“مساعدات الخطوط” لا تغطي عجز الاستجابة الإنسانية في الشمال السوري

  • 2021/12/23
  • 6:09 م
شاحنة تحمل مساعدات إنسانية مقدمة من برنامج الغذاء العالمي إلى الشمال السوري- 9 كانون الأول 2021 (عز الدين القاسم/تويتر)

شاحنة تحمل مساعدات إنسانية مقدمة من برنامج الغذاء العالمي إلى الشمال السوري- 9 كانون الأول 2021 (عز الدين القاسم/تويتر)

جددت كل من روسيا والصين رفضها تمديد قرار إدخال المساعدات الإنسانية إلى الشمال السوري عبر معبر “باب الهوى”، بينما تزداد الاحتياجات الإنسانية لسكان الشمال والنازحين في المخيمات مع دخول فصل الشتاء وهطول الأمطار وانخفاض درجات الحرارة، إلى جانب الأوضاع الاقتصادية المتردية التي تمر بها المنطقة إثر انخفاض قيمة الليرة التركية.

سبق هذا الرفض مخاوف من استثمار روسيا لقضية المساعدات الإنسانية إلى الشمال السوري، إذ دخلت قافلة مساعدات أممية، في 9 من كانون الأول الحالي، إلى المنطقة من مناطق سيطرة النظام السوري عبر “خطوط التماس”، ولم يكن أمام حكومة “الإنقاذ” العاملة في المنطقة إلّا قبولها تحسبًا لـ”فيتو” روسي في حال منعها من الدخول.

خلال اجتماع مجلس الأمن حول الوضع السياسي والإنساني في سوريا، في 20 من كانون الأول، قال نائب المندوب الأمريكي لدى الأمم المتحدة، ريتشارد ميلز، إن المساعدة عبر الخطوط تكمل الآلية العابرة للحدود ولكنها لا تستطيع أن تحل محلها، مشيرًا إلى دعم بلاده كل الأساليب لتقديم المساعدة في سوريا.

ورفض ميلز إيقاف المساعدات عبر معبر “باب الهوى”، معتبرًا الآلية العابرة للحدود إحدى أقوى العمليات الإنسانية التي تخضع للمراقبة عن كثب.

وطالب وكيل الأمين العام للشؤون الإنسانية ومنسق الإغاثة في حالات الطوارئ، مارتن غريفيث، بتمديد قرار المساعدات عبر الحدود لستة أشهر، مشددًا على أن الحاجة في سوريا ضخمة ولا يمكن للمساعدات عبر الخطوط أن تغطيها.

كما أكدت الدول الأعضاء ضرورة السماح بتمديد المساعدات عبر الحدود في ظل تدهور الوضع الإنساني والاقتصادي في سوريا.

لكن المبعوث الروسي إلى سوريا، ألكسندر لافرنتييف، رفض تمديد المساعدات عبر الحدود، مشيرًا إلى أن السلام في سوريا مرتبط بتحقيق السيادة الكاملة للحكومة السورية، وفق تعبيره.

ودعا نائب مندوب الصين في الأمم المتحدة، داي بينغ، إلى تشكيل خطة إغاثة إنسانية عبر الخطوط مدتها ستة أشهر في الشمال الغربي، مؤكدًا ضرورة معالجة قضية السيادة السورية بشكل شامل.

اقرأ أيضًا: هل تمهّد روسيا لعرقلة “باب الهوى” بـ”خطوط التماس”؟

عجز دائم

تترقب المنظمات الإنسانية العاملة في المنطقة قرار التمديد لإدخال المساعدات الإغاثية من معبر “باب الهوى” الحدودي مع تركيا في وقت يوثقون فيه ازدياد الاحتياجات الإنسانية مع دخول فصل الشتاء.

ويحصل عجز بشكل دائم الاستجابة الإنسانية لاحتياجات مخيمات النازحين في الشمال السوري، بحسب مدير فريق “منسقو استجابة سوريا” العامل في الشمال السوري، محمد حلّاج.

تختلف الاحتياجات من مخيم لآخر، وتوجد بعض المخيمات المخدمة بالتغذية لكنها غير مخدمة بالتدفئة، والمخيمات العشوائية غير مخدمة بمعظم الاحتياجات الإنسانية، بحسب ما قاله حلّاج لعنب بلدي.

وأضاف حلّاج أن انخفاضًا واضحًا في عمليات الاستجابة الإنسانية لُوحظ خلال العام الحالي من خلال النشرة الشهرية لمراقبة المخيمات التي يصدرها فريق “منسقو الاستجابة” ويرصد من خلالها نسب الاستجابة والعجز، والسبب هو الفجوة الكبيرة بين الاحتياجات والتمويل المحدود.

وتحدث حلاج عن الرفض الروسي والصيني لتمديد إدخال المساعدات الإغاثية عبر معبر “باب الهوى” الحدودي مع تركيا وتمسكهما بإدخال المساعدات من مناطق سيطرة النظام عبر خطوط التماس، بسبب أن البلدين يعتبران أن حكومة النظام هي “الحكومة الشرعية”.

وقارن بين كميات المساعدات التي تدخل إلى مناطق الشمال السوري عبر الحدود وعبر الخطوط، مشيرًا إلى أن 480 شاجنة دخلت خلال أقل من شهر عبر الحدود السورية- التركية، بينما دخلت 29 شاحنة من مناطق سيطرة النظام، ونسبة المساعدات عبر الخطوط لا تتجاوز 1% من إجمالي المساعدات التي دخلت.

وسيعتمد النظام أسلوب المماطلة والسرقة من المساعدات، وفقًا لحلّاج، إذ لا توجد ضوابط لديه للعمل ولا مدد محددة أو توقيت للتسليم، كما أن عمليات التوثيق ستكون غير دقيقة.

وطالب حلّاج بتوسيع عمليات المساعدات عبر الحدود بشكل أكبر، وإعادة فتح معابر ثانية، وخاصة معابر الجنوب ومعبر “باب السلامة” شمالًا، بسبب التكاليف والوقت والجهد الذي يتطلبه نقل المساعدات من “باب الهوى” إلى مناطق ريف حلب الشمالي، مؤكدًا أن المساعدات عبر الحدود هي الحل الأمثل لمعالجة الأزمة الإنسانية في المنطقة.

ويحدث أحيانًا “تهويل” بالأرقام، وفقًا لحلّاج، الذي أشار إلى أن وكيل الأمين العام للشؤون الإنسانية تحدث عن استفادة نحو 80 ألف شخص من المساعدات عبر الخطوط، واعتبر أن هذا الرقم مبالغ فيه خاصة أن المساعدات جاءت من برنامج الأغذية العالمي والذي خفّض الدعم على السلل الغذائية ثلاث مرات خلال 2021.

وكان فريق “منسقو استجابة سوريا”، حذّر من بوادر انهيار اقتصادي تشهده المنطقة بالتزامن مع ارتفاع الأسعار إلى مستويات قياسية، وزيادة ملحوظة في معدلات التضخم وانخفاض القوة الشرائية للمدنيين في المنطقة.

وصارت أغلبية العائلات في المنطقة بشكل عام ونازحو المخيمات بشكل خاص غير قادرين على تأمين المستلزمات الأساسية وفي مقدمتها مواد التغذية والتدفئة لضمان بقاء واستمرار تلك العائلات على قيد الحياة، بحسب بيان صادر في 20 من تشرين الثاني الماضي.

وقرر مجلس الأمن الدولي، في 9 من تموز الماضي، تمديد آلية دخول المساعدات الإنسانية عبر الحدود إلى سوريا لمدة عام عن طريق معبر “باب الهوى” الحدودي بين سوريا وتركيا، بعد تخوفات من “فيتو” روسي يعرقل إعادة تفويض قرار إدخال المساعدات عبر الحدود.

ومن المقرر أن يقدم الأمين العام للأمم المتحدة نهاية العام الحالي إحاطة إلى مجلس الأمن بالتطورات، ومن ضمن الأمور التي سيقدمها التطور في إيصال المساعدات عبر خطوط التماس.

وسمح مجلس الأمن لأول مرة بعملية مساعدات عبر الحدود إلى سوريا في عام 2014 بأربع نقاط، هي معبر “الرمثا” الحدودي مع الأردن، و”اليعربية” الحدودي مع العراق، و”باب السلامة” و”باب الهوى” مع تركيا.

واستمرت المساعدات عبر النقاط الأربع حتى عام 2020، إذ اقتصرت بعد ذلك المساعدات على معبر “باب الهوى” الحدودي مع تركيا إثر اعتراض روسي- صيني على المساعدات عبر الحدود.

اقرأ أيضًا: استياء من وصول دفعة مساعدات أممية عبر مناطق سيطرة النظام إلى إدلب

مجاعة وشيكة

ولم يكن الطلب على المساعدة الإنسانية في سوريا أكبر من أي وقت مضى، وفي مواجهة هذا الطلب المتزايد، فإن التمويل الإنساني لسوريا، على الأقل من خلال الأمم المتحدة، آخذ في الانخفاض، بحسب بحث بعنوان “ثلاث علامات على المجاعة الوشيكة في سوريا في غياب تحرك فوري” صادر عن مركز “السياسات وبحوث العمليات” في 10 من كانون الأول الحالي.

واعتبارًا من حزيران 2021، تم تسليم 15% فقط من مبلغ 4.2 مليار دولار (أي 0.63 مليار دولار) الذي طلبته الأمم المتحدة لسوريا لعام 2021، مقارنة بـ1.4 مليار دولار من 3.8 مليار دولار (أي 37%) المطلوبة لعام 2020، وفق البحث الذي أشار إلى أن تراجع تمويل المساعدات الإنسانية واحد من ثلاثة عوامل لمجاعة وشيكة في سوريا إلى جانب الجفاف وأثره على إنتاج الحبوب، وانعدام الأمن الغذائي غير المسبوق.

ومن الواضح أن مثل هذه التخفيضات في المساعدات تحدث في “أسوأ” وقت ممكن، عندما تكون هناك حاجة إلى زيادة المساعدات بسبب التدهور السريع لقدرة سوريا على إطعام نفسها نتيجة للجفاف، وفقًا للبحث.

وطالب البحث بزيادة المساعدات الإنسانية لسوريا لتلبية الحد الأدنى الذي تطلبه وكالات الأمم المتحدة، وخاصة برنامج الأغذية العالمي.

كما طالب بضمان وصول المساعدات إلى السكان المتضررين وعدم تحويل مسارها وخصوصًا من قبل النظام السوري، وضمان تجديد المساعدات عبر الحدود إلى شمال غرب سوريا.

واقترح الخروج بآلية بديلة دائمة لإيصال المساعدات إلى تلك المناطق دون أن تتأثر بالنظام السوري، فبالرغم من أن أداء أجزاء أخرى من سوريا ليس أفضل بكثير، فإن شمال غربي سوريا معرض للخطر بشكل خاص حيث يعيش معظم السكان، في مخيمات متفرقة، تحت القصف المستمر للطائرات الروسية وطائرات النظام.

المساعدات عبر الخطوط

وفي 31 من آب الماضي، دخلت دفعة المساعدات الثانية “عبر الخطوط” من قرية ميزناز غربي حلب إلى قرية معارة النعسان بريف إدلب الشرقي، مكونة من 12 شاحنة.

ودخلت في 30 من آب الماضي، الدفعة الأولى من المساعدات (ثلاث شاحنات) عبر معبر “ميزناز- معارة النعسان” أيضًا، الذي حاولت “هيئة تحرير الشام” صاحبة النفوذ في إدلب سابقًا فتحه بقصد الأعمال التجارية مع النظام، إلا أن الرفض الشعبي للأمر ألغى العملية.

وجميع الشاحنات رُفع عليها شعار برنامج الغذاء العالمي التابع للأمم المتحدة (WFP)، وذلك في إطار نقل هذه المساعدات من مناطق سيطرة النظام إلى مستودعات أُعدت في محافظة إدلب لهذه العملية.

وأوضحت حكومة “الإنقاذ” في بيان لها حول دخول هذه الشاحنات، أنها تتبع لـ”WFP” وعددها 15 شاحنة تنقل 12 ألف حصة غذائية ضمن خطة لنقل مستودعات تتبع للبرنامج من حلب إلى إدلب.

وأضافت الحكومة أن الحصص المنقولة من مستودعات “WFP” هي حصة “إضافية تعادل 5% من الحصص التي تدخل من معبر (باب الهوى)”.

ويعني الوصول “عبر الخطوط” أن تدخل المساعدات من داخل سوريا (إلى جانب “باب الهوى” عبر الحدود)، وهو ما كانت تطالب به روسيا.

مقالات متعلقة

أخبار وتقارير اقتصادية

المزيد من أخبار وتقارير اقتصادية