“العقد الاجتماعي” شمال شرقي سوريا.. مشروع مستقبلي يواجه تحديات قضائية
يعد إنشاء محكمة دستورية من ضروريات مسار صناعة الدساتير، لأن صياغة مشروع قانون هذه المحكمة هو الذي سيُظهر مدى مصداقية الدستور واستقلالية تطبيقه، ومدى قدرته على تحقيق أهدافه.
وفي مطلع آذار الحالي، أعلنت “الإدارة الذاتية” العاملة في شمال شرقي سوريا تفعيل محكمة لحماية وتنفيذ بنود “ميثاق العقد الاجتماعي”، وستكون بمنزلة “محكمة دستورية عليا” في المنطقة.
وبحسب ما قاله الرئيس المشارك للمجلس العام في “الإدارة الذاتية”، فريد عطي، في 2 من آذار الحالي، عبر لقاء مع موقع “نورث برس“، فإن “محكمة العقد الاجتماعي هي إحدى مؤسسات (الإدارة الذاتية)، لكنها ستتمتع بالاستقلالية التامة عن المؤسسات الأخرى”.
و”ستعمل المحكمة على مراقبة القوانين التي تصدر في شمال شرقي سوريا، وتوافقها مع (العقد)”، كما أن من مهماتها رفض أي قانون لا يتوافق مع ذلك بعد دراسته، وفق ما أوضحه عطي.
ويعد “ميثاق العقد الاجتماعي” بمنزلة دستور ناظم لعمل مؤسسات ولجان الإدارات المدنية في مناطق شرق الفرات، وقواتها العسكرية وأجهزتها الأمنية في سبع مدن وبلدات منتشرة في أربع محافظات سورية.
اقرأ أيضًا: ميثاق الإدارة الذاتية.. هل يواجه تهمة خطف المكونات
مشروع مستقبلي
بموجب الدساتير السورية المتعاقبة، فإن الدستور يحدد ضمن بنوده آليات انتقاء أعضاء المحاكم الدستورية العليا، وتعكس هذه الآلية في كل مرحلة تاريخية طبيعة النظام السياسي الذي حكم في كل فترة.
كما تعرضت الدساتير السورية بشكل مقتضب إلى شروط العضوية في المحكمة، ومدة العضوية وإمكانية التجديد، مكتفية بالنص على عبارات عامة، ومحيلة مناقشة تلك الشروط إلى القوانين الخاصة بالمحكمة ذاتها أو القوانين ذات الصلة بها.
وفيما يتعلق بـ”محكمة العقد الاجتماعي” لدى “الإدارة الذاتية”، فـ”المحكمة ستكون مخوّلة بإلغاء أي قانون من شأن تطبيقه أن يخالف (العقد الاجتماعي)، أو حتى إذا تضمن قانون ما فقرات معينة تخالف مبادئ أساسية في (العقد)”، وفق ما قاله عضو في لجنة صياغة “العقد الاجتماعي” في حديث إلى عنب بلدي.
وأوضح عضو اللجنة، الذي تحفظ على ذكر اسمه كونه لا يملك تصريحًا بالتحدث إلى الإعلام، أن فكرة تشكيل “محكمة العقد الاجتماعي” لا تزال “مشروعًا مستقبليًا”، مشيرًا بذلك إلى عدم بدء “الإدارة الذاتية” بصياغة قانون خاص بتشكيل المحكمة حتى تاريخ إعداد هذا التقرير.
عدم وجود قضاء دستوري يمارس الرقابة ويكفل ضمان انتظام القوانين بمفهومها الموسّع وسائر التصرفات الأخرى المنسوبة لسلطات “الإدارة الذاتية” مع أحكام “العقد الاجتماعي”، هو من الأمور التي تكشف نقصًا عميقًا في المنظومة القانونية السائدة في شمال شرقي سوريا، ما يفسح المجال لانتهاكات وتجاوزات كبيرة ستُفقد “العقد الاجتماعي” قيمته ومعناه.
ورغم تأسيس بنية قضائية ورسم هيكلية لمؤسسات “الإدارة الذاتية”، لا يزال مستوى الحوكمة وطبيعة الإدارة داخل تلك المؤسسات والهيئات إشكاليًا، بحسب دراسة بحثية تناولت واقع الجهاز القضائي في المنطقة.
واستنتجت دراسة صادرة عام 2021 عن مركز “عمران للدراسات الاستراتيجية”، أن الجهاز القضائي في مختلف الأقاليم التي تسيطر عليها “الإدارة الذاتية”، يظهر حجم ومستوى السيطرة لكوادر حزب “العمال الكردستاني” داخل هذا الجهاز، وتصل إلى درجة الوصاية والإطباق على مختلف مؤسساته ومفاصله.
وهناك تحكّم بالسلطة التنفيذية في المنطقة (المجلس التنفيذي) والسلطة التشريعية (المجلس العام)، حيث تسيطر كوادر حزب “العمال الكردستاني” من الأجانب غير السوريين على مختلف المؤسسات والمديريات والمجالس الممثلة للسلطتين، ويتمتعون فيها بالصلاحيات ذاتها في الجهاز القضائي، ويشرفون عليها إداريًا وماليًا وأمنيًا.
اقرأ أيضًا: “العقد الاجتماعي” شمال شرقي سوريا.. التحديات وعوامل الفشل
محكمة دستور دمشق.. انتهاكات قضائية
نص الدستور السوري الصادر عام 2012، على أن المحكمة الدستورية العليا تؤلّف من سبعة أعضاء على الأقل، وتكون آلية تعيينهم من قبل رئيس الجمهورية، بمدة ولاية قضائية تمتد لأربعة أعوام قابلة للتجديد.
ونص الدستور على أن تختص المحكمة الدستورية بالنظر في الدفع بعدم دستورية قانون والبت فيه، وذلك إذا دفع أحد الخصوم في معرض الطعن بالأحكام بعدم دستورية نص قانوني طبّقته المحكمة المطعون بقرارها، ورأت المحكمة الناظرة في الطعن أن الدفع جدي ولازم للبت في الطعن، أوقفت النظر في الدعوى وأحالت الدفع إلى المحكمة الدستورية العليا، التي يتعيّن عليها البت في هذا الدفع خلال مدة 30 يومًا من تاريخ قيده لديها.
أي أنه يشترط لإمكانية دفع الأفراد بعدم دستورية قانون أن تكون هناك دعوى منظورة بالفعل أمام القضاء ثم يصدر بها حكم فيقوم أحد الأطراف في الدعوى بالطعن في الحكم، أي الاعتراض عليه، بموجب قانون أصول المحاكمات السوري.
ويتم ذلك أمام المحكمة الأعلى من المحكمة التي أصدرت ذلك الحكم، وهو ما يطلق عليها محكمة الدرجة الثانية، التي يقوم أمامها من قام بالاعتراض على الحكم بالطعن بعدم دستورية القانون الذي طبقته محكمة الدرجة الأولى، أي أنه يزعم أن القانون الذي تم تطبيقه مخالف لأحكام الدستور ويتعارض معه.
وفي هذه الحالة، يحق لمحكمة الدرجة الثانية أن تنظر بالطعن، إذا اقتنعت أن تلك المزاعم والدفوع حول عدم دستورية القانون جدية وصحيحة، وتقرر إحالة الأمر إلى المحكمة الدستورية، لتحسم مدى دستورية ذلك القانون المطعون به خلال 30 يومًا.
ويترتب على هذه الآلية المنصوص عليها في الدستور، حرمان الأفراد من اللجوء مباشرة إلى المحكمة الدستورية، حيث حصر هذا الحق عن طريق محكمة الدرجة الثانية.
كما حرم المحكمة الدستورية ذاتها من أن تنظر بمثل هذه الدعاوى من تلقاء نفسها، فضلًا عن حرمان أي فرد طبيعي أو اعتباري (منظمات أو مؤسسات أو نقابات)، ليس طرفًا في الدعوى الأساسية التي نظرت بها محكمة الدرجة الأولى، من اللجوء إلى المحكمة الدستورية.
والمحكمة الدستورية التي أوجدها المشرع السوري بالقانون رقم “7” لعام 2014 ليست إلا “أداة بيد رئيس الجمهورية، كون الأخير هو من يعيّن أعضاءها، ولا شك أن هذا الأمر خطير للغاية”، بحسب ورقة بحثية قانونية صدرت عام 2020 عن “تجمع المحامين السوريين”.
وتؤدي المحاكم الدستورية دورًا مهمًا في المنظومات القانونية الوطنية، فهي المؤتمنة على كفالة احترام أحكام الدستور وضمان تطبيقه، وهي المرجعية الدستورية والقانونية العليا التي لا ينبغي أن يعلوها شيء، ولا يجوز أن يُخالفها أحد.
–
اذا كنت تعتقد/تعتقدين أن المقال يحوي معلومات خاطئة أو لديك تفاصيل إضافية أرسل/أرسلي تصحيحًا
إذا كنت تعتقد/تعتقدين أن المقال ينتهك أيًا من المبادئ الأخلاقية أو المعايير المهنية قدم/قدمي شكوى
-
تابعنا على :