البرد والجوع والطائرات

  • 2021/12/26
  • 9:06 ص

إبراهيم العلوش

لا تحتاج روسيا اليوم إلى قصف مخيمات الشمال السوري، فالأحوال الجوية تقوم بذلك، وتعيد تهجير السوريين من مخيماتهم، والعاصفة الجوية أخلت مئات الخيام، وفي ليلة واحدة فقط، قضت 70 عائلة الليل في العراء وسط الهطول المطري والبرد القارس.

الأخبار التي تتداولها وكالات الأنباء عن أوضاع السوريين في المخيمات تعج بالمآسي، وتعرض وكالات الأنباء صور الواقفين وسط البرد مع عائلاتهم، وصور المتطوعين الذين يحاولون إخراج المياه من الخيام وتنشيف أرضياتها، وبحيرات الوحل التي يخوض فيها الصغار بين الخيام، وهذه كارثة إنسانية تتعامى الجهات السياسية والإغاثية عنها بشكل يثير الألم.

البازارات السياسية على السوريين تمتد بين الروس والأمريكيين ببرود أعصاب وبغير اكتراث بما يحدث للسوريين، ويقول جيمس جيفري في مقابلة مع صحيفة “الشرق الأوسط”، لقد نجحنا في إغراق الروس بالمستنقع السوري. وهو لا يعطي أي أهمية لإغراق السوريين في المستنقع طوال السنوات الماضية، ولا يزال يلمّح إلى أن البازارات مع الروس جارية، وآخر أهم بازار كان في العام 2019، عندما رافق جيمس جيفري وزير الخارجية الأمريكي بومبيو، في زيارته إلى الرئيس الروسي، فلاديمير بوتين، الذي رفض الصفقة، ويبدو أنه مصرّ على متابعة عروض المآسي السورية بتشفٍّ وإصرار حتى يخضع السوريون جميعًا لسلطة بشار الأسد ولمخابراته الوحشية.

وإيران بدورها تضع سوريا ومآسي شعبها على طاولة المفاوضات في فيينا المنعقدة حاليًا مع الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي والصين وروسيا، وتنتظر تنازلات من أجل حماية نظامها قبل أي تنازل من قِبلها في الملف السوري الذي فاقمت مصائبه منذ تدخلها عام 2011 مع النظام، هي و”حزب الله” ضد إرادة السوريين وضد حلمهم بالكرامة.

الأتراك أيضًا يطالبون الأمريكيين والروس بالدخول في بازارات قبل إجراءات الحل السوري، ويقدمون أمنهم على أمن غيرهم، في الوقت الذي يتدفق إلى حدودهم المزيد من ضحايا القصف الروسي ومن التهجير الإيراني، وقد نقلت صحيفة “الشرق الأوسط” إعلانًا إيرانيًا للسوريين في محيط دير الزور والبوكمال: “إما الخضوع للميليشيات الإيرانية أو الرحيل”!

تقول امرأة في المخيم: “فوق ما تركنا بيوتنا وتهجّرنا، نعيش بهالعذاب”!

ويطالب رجل أربعيني بالخيام وبالأغطية، ويقول إن ثياب الأطفال امتلأت بالماء بسبب المطر والفيضان!

ويركض عدة أطفال في البرد، ويظهر شاب وهو يفتح قناة مائية لإخراج الماء من الخيمة إلى الطريق!

وفي تصريح لقناة “الحرة” الأمريكية، يقول محمد حلاج، مدير فريق “منسقو الاستجابة في الشمال السوري”، إن أعداد المخيمات المتضررة نتيجة الهطولات المطرية ارتفعت منذ مساء الأحد (19 من كانون الأول الحالي) إلى 104 مخيمات، بينما انقطعت العديد من الطرقات المؤدية إليها، وتضررت أكثر من 1800 خيمة بشكل كبير جدًا، وأربعة آلاف خيمة تضررت بشكل بالغ، ويُقدّر عدد قاطني المخيمات بين مليون ومئتي ألف ومليون ونصف، حسب مصادر متعددة في الشمال السوري.

وكانت روسيا استعملت مجلس الأمن لمنع الإمدادات عن المخيمات خلال السنتين الماضيتين، وأغلقت ثلاثة منافذ للدعم الإنساني عبر استعمال “الفيتو” ضد تمديد وصول المساعدات عبر الحدود، بالإضافة إلى جهودها الدائمة في القصف والترحيل الذي صار مشهورًا في سجل الروس الذين لم يوفروا المستشفيات ولا المدارس، بالإضافة إلى الأسواق والمخيمات التي تعتبر صيدًا سهلًا لطياري سلاح الجو والفضاء الروسي، كما يسمى رسميًا كلما أبلغوا عن قصف جديد ضد المدنيين السوريين.

لا يزال الشتاء في أوله، والمآسي المقبلة ستكون أكثر قسوة على سوريّي المخيمات، ولم تقم حتى الآن أي جهة سورية معارضة من أجل تشكيل حملة لدعم سوريّي المخيمات وتجنيبهم المآسي المقبلة، وكذلك المنظمات الدولية حافظت على صمتها ولم تدعُ إلى حملة عالمية، ولا إلى جلسة لمجلس الأمن من أجل فتح المزيد من المعابر لمساعدة سكان المخيمات في الشمال السوري.

الفوضى لا تزال مشتعلة في مختلف مناطق الشمال السوري، ولا أحد يأبه بسكان المخيمات ولا باستغلالهم من قبل تجار الأراضي الذين يقيمون مخيمات في المناطق المنخفضة ويفبركون الصفقات لمصلحتهم في الصيف، إذ يقومون بغبن سكان المخيمات التي تستأجر الأراضي عن طريقهم، وهم عارفون بأنها ستفيض عليهم في الشتاء، وقد تناولت الكاتبة ابتسام شاكوش هذا الأمر بشكل متكرر في صفحتها على “فيسبوك”، وهي كانت سابقًا من سكان المخيمات خلال سنوات متعددة، وقد نددت بجشع التجار والوسطاء العقاريين الذين يرمون بسكان المخيمات إلى المزيد من المعاناة والعذاب، ولا أحد يحاسبهم على أفعالهم.

في الشمال يرزح السوريون في المخيمات تحت البرد، وفي الداخل السوري يعاني من ظل في بيته أو لجأ إلى مناطق النظام من الجوع والانقطاع الدائم للكهرباء والحرمان من الوقود، ولا أحد يأبه بمأساتهم، لا الطائرات الروسية ولا الميليشيات الإيرانية ولا الجيوش المتعددة التي تملأ الأنحاء الأخرى في الشمال والجنوب، والمزدحمة بالطائرات بلا طيار أو بأسراب الطائرات التي توزع القذائف والصواريخ والنيات الكاذبة في البحث عن حل.

وحده نظام الأسد يستثمر وجوده بين هذه الجيوش، ويوزع المزيد من الصور الملونة لبشار الأسد مع بوتين أو القادة الإيرانيين، ويردد مقولات النصر على المؤامرة المريخية!

مقالات متعلقة

مقالات الرأي

المزيد من مقالات الرأي