عنب بلدي – زينب مصري
لم تشهد خريطة السيطرة العسكرية في شمال غربي سوريا أي تغييرات منذ توقيع اتفاق “موسكو” في 5 من آذار 2020 بين روسيا وتركيا، عرّابَي عمليات تبادل الأسرى بين النظام وقوات المعارضة، وعبور المساعدات عبر “خطوط التماس”.
ويواصل البلدان تسيير الدوريات العسكرية المشتركة التي كان نشرها على طول طريق “M4” الدولي أحد بنود الاتفاق، بينما تواصل قوات النظام المدعومة من روسيا انتهاكها لبند وقف إطلاق النار، وقصف مناطق سيطرة فصائل المعارضة بشكل شبه يومي.
رغم تحذيرات الرئيس التركي في اتفاق “موسكو”، من أن تركيا تحتفظ “بالرد بكل قوتها على أي هجوم” من قبل قوات النظام السوري، فإن الرد التركي لم يكن رادعًا أو متكافئًا مع القصف والانتهاكات من قبل النظام السوري وروسيا، بحسب ما تتداوله الوكالات الرسمية، والمصادر المحلية.
التنسيق بين البلدين في الشمال السوري، وثبات حدود السيطرة بين الجهات المتنازعة في المنطقة، يثيران التساؤل حول المصالح التي يرجوها الروس والأتراك في المنطقة، والتغيير الذي ينشده البلدان مع استمرار الوضع الراهن والتحديات التي يواجهانها محليًا ودوليًا.
تنسيق مشترك
أوضحت تركيا في بيان لوزارة خارجيتها، أن عملية تبادل الأسرى التي جرت بين “الجيش الوطني السوري” وقوات النظام السوري، في 16 من كانون الأول الحالي، عند معبر “أبو الزندين” في منطقة الباب شرقي حلب، جرت في نطاق عملية “أستانة”.
وبعد بدء سريان اتفاق “موسكو” وتوقف المعارك، في 6 من آذار 2020، أجرت الفصائل العسكرية في الشمال السوري عدة عمليات مع النظام والميليشيات الرديفة له، برعاية روسية- تركية.
ومع وصول القافلة الثانية من المساعدات الأممية عبر “خطوط التماس” إلى مناطق الشمال السوري من مناطق سيطرة النظام، واقتراب انتهاء المدة الأولى من قرار مجلس الأمن تمديد العمل بمعبر “باب الهوى” الحدودي مع تركيا، عادت المخاوف إلى الواجهة من احتمالية عرقلة روسيا عمل المعبر لمصلحة دعم النظام ومساعدته في إعادة فرض سياساته السياسية والعسكرية على المنطقة.
وللحديث عن مستقبل مصالح البلدين في المنطقة، يجب الانطلاق من وجود تعاون روسي- تركي كبير جدًا وواسع ومتنوع، اقتصادي وعسكري وأمني وسياسي وسياحي، وبينهما مصالح كبرى، منها حجم التبادل التجاري الكبير بينهما.
لذلك، فإن الروس والأتراك لن يصطدموا أو يفترقوا بسبب سوريا، سيتفقون ولكن كل منهما يريد تحقيق مكاسب أكثر فيها، بحسب المحلل السياسي السوري المختص بالشأن الروسي محمود حمزة.
وفي شمال شرقي سوريا حيث تسيطر “قوات سوريا الديمقراطية” (قسد)، تنازلت روسيا للأتراك، أو يمكن القول إنها أعلنت أنها تتفهم المخاوف الأمنية لتركيا، وسمحت لهم بالتوغل في أعماق الأراضي السورية، مع أنها كانت تستطيع أن تعرقل هذا، وفق ما قاله حمزة في حديث إلى عنب بلدي.
أما تركيا فدعمت الثورة السورية في البداية بقوة، ثم تراجعت كثيرًا بسبب المشكلات الداخلية والخارجية التي تعرضت لها، وبدأت بالتركيز على موضوع الأمن القومي، وروسيا استغلت هذا الجانب كثيرًا.
مستقبل المصالح
يرى حمزة أن الدولتين شريكتان في “أستانة”، وبالتالي إدلب الآن هي الموضوع “الساخن” بينهما، وروسيا تريد أن تخلي المنطقة من قوات المعارضة التي تصفها بـ”الإرهابيين المسلحين”، وهي تريد وفق الاتفاقيات التي عقدتها مع تركيا أن تقوم الأخيرة بهذه المهمة، “الفصل بين المعارضة المعتدلة والمعارضة المكوّنة من الفصائل الإرهابية”.
وأضاف المحلل أن هذا ما يقلق الروس، ولكن يبدو أنهم يصبرون وينتظرون حتى تحين الفرصة لحل هذه المشكلة.
والوضع ليس متعلقًا بروسيا وتركيا لوحدهما، فهو متعلق أيضًا بالموقف الأمريكي، فعندما تقرر أمريكا إعلان حل معيّن أو الاتجاه نحو حل سياسي أو حل شامل في سوريا، سيمشي الأتراك والروس في نفس الاتجاه.
تغيير.. لكن بأي اتجاه؟
كلا البلدين يريد التغيير، وتكمن النقطة الجوهرية في الاتجاهات التي يريدان التغيير نحوها، بحسب المحلل محمود حمزة، فتركيا تريد خلق منطقة آمنة في الشريط الحدودي على حدودها مع سوريا، بعمق معيّن، وتريد أن تحفظ أمنها وتبعد “قسد”، وهذا مطلبها الرئيس.
بينما التغيير الذي تريده روسيا ليس بهذا الشكل، وفق حمزة، إذ تريد أن توسّع هيمنة النظام على شرق الفرات ليسترجع حقول النفط والغاز، وأن يشرف النظام على الثورة الزراعية في المنطقة، ليسد حاجاته الاقتصادية والمعيشية منها.
وتوجد إشكالية في الرؤية المستقبلية بين روسيا وتركيا وحتى الأوروبيين، فروسيا إلى الآن متعنّتة بإعادة تأهيل النظام وتطبيع علاقاته مع الدول العربية والعالم، وإعادته إلى جامعة الدول العربية، في حين لم يُحل سبب طرده منها.
وتساءل المحلل مع هذه الظروف، كيف يمكن لروسيا أن تعيد النظام إلى جامعة الدول العربية، وكيف يمكن البدء بإعادة الإعمار وتقديم المليارات للنظام رغم فساده.
ثبات على الوضع الراهن؟
في الوقت الذي تتحدث فيه المعلومات عن وجود مفاوضات غير معلَنة بين تركيا والنظام السوري، تتم خلف الأبواب المغلقة بخصوص منطقة شرق الفرات، يدور الحديث أيضًا عن تفاهمات في إطار التبلور بين الأتراك والروس بخصوص التعامل مع الأوضاع الميدانية في مناطق الشمال السوري خلال المرحلة المقبلة، بحسب الباحث في الشأن التركي والعلاقات الدولية طه عودة أوغلو.
وحسب المعلومات المتوفرة، فإن المفاوضات التركية- الروسية بشأن السيطرة على مناطق الشمال السوري تدور فحواها حول الضغط على المناطق الخاضعة لسيطرة “قوات سوريا الديمقراطية” (قسد) في شرق الفرات، وفق ما قاله الباحث في حديث إلى عنب بلدي.
ويبدو واضحًا أن أي تفاهمات جديدة بين تركيا وروسيا على الساحة السورية، ستختلف تمامًا عن التفاهمات التي جرت في 5 من آذار 2020 بين البلدين، خصوصًا في ظل المتغيرات الإقليمية والدولية التي جرت مؤخرًا في المنطقة، فضلًا عن التطورات السياسية والعسكرية التي شهدتها الساحة السورية أيضًا.
وتكمن المصلحة الروسية والتركية بالثبات على الوضع الراهن في الظروف التي يمر بها كلا البلدين، إذ تواجه روسيا ضغوطًا أمريكية وغربية بخصوص أوكرانيا، وتواجه تركيا الأوضاع الاقتصادية الصعبة مع كل هبوط قياسي غير مسبوق لليرة التركية، بحسب الباحث.
ويجري مسؤولون سوريون مفاوضات مع تركيا حول وجودها العسكري في سوريا، والأوضاع في مناطق شمال شرقي سوريا، وتنشيط اتفاقية “أضنة”.
ونقلت وكالة “سبوتنيك” الروسية، في 16 من كانون الأول الحالي، عن الرائد السوري المشارك في المفاوضات حيدرة جواد قوله، إن أهم نقاط التفاوض بين الجانبين تتمثل بمناطق شرق الفرات، والوجود العسكري لتركيا فيها، ومناطق سيطرة كل من “قسد”، و”التحالف الدولي” بقيادة الولايات المتحدة الأمريكية.
وكانت روسيا أبدت استعدادها لدعم إدخال أي تعديلات على اتفاقية “أضنة”، وقال وزير الخارجية الروسي، سيرغي لافروف، إن روسيا مستعدة للمساعدة في إطلاق حوار بين تركيا وسوريا، مؤكدًا أنه يجب أن يستند إلى الاتفاقية الموقّعة بين البلدين.