عنب بلدي – حسن إبراهيم
تتشارك حكومة “الإنقاذ” و”هيئة تحرير الشام” السيطرة على مناطق النفوذ ذاتها، التي تشمل محافظة إدلب وجزءًا من ريف حلب الغربي وريف اللاذقية وسهل الغاب، شمال غربي حماة، في علاقة غير واضحة المعالم، وسط وجود مؤشرات الانسجام والتفاهم وتقاسم المصالح.
التمدد الأبرز لـ”تحرير الشام” وسيطرتها على المنطقة جاء بعد المعارك التي خاضتها ضد “حركة أحرار الشام” و”حركة نور الدين زنكي” و”صقور الشام” خلال العامين 2017 و2018.
كما شُكّلت حكومة “الإنقاذ” مطلع تشرين الثاني 2017، من 11 حقيبة وزارية برئاسة محمد الشيخ حينها، وضمت وزارات الداخلية، والعدل، والأوقاف، والتعليم العالي، والتربية والتعليم، والصحة، والزراعة، والاقتصاد، والشؤون الاجتماعية والمهجرين، والإسكان والإعمار، والإدارة المحلية.
وتتحكم “تحرير الشام” بالمنطقة على الصعيد العسكري والأمني، وتتجلى سيطرتها الأمنية عبر “جهاز الأمن العام” الذي تنفي ارتباطها به، إضافة إلى القوة الأمنية التابعة لها المعروفة باسم “الأمنية” محليًا، أما مدنيًا فتدير المنطقة حكومة “الإنقاذ” التي تنفي تبعيتها للفصيل أيضًا.
الباحث في الجماعات “الجهادية” عباس شريفة، يرى أن العلاقة واضحة بين الطرفين، ولا تحتاج إلى مؤشرات لإثبات ارتباطهما، إذ يوجد في كل وزارة لدى حكومة “الإنقاذ”، “مُتابعون” يتبعون لـ”تحرير الشام”، ولا يستطيع أي وزير أن يأخذ أي قرار دون الرجوع إلى “المُتابع”.
وأضاف شريفة في حديث إلى عنب بلدي، أن” مجلس الشورى” الذي يكلف وينتخب الحكومة ويمنح الثقة لرئيسها، يضم مجموعة من الأمنيين والمسؤولين من “تحرير الشام”، بينما يتسلّم عدد من كوادر “الهيئة” مهمات تنفيذية في حكومة “الإنقاذ”.
“الهيئة” تدعم “الإنقاذ” وتنفي ارتباطها بها
ذكرت “هيئة تحرير الشام”، في إصدار مصوّر بذكرى تأسيسها الرابعة، في 28 من كانون الثاني 2020، أن عددًا من “النخب” في شمال غربي سوريا بادروا لتشكيل حكومة مدنية “ترتب أوراق الشمال المحرر، وتقدم ما تستطيع للمدنيين”، تمخضت عنها حكومة “الإنقاذ” التي دخلت دورتها الخامسة.
وأشادت “الهيئة” بدور الحكومة، وقدرة القائمين عليها فيما يتعلق بالبناء، و”ليس كما يحاول أن يصوّر النظام السوري”.
وجاء في الإصدار أن “تحرير الشام” تدعم بشكل كامل حكومة “الإنقاذ”، بسبب ما تقدمه من خدمات مدنية.
وتسيطر “الإنقاذ” على مفاصل الحياة خدميًا وإداريًا، عبر سلسلة من المكاتب الاقتصادية والزراعية والتعليمية، وإقامة مشاريع خدمية داخل المدينة.
وأوضح شريفة أن “الإنقاذ” و”تحرير الشام” لا تريدان التورط بنفي العلاقة أو إثباتها، فالطرفان حريصان على بقاء العلاقة ملتبسة وغير معرّفة بشكل واضح، بحيث تسمح بمساحة في المناورة في تدافع المسؤوليات، وإبقاء إدلب تُقاد من رأسين، عسكري ومدني، وتبقى المسؤولية ضائعة بين الطرفين.
الكلية العسكرية غطاء لترقية عناصر “تحرير الشام”
عملت “تحرير الشام” على بسط نفوذها على المنطقة، لتكون الجسد العسكري الوحيد المسيطر وصاحب النفوذ، وشهدت محافظة إدلب العديد من الخلافات بين “الهيئة” وفصائل أخرى، بدأت عام 2014 بخلاف بين “تحرير الشام” (جبهة النصرة آنذاك)، و”جبهة ثوار سوريا” وبعض فصائل “الجيش الحر”.
وأدت هذه الخلافات الداخلية إلى حل العديد من التشكيلات المنضوية تحت لواء “الجيش السوري الحر”، إذ اعتقلت “الهيئة” أعدادًا كثيرة من مقاتلي هذه الفصائل وصادرت أسلحتهم، لتتفرّد بحكم المناطق الخارجة عن سيطرة النظام السوري، في إدلب وريفها ومناطق أخرى من أرياف حلب وحماة واللاذقية.
ومؤخرًا، شنّت “هيئة تحرير الشام”، في 25 من تشرين الأول الماضي، حملة عسكرية على مقرات لفصائل “جهادية” أجنبية في ريف اللاذقية، يعتبر أكبرها فصيل “جنود الشام” بقيادة “مسلم الشيشاني”، الذي طالبته “الهيئة” سابقًا بمغادرة الأراضي السورية مع مقاتليه الأجانب.
وفي 7 من تشرين الثاني الماضي، تحدث مصدر مقرب من “تحرير الشام” أن “الهيئة” أجرت عملية “تسوية أمنية” لفصيل “أبو فاطمة التركي”، قضت بتسليم أسلحته الفردية لـ”الهيئة”، بعد اشتباكات استمرت لعدة أيام بين الطرفين، انتهت بخروج الفصيل “الجهادي” من منطقة جبل التركمان بريف اللاذقية.
لم يقتصر نشاط “تحرير الشام” على إزاحة أو إبعاد الفصائل الأخرى المعارضة، أو إدماجها ضمن صفوف “الهيئة”، بل عملت على تدريب عناصر ضمن دورات للتدريبات العسكرية، وتخريج دفعات عديدة من هذه الدورات.
وكانت “الأكاديمية العسكرية” التابعة لـ“تحرير الشام”، أعلنت تخريج دورة “قادة مجموعات”، في 11 من تشرين الأول الماضي.
وأعلنت “الهيئة”، إلى جانب الفصائل العسكرية للمعارضة، عن تخريج دورات عسكرية منذ توقيع اتفاق “موسكو” في 5 من آذار 2020، الذي قضى بوقف إطلاق النار.
كما أعلنت سابقًا عن إتمام العديد من دورات التدريب، مع اختلاف مسمياتها، مثل “دورة العصائب الحمراء“، و”دورة رفع مستوى”، و”دورة تخريج القادة الميدانيين”، و”دورة تخريج القوات الخاصة”.
وعملت على الترويج لإعداد وتدريب مقاتليها، إضافة إلى تخريج دفعات عسكرية جديدة، لرفد ألويتها وجيوشها بعناصر جدد، ورفع السويّة القتالية لمقاتليها.
من جهتها، أعلنت حكومة “الإنقاذ”، في 20 من تشرين الأول الماضي، إحداث كلية تُعنى بالشؤون العسكرية باسم “الكلية العسكرية”، تتبع وترتبط برئيس مجلس الوزراء مباشرة.
ويتولى إدارة الكلية “مدير الكلية” الذي يُسمى بقرار من رئيس الحكومة، وتتمتع الكلية بالشخصية الاعتبارية والاستقلال المالي والإداري، وبموازنة مالية مستقلة تدخل ضمن موازنة رئاسة الحكومة، وفق قرار “الإنقاذ”.
وتعمل الكلية على تحقيق أهدافها المحددة بالنظام الداخلي، بحسب القرار، ومنها الإشراف على تدريب الطلاب المنتسبين إليها لتخريجهم ضباطًا عاملين مؤهلين للخدمة في صفوف التشكيلات العسكرية المقاتلة في الشمال السوري “ضد النظام الأسدي وحلفائه”، بحسب إعلان الحكومة.
كما تعمل على تأمين التعيينات العسكرية من عتاد وسلاح ولباس، وما تحتاج إليه العملية التدريبية فيها.
يرى شريفة أن الهدف من إنشاء “الإنقاذ” كلية عسكرية، هو إنشاء عملية إدارة حوكمة للحالة العسكرية، بقصد منح رتب عسكرية، وتحويل فكرة الأمير والقائد إلى رتب عسكرية، كالرقيب والعقيد، ومن أجل أن تأخذ الحالة العسكرية حالة أكثر انضباطًا.
وأوضح الباحث أن حكومة “الإنقاذ” تتحسب لأي عملية اندماج بين المجلس العسكري في إدلب و”الجيش الوطني”، وبالتالي تقاسم إدارة المكاتب والقطاعات والمناطق العسكرية، وإسناد هذه القيادات إلى رتب عسكرية، وهذا ما يدفع “تحرير الشام” لامتلاك والحصول على رتب عسكرية من كلية عسكرية.
ملف القضاء بيد “تحرير الشام”
يعكس انشقاق نفذته شخصية مسؤولة في حكومة “الإنقاذ”، طبيعة العلاقات والتأثير المشترك في القرارات بين الجانبين، وتحكّم وتأثير “تحرير الشام” على مسار القضاء في حكومة “الإنقاذ”.
ففي 1 من كانون الأول الحالي، أعلن القاضي محمود عدنان عجاج انشقاقه عن وزارة العدل التابعة لحكومة “الإنقاذ”، مبررًا ذلك بأن “وزارة العدل أصبحت دمية بيد (هيئة تحرير الشام)”.
واتهم عجاج القائد العام لـ”تحرير الشام”، “أبو محمد الجولاني”، بالعديد من الاتهامات من بيع المناطق “المحررة”، والعمالة للقوى الخارجية، وقتل أعداد كبيرة من عناصر الفصائل، كـ”حركة نور الدين زنكي” و”أحرار الشام” وغيرهما.
وردت حكومة “الإنقاذ” على اتهامات عجاج، ببيان اطلعت عليه عنب بلدي، ذكرت فيه تقصير القاضي في عمله وأداء واجباته الوظيفية، إلى درجة الإهمال واللامبالاة.
يرى شريفة أن مساحة الاستقلالية التي تتمتع بها حكومة “الإنقاذ” ضيقة جدًا، وتتعلق ببعض القضايا التي تخص المدنيين، أما الملفات الأمنية التي تتعلق بتجاوزات “تحرير الشام” أو بمحاسبة بعض أمرائها، فهذا الملف لا يزال بيد “تحرير الشام”.
وكثير من القضاة الذين يشغلون مناصب قضائية في وزارة العدل التابعة لحكومة “الإنقاذ”، هم شرعيون في “تحرير الشام”، بحسب شريفة، لذلك عملية الاستقلال عملية نظرية، فالقاضي نفسه يجب أن يتمتع بالاستقلالية.
ويتلقى القاضي دخله الشهري والمساعدات والسلال الإغاثية من “الهيئة”، وبالتالي فرضية الاستقلالية الكاملة مستبعدة بين القضاء التابع لـ”الإنقاذ” والقضاء في “تحرير الشام”، بحسب شريفة.
بعيدًا عن الحرب.. “الجولاني” يظهر لحل أزمة اقتصادية
كان لافتًا حضور القائد العام لـ”تحرير الشام”، “أبو محمد الجولاني”، في الاجتماع الذي رعاه “مجلس الشورى” مع وزارة الاقتصاد بحكومة “الإنقاذ”، لمناقشة الوضع الاقتصادي وخصوصًا “أزمة الخبز” بالشمال السوري، في 23 من تشرين الثاني الماضي.
وظهر “الجولاني” بصفته من الأشخاص المسؤولين عن موارد وشؤون الناس في الشمال السوري، وتحدث عن مشكلة “الأمن الغذائي في المحرر”، وطرح حلولًا ووعودًا بتحسن الاقتصاد، والانتعاش التدريجي، ودعم مادة الخبز بشكل إسعافي من خلال توفير مبالغ من الإيرادات.
أثار ذلك جدلًا بسبب ظهوره في سياق قضية اقتصادية متعلقة بالواقع المعيشي، بعيدًا عن الشأن العسكري.
وعزا شريفة ظهور “الجولاني” إلى أنه نوع من إدارة السمعة وإنقاذ الحالة الشعبية المتدنية التي تعاني منها “الهيئة”، وخصوصًا بعد موجة الغلاء والتضييق على الحالة المعيشية للسكان المحليين.
واعتبر الباحث شريفة الظهور خطوة من “الجولاني” لامتصاص غضب الحاضنة الشعبية، وإعطاء رسالة إيجابية بأن “الهيئة” تشعر بحال الفقراء والمحتاجين، وتدفع الأموال لحل المشكلة، وأن “الجولاني” بشخصه يتابع القضايا عن كثب، وهذا يعزز أوراق “تحرير الشام” الإعلامية.
وكان “الجولاني” تحدث في الاجتماع عن دعم مادة الخبز بمبلغ أكثر من ثلاثة ملايين دولار، وعن دعم الأفران الحكومية، والأفران العاملة في المنطقة، وشمل الدعم من 35 إلى 40 فرنًا.