عنب بلدي- السويداء
“خسرتُ في الشهر الماضي (تشرين الثاني) تعب ثلاث سنوات، بعد أن تسبب القطع العشوائي للكهرباء بتعطل معظم الأجهزة الكهربائية في بيتي”.
يشكو خالد (28 عامًا)، لعنب بلدي، تغيّر نمط القطع الكهربائي في مدينة السويداء منذ حوالي الشهر، إذ “اعتدنا قطع الكهرباء، ولكن الجديد في الأمر تغيّر نمط هذا القطع الذي صار يتغيّر بشكل عشوائي في معظم مناطق السويداء”.
ونتج عن انقطاع الكهرباء لساعات طويلة وتغيّر نمط القطع وتكراره العشوائي في بعض مدن وبلدات المنطقة، خسائر مادية جسيمة ببعض الأجهزة الكهربائية في بيوت السكان الذين يعيشون ظروفًا معيشية واقتصادية متدهورة، دون أي تعويض حكومي للأفراد المتضررين من تلف أجهزتهم الكهربائية جراء انقطاع الكهرباء العشوائي.
كما أن لانقطاع الكهرباء العشوائي أثرًا كبيرًا على أجهزة التبريد، التي يعتمد عليها بعض السكان من أجل تبريد الأدوية واللقاحات، خصوصًا مرضى السكري، والتي تُستخدم يوميًا بانتظام، ويعتبر تزويد الأجهزة بالكهرباء أمرًا ضروريًا لتخزين الأدوية.
إلا أن تلك الأدوية في أغلب الحالات يكون مصيرها التلف، وتصبح غير صالحة للعلاج، ما يكلّف ذوي المرضى مبالغ طائلة لشراء مجموعة جديدة من الأدوية بدلًا من التي فسدت، نتيجة انقطاع الكهرباء العشوائي.
خسائر دون تعويض
فاقت خسارة خالد، الذي تحفظ على نشر اسمه الكامل لأسباب أمنية، مليوني ليرة سورية (حوالي 600 دولار)، نتيجة تعطل الأجهزة الكهربائية في بيته، وهو بحاجة إلى ما يزيد على عامين من العمل في وظيفته الحكومية لتعويض خسارته براتب شهري يبلغ 70 ألف ليرة (حوالي 20 دولارًا)، حسب قوله.
“كنتُ أنوي الزواج في العام المقبل، وبذلتُ كل طاقتي لتحقيق ذلك من خلال شراء أجهزة كهربائية جديدة للبيت الذي أفرشه هذه الفترة، إلا أنني لن أستطيع تحقيق ما أُريده بسبب تلف معظم الأجهزة الكهربائية في البيت”، وفق ما عبّر عنه الموظف الحكومي.
لا تعتبر قصة خالد الوحيدة التي ترتبط بمعاناة السكان من الانقطاع العشوائي للكهرباء في السويداء، فهناك كثيرون خسروا ملايين الليرات نتيجة هذه المشكلة، وفق ما رصدته عنب بلدي عن طريق استطلاع لرأي العائلات، دون أن يجد الناس حلًا لتعويض خسائرهم المادية.
جميل (43 عامًا) قال لعنب بلدي، إن خسارته المادية من انقطاع الكهرباء بلغت مليونًا ونصف المليون ليرة (425 دولارًا)، ولا يمكنه معالجة هذه الخسارة سوى بطلب قرض لتأمين ثمن الأجهزة المعطلة، إذ إن راتبه لا يتعدى 50 ألف ليرة شهريًا (15 دولارًا)، وهو لا يكفي لتأمين حاجيات عائلته لمدة أسبوع واحد، إذ يعمل موظفًا حكوميًا في إحدى المؤسسات التعليمية بالمنطقة
شراء قطع التبديل
انقطاع التيار الكهربائي المتكرر وغير المنتظم في المنطقة، صار يتكرر خلال ساعة القطع الواحدة بمعدل خمس أو سبع مرات تقريبًا في قرى وبلدات المنطقة الجنوبية، وفق ما قاله سليم مرشد (43 عامًا)، وهو مالك أحد المحال المخصصة لبيع قطع صيانة الأدوات الكهربائية في المنطقة.
وتتراوح مدة القطع الواحدة ما بين خمس وعشر دقائق في كل مرة، وفق ما قاله صاحب محل الأدوات الكهربائية لعنب بلدي، وحين يعود التيار يكون إما بجهد عالٍ جدًا، وإما منخفض جدًا، ما يجعل أغلب الأجهزة الكهربائية المنزلية تتعرض لخطر التلف أو العطل الفني.
وتشهد محال الأجهزة الكهربائية في هذه الفترة تزايدًا ملحوظًا في عدد الزبائن الذين يتوافدون في كل فترة من أجل شراء قطع تبديل لأجهزتهم الكهربائية المنزلية المعطلة، فمنهم من يحتاج إلى قطعة صيانة واحدة، ومنهم من يحتاج إلى قطعتين أو أكثر، بحسب صاحب محل الأجهزة الكهربائية.
القطع المطلوبة غالبًا ما تكون مستوردة، وسعرها مرتبط بقيمة صرف الليرة السورية أمام الدولار، كما أن أرخص القطع المتوفر منها في السوق الآن لا يقل سعرها عن خمسة آلاف ليرة (حوالي دولار ونصف).
وكان معاون وزير النفط السوري، عبد الله خطاب، أعلن أن “وضع المشتقات النفطية في سوريا بخير”، موضحًا توفر أكثر من 80% من حاجة سوريا من تلك المواد اليوم، في ظل استقرار خطوط استيراد المشتقات النفطية خلال الشهرين الماضيين، وفقًا لمعاون الوزير.
وقال خطاب، إن توزيع المشتقات النفطية مرتبط بالكفاية وتوفر المادة، مشيرًا إلى أن أولويات الوزارة هي توزيع المشتقات النفطية للأفران والمستشفيات والقطاع العام، الأمر الذي يتم بنسبة 100%.
وقال مدير التخطيط في وزارة الكهرباء بحكومة النظام السوري، أدهم بلان، إن كانون الأول الحالي وكانون الثاني المقبل هما الأصعب من ناحية وصول التيار الكهربائي خلال موسم الشتاء.
وأضاف بلان في حديث إلى صحيفة “الوطن” المحلية، في 7 من كانون الأول الحالي، أن سبب صعوبة توصيل الكهرباء خلال هذه الفترة، هو ارتفاع الحمولات وزيادة الطلب على الكهرباء، مقابل “تراجع” توريدات الغاز، إذ وصلت خلال الأيام الماضية إلى سبعة ملايين ونصف مليون متر مكعب يوميًا.
وأشار بلان إلى عدم وجود برامج تقنين ثابتة، مضيفًا أن تحديد برامج وساعات التقنين يعتمد على الكميات المتاحة من الطاقة الكهربائية.
كما أوضح مدير التخطيط في الوزارة، أن محطات توليد الكهرباء العاملة على الفيول “نشاطها محدود، ومعظمها قديم، وذات مردود متدنٍّ، وتحتاج إلى صيانة وتأهيل”.
وبحسب دراسة أعدّها الباحثان السوريان سنان حتاحت وكرم شعار، نُشرت في مركز “الشرق الأوسط للدراسات”، في أيلول الماضي، انخفضت القدرة الإنتاجية للكهرباء في سوريا خلال السنوات العشر الأخيرة بنسبة 44.8%، ويشير هذا الانخفاض إلى وجود 43 يومًا من انقطاع التيار الكهربائي سنويًا.
كما تحتاج المؤسسة العامة للكهرباء إلى 18 مليون متر مكعب من الغاز يوميًا لتشغيل التوربينات الغازية المسؤولة عن 70% من تغذية الكهرباء، ولم تحصل المؤسسة العامة إلا على 8.2 مليون متر مكعب من الغاز.
ولخّصت الدراسة أسباب مشكلة نقص الكهرباء في سوريا بعدم تعافي شبكة النقل تعافيًا كافيًا في المناطق المدمرة، ونقص الوقود اللازم لتشغيل محطات توليد الكهرباء.
وأشارت الدراسة إلى أن الداعمَين الرئيسَين لحكومة النظام، روسيا وإيران، لم يبديا رغبة تُذكر في متابعة الاتفاقيات المُوقعّة، “نظرًا إلى عجز حكومة النظام عن تأمين الأموال اللازمة”.