الرقة – حسام العمر
ترسل يسرى الحسن (38 عامًا)، اثنين من أبنائها صباح كل يوم إلى مكب النفايات القريب من منزل عائلتها في حي الجزرة الشعبي بأطراف مدينة الرقة الغربية، لجمع نفايات بلاستيكية ووضعها في المدفأة، بحسب ما قالته لعنب بلدي.
عائلة يسرى باعت حصتها من مازوت التدفئة الذي توزعه “الإدارة الذاتية” العاملة في شمال شرقي سوريا بمناطق سيطرتها بالسعر “المدعوم”.
تضطر بعض العائلات في مدينة الرقة إلى بيع حصصها من مادة مازوت التدفئة، جراء الظروف المعيشية المتدهورة التي تمر بها خلال هذه الفترة.
وبلغ سعر مادة المازوت في السوق السوداء أو ما يُعرف محليًا بالسعر “المدعوم” 175 ألف ليرة سورية للبرميل (50 دولارًا)، في حين أن “الإدارة الذاتية” تبيعه للأهالي بسعر 18 ألف ليرة (خمسة دولارات) للبرميل الواحد.
الغذاء بدلًا من التدفئة
اشترت عائلة يسرى الحسن بدلًا من مادة المازوت حاجاتها الأساسية الغذائية، أبرزها مادة السكر، والزيت، والأرز، والبرغل.
ويرى أفراد العائلة الذين التقت بهم عنب بلدي، أنهم قادرون على التعايش والتأقلم مع برد فصل الشتاء في هذه الفترة دون مادة مازوت التدفئة، إلا أنهم عاجزون عن التأقلم الدائم مع الجوع، لأن العيش صعب بأمعاء خاوية.
ويلتفّ الأطفال في العائلة حول المدفأة رغم ما تصدره تلك الأسطوانة المعدنية من روائح كريهة وسموم تختلط بهواء الغرفة، نتيجة لاحتراق النفايات البلاستيكية.
ويزيد عدد المنظمات الإغاثية في مدينة الرقة على 200 منظمة، يعمل معظمها في تقديم الدعم الإغاثي وتنظيم البرامج الإنسانية المختصة بتحسين معيشة السكان، إلا أنها تواجه عدة عوائق وتحديات في ملف توزيع المساعدات الإغاثية على السكان.
عواقب صحية خطيرة
تراكم النفايات البلاستيكية داخل المنازل، وما تنفثه من أبخرة سامة، يمكن أن يؤدي إلى أضرار كبيرة على صحة الإنسان، تُعزى هذه الأضرار إلى احتوائها على مواد لا تتحلل بفعل العوامل الطبيعية سواء البيولوجية أو البيئية، بالإضافة إلى احتوائها على مواد كيماوية مضافة لغرض تحسين خصائصها وتقليل تكلفتها.
وبحسب ما قاله الطبيب المختص بأمراض الرئة والمقيم في مدينة الرقة مهند الشناعة، فإن وضع النفايات البلاستيكية داخل المدافئ قد تنتج عنه تأثيرات مسرطنة، تزيد هذه التأثيرات أكثر حين تُغلَق الغرف داخل البيوت، في الوقت الذي يتم فيه إشعال المدفأة من خلال تلك النفايات، إذ سيُحرق الأكسجين الموجود في أجواء الغرفة، ويترك مكانه هواء ملوثًا بالغازات السامة.
وبحسب حديث سابق لعنب بلدي، أرجع عضو “لجنة الشؤون الاجتماعية” في “مجلس الرقة المدني” الظروف التي تمر بها بعض العائلات في الرقة، إلى أنها “حالة سورية عامة، ولا تنحصر فقط بالمناطق التي تديرها (الإدارة الذاتية) في شمال شرقي سوريا”.
واعتبر عضو “اللجنة”، الذي تحفظ على ذكر اسمه كونه لا يملك تصريحًا بالحديث إلى الإعلام، أن المنظمات الإغاثية في الرقة تتحمّل جزءًا من المسؤولية في سد احتياجات العائلات المحتاجة، وتقديم الدعم لها في حال عجز المعيل عن تأمين مستلزمات أسرته.
ويبلغ عدد سكان مدينة الرقة وريفها ما يزيد على 800 ألف نسمة، يعيش معظمهم ظروفًا اقتصادية سيئة، سببها ظروف الحرب التي مرت بها المدينة، وموجات النزوح نحوها من المناطق السورية الأخرى، والانهيار الاقتصادي الذي تعيشه أغلبية المدن السورية.
وبحسب تقرير مبادرة “REACH” الإنسانية، فإن 77% من سكان شمال شرقي سوريا يعتمدون على الأجر اليومي لتحصيل المواد الغذائية، ويحتاج العامل إلى 84 يومًا لكسب التكلفة الشهرية لتأمين المواد الغذائية الأساسية.
كما أن 92% من العائلات في المنطقة أبلغت عن عدم كفاية دخلها المادي لتأمين المواد الغذائية الأساسية، وفق التقرير.
وذكر التقرير أن 98% من العائلات في مناطق سيطرة “الإدارة الذاتية” تواجه خطر انعدام الأمن الغذائي.
وكانت الأمم المتحدة أطلقت، في تشرين الثاني 2020، نداء لتمويل صندوق أعمالها المتعلق بالاستجابة الإقليمية للأزمة المعيشية في سوريا، بقيمة 131.6 مليون دولار، موضحة أن الدعم سيشمل 11.7 مليون شخص بحاجة إلى المساعدات الإنسانية داخل سوريا.