هل “التحالف” ملزَم بمحاكمة مقاتلي تنظيم “الدولة” الأجانب في سوريا؟

  • 2021/12/28
  • 9:00 ص
اعتقال مشتبه بهم بصفتهم أعضاء في تنظيم "الدولة الإسلامية" في معتقل داخل مدينة الحسكة شمال شرقي سوريا- 26 من تشرين أول 2019 (AFP\ FADEL SENNA

اعتقال مشتبه بهم بصفتهم أعضاء في تنظيم "الدولة الإسلامية" في معتقل داخل مدينة الحسكة شمال شرقي سوريا- 26 من تشرين أول 2019 (AFP FADEL SENNA)

اشتعل الدافع للقتال أكثر في سوريا بعد أن انتشرت “بروباغندا الجهاد“، مستندة إلى صور مروعة للنزاع، وقصص عن الفظائع التي ارتكبها النظام السوري في مواجهة الثورة التي انطلقت عام 2011.

وفي فترة معيّنة خلال السنوات العشر الأخيرة في سوريا، نجح تنظيم “الدولة الإسلامية” في فرض سيطرته على عدة مناطق شمال شرقي سوريا، خصوصًا مدينة الرقة، من خلال التوسع الجغرافي الذي حققه، والذي أضفى على التنظيم هالة من القوة، انضم تحت تأثيرها عدة أفراد سوريين إلى التنظيم.

كما تُعزى شعبية تنظيم “الدولة” أيضًا إلى المكاسب المادية التي وُعد بها بعض الأفراد السوريين، مقابل انضمامهم إلى التنظيم، دون إغفال أن التعامل مع الدين والأيديولوجيا كان يتم على أنهما السبب الرئيس للتجنيد.

تشير عدة أبحاث أممية إلى أن حوالي 14 ألف مقاتل من المقاتلين “الإرهابيين” الأجانب قد غادروا بالفعل سوريا، خصوصًا منذ بدء العمليات العسكرية لـ”التحالف الدولي” بقيادة الولايات المتحدة عام 2014، الذي أسر خلالها معظم مقاتلي التنظيم.

وتتعدد الوجهات المحتملة أمام المقاتلين الأجانب لتنظيم “الدولة”، الذين يسعى بعضهم للوصول إلى ساحات نزاع مسلح جديدة، تضم بالفعل العديد من المقاتلين الآخرين، إلا أن بعضًا من مقاتلي تنظيم “الدولة” من السوريين بقي مصيرهم في السجون التي تسيطر عليها “قوات سوريا الديمقراطية” (قسد)، مشكّلين تحديًا أمام “قسد” يتمثل بإنشاء آلية محاكمة ضمن ولاية قضائية تُشرف على محاسبة عادلة لأولئك المقاتلين.

مطالب بالمحاكمة دون تجاوب

على مدى الـ60 عامًا الماضية، تم اعتماد 19 اتفاقية وبروتوكولًا دوليًا للتصدي لـ”الإرهاب”، وتتناول هذه الاتفاقيات موضوعات مختلفة تتعلق بالإرهاب، وتستكمل قرارات مجلس الأمن التابع للأمم المتحدة هذه الاتفاقيات، الصادرة بشأن هذه مكافحة الإرهاب.

تُنشئ هذه الاتفاقيات والقرارات مجتمعة التزامات الدول الأعضاء بتنفيذ بنودها، وعلى اعتبار أن تنظيم “الدولة الإسلامية” هو جماعة مسلحة مدرَجة على “قوائم الإرهاب“، فإن الأطراف الفاعلة في سوريا المسيطرة على مناطق النزاع التي يوجد فيها مقاتلو التنظيم من السوريين، يجب عليها التحقيق معهم ومحاسبتهم.

في عام 2014، صار تنظيم “الدولة” مصدر قلق أممي، دفع مجلس الأمن إلى اتخاذ القرار رقم “2178” الذي شكّل مستندًا قانونيًا يطوّع دول العالم عمومًا، والدول المجاورة لمناطق النزاع المسلح في سوريا، و”التحالف الدولي”.

وأدان القرار التطرف العنيف الذي يفضي إلى الإرهاب، والعنف الطائفي، كما شكّل آلية لوضع وتنفيذ استراتيجيات تهدف إلى التقليل من خيارات التنظيمات الإرهابية، وتجفيف عوامل قوتها واستمراريتها.

وفي كانون الأول الحالي، قال مركز الأبحاث البريطاني “Rusi”، “إن عشرات الآلاف من أعضاء تنظيم (الدولة الإسلامية) السابقين، المحتجزين في شمال شرقي سوريا، يحتاجون إلى المحاكمة أو إلى إعادتهم إلى الوطن للتخلص من التطرف”.

وأفادت صحيفة “الجارديان” البريطانية، أن باحثين من المركز، جادلوا بأن احتجاز 30 ألف بالغ و40 ألف طفل من أكثر من 60 دولة، في سجون ومعسكرات “قسد”، لا يمكن أن يستمر، وطالبوا بفريق عمل عالمي لحل أزمة المخيمات.

وقال كل من الباحثَين البريطانيَّين سابين خان وإيموجين بارسونز، في بيان، إن “الاستجابة الدولية الحالية هي رد فعل احتواء، لكن هذا ليس مستدامًا”.

في حزيران الماضي، أعلن “التحالف الدولي” رفضه إقامة “محكمة دولية” لمقاضاة معتقلي التنظيم، ردًا على مطالب “الإدارة الذاتية” المتكررة بهذا الخصوص.

وقال الناطق باسم قوة المهام المشتركة عملية “العزم الصلب”، الكولونيل واين ماروتو، في تصريحات نشرها موقع “باسنيوز” الكردي، إن المحكمة “أمر خارج نطاق مهمة التحالف الدولي”.

قانون للمحاسبة

في تشرين الثاني الماضي، قرر المجلس الإداري لـ”قسد” التصديق على توحيد قانون “محاكمة سوريين متهمين بقضايا الإرهاب”، وهو مؤلف من 20 مادة.

وقال عضو “مجلس العدالة الاجتماعية” في شمال شرقي سوريا خالد علي، إن “التصديق على قانون مكافحة الإرهاب جاء لتوحيد محاكمة سوريين متهمين بقضايا الإرهاب في سجون (الإدارة الذاتية)”، بحسب ما نقلته وكالة “نورث برس“.

وتابع علي أن الهدف من التصديق على القانون، هو “توحيد القانون في جميع الإدارات والأقاليم التابعة لـ(الإدارة الذاتية)”.

وبحسب الوكالة، يوجد في السجون التابعة لـ”قسد” 15 ألف موقوف بتهمة الإرهاب، ينتمون إلى أكثر من 60 جنسية أجنبية إلى جانب السوريين، وهم في الغالب عناصر سابقون من تنظيم “الدولة”.

مسؤول في “ديوان العدالة الاجتماعية” قال لعنب بلدي، إن “(التحالف الدولي) لا يعترف بأي محاكمة في شمال شرقي سوريا ضد مقاتلي تنظيم (داعش)، و(الإدارة الذاتية) دائمًا تحاول أن تتوصل مع (التحالف الدولي) إلى آلية للمحاكمة، إلا أن رد (التحالف) الدائم يقول إن الجانبين شركاء في الحرب على (داعش) دون التطرق للمحاكمة”.

تحاكم “الإدارة الذاتية” من خلال “ديوان العدالة الاجتماعية” الأشخاص المتهمين بقضايا الإرهاب، وذلك بعد ثبوت إدانتهم بقوانين كانت سابقًا مجزأة في محكمتين تحملان تسمية “محكمة الدفاع عن الشعب”، إحداهما في عين العرب (كوباني) والأخرى في القامشلي.

ويتفرع عن “مجلس العدالة الاجتماعية” ضمن كل إقليم من مناطق سيطرة “قسد” ما يسمى بـ”ديوان العدالة الاجتماعية”، وهو مؤسسة مهمتها حل القضايا والبت في المنازعات المعروضة عليها.

وأُسست محكمة “الدفاع عن الشعب” بداية عام 2014، بموجب قانون مكافحة الإرهاب، الذي أُصدر استنادًا إلى أحكام “ميثاق العقد الاجتماعي”.

“القوانين بين محكمتي كوباني والقامشلي متشابهة نوعًا ما، قد تختلف الغرامات المالية أو طول فترة الحكم بعد إثبات الإدانة القطعية، من خلال تكامل أركان الجريمة إن كان المادي من خلال حدوث العمل الإرهابي أو المعنوي وهو التخطيط والتدبير والتمويل”، وفق ما قاله المسؤول في “ديوان العدالة”، الذي تحفظ على ذكر اسمه لأسباب أمنية.

وسبب توحيد القانون يرجع إلى ضرورة توسيع مواده وتوسيع البنود المعمول بها، لتشمل جميع الأنشطة الإرهابية التي قد تزعزع استقرار المنطقة، بما فيها “نشاط الخلايا المرتبطة بالنظام السوري”، وفق المسؤول.

والتحدي الأصعب، وفق ما يراه المسؤول، يكمن في محاكمة الموقوفين غير السوريين الموجودين لدى “الإدارة الذاتية” مع رفض دولهم الأصلية تسلّمهم، و”هم يشكّلون عبئًا أمنيًا حقيقيًا على الإدارة”.

“حاليًا لا توجد اتفاقية مبرمة بين (قسد) و(التحالف) حول التزام الأخير بمحاكمة معتقلي (داعش)”، وفق ما قاله المسؤول، وبينما تستطيع “الإدارة الذاتية” محاكمة معتقلي التنظيم من الجنسية السورية، فإن حق المحاكمة يسقط عندما يكون أولئك المقاتلون من الأجانب”.

وبموجب القرار الأممي رقم “2178“، فإنه يجب على مؤسسات ودول المجتمع الدولي تكييف أولوياتها الأمنية وتكريس كل الطاقات في سبيل حصار التنظيم قانونيًا، وإدخال مقاتليه الأجانب ضمن قضية مكافحة الإرهاب، ومحاسبتهم على ضلوعهم بالقتال في صفوف التنظيم.

مقالات متعلقة

حقوق الإنسان

المزيد من حقوق الإنسان