، فإن الحالات غير القلبية قد تكون خطيرة أيضًا، لذلك لا بد من التعريف بأهم مسببات الألم الصدري وكيفية التعامل معها.
كيف يتظاهر الألم الصدري
يختلف شكل الألم وحدّته ومدته وانتشاره والأعراض المصاحبة له من حالة مرضية لأخرى، وهذا قد يساعد في التوصل لتشخيص السبب، فقد يحدث ألم الصدر على إحساس بالطعن أو النخز أو على شكل حرقة أو كإحساس بالضغط على الصدر.
وقد يكون محصورًا في الصدر أو قد ينتقل إلى مناطق أخرى في الجسم، مثل الرقبة والذراع اليمنى أو اليسرى والعمود الفقري الرقبي والظهر وأعلى البطن.
وقد يستمر الألم للحظات أو دقائق وقد يستمر لساعات، كما أنه قد يحدث بشكل حاد أو قد يتكرر على شكل نوبات.
وتتضمّن الأعراض الأخرى التي قد ترافق ألم الصدر حسب السبب: الغثيان والتقيؤ والدوار وضيق التنفس والقلق والتعرق.
ما أسباب الألم الصدري؟
أهم الأسباب المؤدية إلى حدوث ألم صدري عند البالغين هي الأسباب المرتبطة بالقلب، وهناك أسباب مرتبطة بالجهاز الهضمي، وأسباب مرتبطة بجدار الصدر، وأسباب مرتبطة بالرئتين، وأسباب نفسية.
الأسباب المرتبطة بالقلب، ومنها:
النوبة القلبية: تحدث النوبة القلبية نتيجة إعاقة جريان الدم في أحد الأوعية المغذية لعضلة القلب نتيجة انسداده، ويحدث ألم في منتصف الصدر يستمر لأكثر من 15 دقيقة، أو ثقل أو ضغط أو ضيق بالصدر، أو شعور بعدم الارتياح يمتد إلى الكتفين أو الذراع اليسرى أو الذراعين أو الظهر أو العنق أو الفك أو الأسنان، وربما يصل إلى الجزء العلوي من الأمعاء في بعض الحالات، مع غثيان، أو عسر هضم، أو حرقة في المعدة، أو ألم في أعلى البطن، مع ضيق في النفس، ودوخة، أو دوار، أو إغماء، مع تعرُّق غزير وبارد.
الذبحة الصدرية: الذبحة الصدرية هي ألم في الصدر ينتج عن انخفاض معدل جريان الدم إلى عضلة القلب، وذلك نتيجة تضيّق الشرايين التي توصل الدم إلى عضلة القلب بسبب تراكم لويحات عصيدية سميكة على الجدران الداخلية لهذه لشرايين، وهذا يحدّ من قدرة القلب على إمداد الجسم بالدم، وبخاصة في أثناء بذل مجهود بدني.
تسلّخ الأبهر: الأبهر هو الشريان الرئيس الذي يحمل الدم من القلب إلى بقية الجسم، ففي حال انفصال الطبقات الداخلية لهذا الشريان ينحصر الدم بين تلك الطبقات، وقد يتسبب في تمزق الشريان، وهي حالة خطيرة تؤدي إلى الوفاة في حال عدم علاجها بشكل إسعافي، وتتميز هذه الحالة المرضية بحدوث ألم شديد في الصدر أو ألم في أعلى الظهر، وغالبًا ما يوصف بأنه إحساس بالتمزق أو التمزيق أو القص، وينتشر في الرقبة أو أسفل الظهر، مع فقدان الوعي، وضيق النفس، وصعوبة مفاجئة في الحديث، أو فقدان البصر، أو ضعف أو شلل جانب واحد من الجسم كما في الاصابة بسكتة دماغية، والتعرُّق الغزير، وضعف النبض في ذراع واحدة مقارنة بالأخرى.
التهاب التأمور: التأمور هو الكيس المحيط بالقلب، وتسبب هذه الحالة عادة ألمًا حادًا يسوء مع الشهيق أو الاستلقاء.
الأسباب المرتبطة بالجهاز الهضمي، ومنها:
- الارتجاع المعدي المريئي: يحدث شعور بالحرقة والألم في منتصف الصدر نتيجة ارتداد حمض المعدة إلى المريء، وهو الأنبوب الذي يصل بين الحلق والمعدة.
- اضطرابات المريء: يمكن أن تتسبب اضرابات المريء في صعوبة البلع وكذلك الشعور بالألم في الصدر.
- اضطرابات المرارة أو البنكرياس: يمكن أن تتسبب حصوات المرارة أو التهاب المرارة أو البنكرياس في الشعور بألم في أعلى البطن يمتد إلى الصدر.
- الأسباب المرتبطة بجدار الصدر، إذ تؤدي بعض المشكلات التي تؤثر على العناصر المكوّنة لجدار الصدر من عظام وعضلات إلى ألم، ويشمل ذلك ما يأتي:
- التهاب الغضروف الضلعي: في هذه الحالة، تصبح الغضاريف التي تربط أضلاع القفص الصدري بعظم القص في منتصف الصدر، ملتهبة ومؤلمة.
- التهاب العضلات: يمكن أن تسبب متلازمات الألم المزمنة، مثل الألم الليفي العضلي، ألمًا مستمرًا في الصدر.
- الرضوض: قد تسبب الكدمات على الصدر أو كسور الأضلاع ألمًا في الصدر.
- الحلأ النطاقي (زنار النار): وتنتج هذه الحالة عن استعادة فيروس جدري الماء نشاطه، وتسبب ألمًا وشعورا بالحرق وعددًا من البثور حول جدار الصدر تبدأ من الخلف عادة.
الأسباب المرتبطة بالرئتين، ومنها:
- الصمة الرئوية: جلطة دموية في أوعية الرئة تعوق وصول الدم إلى الأنسجة الرئوية (انصمام رئوي)، فيحدث ألم حاد مفاجئ بالصدر مصحوب غالبًا بضيق التنفس، أو ضيق النفس المفاجئ غير المبرر ولو دون ألم، مع سعال يمكن أن يؤدي إلى بصاق دموي، وسرعة ضربات القلب، وتعرق غزير غير مبرر.
- التهاب الجنب: الجنب هو الغشاء الذي يغطي الرئتين، ويمكن أن يسبب التهابه ألمًا في الصدر يتفاقم عند الاستنشاق أو السعال.
- انخماص الرئة: يحدث انخماص الرئة عندما يتسرب الهواء إلى الحيّز الواقع بين الرئة والأضلاع، ويبدأ ألم الصدر المرتبط بانخماص الرئة عادة بشكل مفاجئ، ويمكن أن يستمر لساعات، ويقترن عمومًا بضيق النفس.
- ارتفاع الضغط الرئوي: يُقصد به ارتفاع ضغط الدم في الشرايين الرئوية، وتؤثر هذه الحالة على الشرايين التي تنقل الدم إلى الرئتين، ويمكن أن تسبب ألمًا في الصدر.
- الأسباب النفسية: يحدث الألم الصدري في الغالب بسبب القلق أو الوسواس القهري أو الاكتئاب أو نوبة الهلع، وهذا أمر طبيعي، وتحدث نوبة الهلع على شكل شعور بالخوف الشديد مصحوب بألم في الصدر وسرعة في ضربات القلب وتسارع في التنفس، وتعرق غزير وضيق في النفس وغثيان ودوخة وإحساس بالتنميل أو بالوخز حول الشفتين واليدين والقدمين، وفقدان السيطرة على الجسم وخوف من الموت.
أما عند الأطفال ففي معظم الحالات يحدث ألم الصدر نتيجة خمج في الرئة، أوالإصابة في العضلات أو العظام، أوالقلق، وخلافًا لما يحدث للبالغين، فإن الأسباب القلبية هي أسباب نادرة لألم الصدر عند الاطفال.
كيف يتم التعامل مع حالة الألم الصدري؟
على الرغم من أن الألم الصدري قد لا يكون مرتبطًا بمشكلة في القلب، فإن الأسباب غير القلبية قد تكون خطيرة أيضًا، لذلك يجب عدم محاولة المريض تشخيص الحالة بنفسه، إنما مراجعة الطبيب لنفي وجود مشكلة خطيرة، وفي حال كان الألم حادًا فيجب استدعاء سيارة الإسعاف والتوجه إلى قسم الطوارئ في أقرب مستشفى.
يتبع الأطباء منهج استبعاد الأسباب الأكثر خطورة لآلام الصدر في البداية، مثل نوبة قلبية أو تسلّخ أبهر أو صمة رئوية، ولذلك يقوم الطبيب بأخذ قصة مرضية مفصلة، ويجري الفحص السريري، وبذلك غالبًا ما يستطيع فصل الأسباب الخطيرة عن الأسباب الأقل خطورة أو الأسباب التافهة للألم الصدري، وبناء على ذلك قد يطلب إجراء بعض الاختبارات، مثل:
- تخطيط القلب الكهربائي (ECG).
- صور أشعة سينية للصدر و/ أو البطن.
- تصوير طبقي محوري (CT scan) للصدر و/ أو البطن.
- تصوير الأوعية الرئوية عند الاشتباه بالانصمام الرئوي.
- تحاليل دم مخبرية: تعداد دم كامل، وظائف كبد، وظائف بنكرياس، وظائف كلى، خمائر عضلية (توربونين، وكرياتين كيناز)، و”D Dimer”.
قد لا يكتشف الطبيب سببًا محددًا للألم فيكون التشخيص المبدئي “آلامًا صدرية غير مفسرة”، ويطلب الطبيب إجراء فحوصات إضافية، ولكن المهم في هذه الحالات هو استبعاد الأسباب الخطيرة للألم وطمأنة المريض، ومتابعة دراسة الحالة للكشف عن سبب ما غير ظاهر.
وبعد الوصول إلى التشخيص، يتم العلاج بالشكل المناسب لكل حالة مرضية، فبعض الحالات تحتاج إلى دخول وحدة العناية المركّزة، وبعضها يحتاج إلى المكوث في المستشفى، وبعضها يعالَج خارجيًا.