عنب بلدي – لجين مراد
لم تفتك الحرب بأجساد أطفال شمال شرقي سوريا وحسب، بل امتد أثرها ليطال عقولهم بعد أن فرض تنظيم “الدولة الإسلامية” حصارًا وضع العقول والأجساد داخل سجن أفكاره ومعتقداته، وعمل على هدم العديد من المفاهيم الدينية والفكرية التي تعتبر جزءًا من ثقافة أطفال شمال شرقي سوريا. ودون أن يمنحهم النزاع السياسي والعسكري فرصة للعيش ضمن إطار حياة معتدلة، تعيد ترميم ما أفسدته أفكار التنظيم “المتطرفة”، انتقل الأطفال من “تروما” التنظيم إلى أيديولوجيا “الإدارة الذاتية” ومنهجيتها القومية.
اعتمد التنظيم على سياسة الترهيب لنشر فكره وسط مشاهد يصفها أهالي المنطقة بـ”الدموية”، مشيرين إلى حملات “القصاص” العشوائية التي يبررها التنظيم بارتكاب “مخالفات شرعية”، كما عمل على إيقاف عملية التعليم بشكل تام، واعتمد “النقاط الدعوية” لنشر سياسته وأفكاره.
بينما اتبعت “الإدارة الذاتية” سياسة تتجاوز حدود القوميات والأديان، تبنّت خلالها نظرية “الأمة الديمقراطية” العائدة لزعيم حزب “العمال الكردستاني”، عبد الله أوجلان، وفق دراسة صادرة عن مركز “عمران للدراسات“.
كما عملت “الإدارة” على تعزيز فكرة العنف الثوري خاصة لدى الأطفال في المناهج التعليمية، من خلال نشر صور مقاتلين ومقاتلات مع نبذات “تمجيدية”.
وبحسب استطلاع رأي أجرته عنب بلدي، اعتبر 87% من المصوّتين أن أطفال شمال شرقي سوريا تعرضوا لصدمة ثقافية بين “تشدد” التنظيم، وانفتاح “الإدارة الذاتية” ضمن أيديولوجيا تخدم سياساتها.
“الأطفال يخافون الأقوى”
“أوقف عناصر (داعش) الحافلة التي كانت تنقلني وبناتي إلى السوق، وأجبرونا على حضور تنفيذ حكم القصاص”، بهذه الكلمات بدأت آلاء (33 عامًا) حديثها عن الخوف الذي عاشته بناتها الثلاث خلال سنوات سيطرة التنظيم على محافظة الرقة.
وتابعت في حديثها إلى عنب بلدي، “ابنتي كانت تنظر إليّ باستمرار خلال القصاص خوفًا من أن أغطي عيني أو عيون أختيها”، مبررة ذلك بأن التنظيم يعتبر تصرفًا كهذا جريمة ومحاولة لإخفاء الحق عن عيون الأطفال.
واعتبرت آلاء “القصاص”، المشهد شبه اليومي، وحملات الاعتقال التي كانت تجريها “الحسبة”، عوامل شكّلت هاجسًا في حياة الأطفال، وصارت مقياسًا يقيّمون من خلاله كل تصرفاتهم.
وأضافت، “الأطفال حتى اليوم يخافون الأقوى”، ويظهر خوفهم في العديد من تفاصيل حياتهم اليومية.
و”الحسبة” هي إحدى مؤسسات التنظيم التي تتجول في الشوارع لضبط “المخالفات الشرعية” واعتقال مرتكبيها، وفق تعريف الأهالي.
“أي مخالفة شرعية يرتكبها الطفل تعني عقوبة للأب والطفل في بعض الأحيان”، برر حسين (38 عامًا) في حديث إلى عنب بلدي منع أطفاله من الخروج من المنزل، مشيرًا إلى أن البيت تحول خلال سنوات سيطرة التنظيم إلى سجن آخر، إثر خوف الأهالي والأطفال من الخروج إلى الشوارع.
مرتضى (36 عامًا) وهو أب لستة أطفال، عبّر هو الآخر عن مشاعر الخوف التي شهدها تحت سطوة التنظيم، وقال لعنب بلدي، إن الخوف كان يطارد الأهالي وأطفالهم في كل لحظة، إذ إن الأطفال لم يكن لديهم الوعي الكافي لتجنب ارتكاب ما يصفه التنظيم بـ”المخالفات الشرعية”.
“من الأسود إلى الملوّن”
في الحديث عن الصعوبات التي واجهتها آلاء لدمج بناتها في المجتمع بعد خروج التنظيم من الرقة، قالت إن إدارة مدرسة البنات اتصلت بها لتشكو رفض بناتها اللعب مع الصبيان أو القيام بأي نشاط مشترك معهم.
وما زال عدد كبير من الأطفال يتعجبون من رؤية فتيات غير محجبات، أو مشاهد “الاختلاط”، وكثير من التفاصيل التي كانت تستوجب “القصاص” في سياسة التنظيم، وفق آلاء.
وأضافت آلاء أن حياة الأطفال تغيّرت “من الأسود إلى الملون” بعد أن رحل التنظيم، وسيحتاجون إلى فترة طويلة ليعتادوا الاختلاف الكبير، مشيرة إلى أن الثقافة التي يتلقاها الأطفال في المدارس اليوم، أو الحياة بصورة عامة، “ليست مثالية لكنها ترتقي لأن تسمى حياة”.
وأوضحت أن ملامح الحياة الطبيعية بدأت بالعودة إلى المنطقة مع افتتاح المدارس، والسماح للأهالي بالتجول في الشوارع وممارسة أنشطتهم اليومية دون قيود التنظيم “اللامنطقية”.
واتفق الأهالي الذين قابلتهم عنب بلدي على أن الحياة صارت أقرب إلى الطبيعية في ظل سيطرة “الإدارة”، إذ قال مرتضى، إن الحياة تبدو اليوم أكثر أمانًا واستقرارًا بالنسبة إلى الأهالي وأطفالهم، بعد أن بدأت الحياة تخضع لرغبتهم، ولو بشكل جزئي.
وعمل التنظيم على زرع أفكار يدوم أثرها طويلًا، إذ إن كثيرًا من الأطفال يتبعون سياسة “التحريم” التي نشرها، خوفًا من العقوبات التي طالت الأطفال وعائلاتهم لسنوات، وفق حديث إحدى العاملات في مجال الدعم النفسي في شمال شرقي سوريا، وتدعى إيمان (33 عامًا).
من جهته، قال المدير التنفيذي لمنظمة “اليوم التالي”، معتصم السيوفي، إن التنظيم مارس الظلم ولم يكتفِ بالحديث عنه، “وهذا العامل الأكبر الذي أسهم بخلق حالة الخوف بين الأطفال”.
وأكدّ السيوفي أن ما يدخل على حياة الطفل من أفكار ومشاعر خلال سنوات الوعي الأولى، يُشكّل أثرًا كبيرًا ويصير جزءًا من بنائه النفسي، معتبرًا المنهج “المتطرف والمتشدد” الذي اتبعه التنظيم خارج إطار المنطق، خاصة بالنسبة إلى أطفال بعمر تشكيل الوعي.
بدأت سيطرة تنظيم “الدولة الإسلامية” على مناطق شمال شرقي سوريا منذ مطلع 2014، بعد خوضه العديد من المعارك ضد فصائل المعارضة، ليعلن عن تأسيس “الدولة الإسلامية”.
وبعد معارك استمرت نحو 166 يومًا بين “قوات سوريا الديمقراطية” (قسد)، الذراع العسكرية لـ”الإدارة الذاتية”، والتنظيم، سيطرت “قسد” على مدينة الرقة أواخر عام 2017، لتنتهي عاصمة “الخلافة” التي اختارها التنظيم.
“الدين الصحيح”
“الفكر الداعشي دخل من باب الفكر المقدس، لأن الدين في بلادنا عند عموم الناس له مكانة أساسية بتشكيل الثقافة والهوية الفكرية ومنظومة المقدسات”، هذا ما قاله السيوفي في الحديث عن العوامل التي أسهمت بـ”تشويه” أفكار الأطفال.
وأضاف السيوفي أن التنظيم حمل رسالة “هذا هو الدين الصحيح”، لترسيخ فكره في عقول الأطفال الذين يعتبرون الدين جزءًا أساسيًا من حياتهم.
كما أكدت آلاء أن محاولات الأهالي فصل الإسلام عن ممارسات التنظيم كان لها دور أساسي بإنقاذ الأطفال من الضياع، والانجرار وراء دعوات التنظيم لممارسات الأعمال “الإرهابية”، بحسب تعبيرها.
وأشارت إلى أن الأهالي حاولوا الحفاظ على خلفية دينية صحيحة في عقول أبنائهم، لكن الخوف غلب هذه الخلفية في كثير من الأحيان.
الحياة في ظل “الإدارة الذاتية”
لا تختلف سياسة “الإدارة الذاتية” الحاكمة في شمال شرقي سوريا عن سياسة حزب “البعث” التي تشكّل انتهاكًا حقيقيًا لحقوق الإنسان، جرّاء العمل على “أدلجة” الأطفال، وفرض حياة تسيطر عليها سياسة “الإدارة” بشكل كامل حتى في المناهج التعليمية، وفق معتصم السيوفي.
وتتركز المحاور التي خلّفت مشكلات جديدة في حياة أطفال شمال شرقي سوريا على سياسة “الإدارة” التي لم تضمن لهم الاستقرار الأمني أو المعيشي، إذ اعتمدت على مرجعيتها الفكرية البعيدة عن ثقافة المجتمع، ما شكّل تخوفات جديدة من زيادة التوتر الأمني، إلى جانب الصراع الفكري، إثر الخلافات الثقافية والقومية بين المجتمع و”الإدارة”.
كما لم تكتفِ “الإدارة” بالسيطرة على المنطقة عسكريًا وسياسيًا، وامتد أثرها ليطال الموارد الاقتصادية، وفق سياسة أضافت معاناة جديدة في حياة الأطفال، وأجبرت العديد منهم على العمل لتأمين لقمة العيش.
وفي الحديث عن سياسة “الإدارة” قال مرتضى، الأب الذي قابلته عنب بلدي، إن “الإدارة” استطاعت تأسيس مؤسسات خدمية افتقدتها المنطقة منذ خروج قوات النظام، مؤكدًا أن وجود هذه المؤسسات لا يبرئ “الإدارة” من كثير من التهم الموجهة إليها، وأبرزها الفساد.
“الإدارة” وتجنيد الأطفال
ارتكبت “الإدارة” العديد من الانتهاكات منذ بداية سيطرتها على المنطقة سعيًا للحفاظ على نفوذها وكسب قوة عسكرية أكبر، وأبرزها تجنيد الأطفال الذي يعتبر جزءًا من مساعي “الإدارة الذاتية” لـ”أدلجة” الأطفال.
ورغم كثرة الوعود والادعاءات من قبل “الإدارة” بإنهاء ومنع تجنيد الأطفال، بلغ عدد الأطفال المجندين على يد “قوات سوريا الديمقراطية” (قسد)، الذراع العسكرية لـ”الإدارة”، نحو 156 طفلًا، بحسب تقرير لـ”الشبكة السورية لحقوق الإنسان”.
وتستخدم “قسد” أسلوبي التجنيد قسرًا وطوعًا، فتلجأ إلى محاولات الإقناع والتشجيع وتقديم “المغريات” للأطفال للانضمام إلى صفوفها، كما يجري التجنيد أيضًا عبر خطف الأطفال خلال وجودهم في المدرسة أو الشارع، وفق التقرير.
ويؤثر التجنيد على الطفل بمستويين، الأول، على مستوى الطفل وسلوكه الخارجي تجاه المجتمع، والثاني على مستوى الطفل نفسه.
ويعتبر أثر التجنيد على مستوى الطفل وسلوكه الخارجي هو الأشد، وفق ما قاله الطبيب إسماعيل الزلق، في حديث سابق إلى عنب بلدي.
وأوضح الطبيب أنه في حالة التجنيد الإجباري عبر الخطف أو غيره من الطرق، يكون الطفل غير قادر على اتخاذ القرارات، بمعنى أنه لا يستطيع أن يميّز الخطورة من عدمها، وبالتالي يمكن خداع الطفل ببعض الميزات والأمور حتى يقبل الانضمام.
ولا يقتصر أثر تجنيد الطفل على مرحلة عمرية معيّنة، فتجربة الطفل مع السلاح يمكن أن تدفعه للظن بأنها الطريقة التي يتعامل فيها كل الناس، وهذا يمكن أن يعزز العنف عنده، خاصة إن لم تكن لديه ذخيرة من المعرفة والدعم الاجتماعي.
فجوة في العملية التعليمية.. التعليم تحت عباءة التنظيم
“حاولنا منع الأطفال من الاختلاط أو المشاركة بأي عمل من الممكن أن يعزز فكر (داعش) في عقولهم. بقاؤهم دون تعليم أهون من أن يتلقوا تعليمًا مشوهًا”، بهذه الكلمات أكدت آلاء أن معظم الأهالي رفضوا مشاركة أبنائهم بما اعتبره التنظيم مراكز تعليمية، لم تقدم للمنتسبين إليها إلا المزيد من الدعوات للانخراط بالتنظيم.
أنهى التنظيم العملية التعليمية التي كان يسيّرها النظام بشكل كامل، واستمر انقطاع الأطفال عن التعليم في ظل سيطرته باستثناء “النقاط الدعوية”، التي عمل التنظيم على نشر إصداراته من خلالها، وفق ما قاله بعض أهالي المنطقة في حديثهم إلى عنب بلدي.
واعتبر التنظيم إعطاء الدروس الخصوصية “جريمة” تتطلب “القصاص”، ليمنع انتشار أي أفكار خارج سياسته ومنهجيته.
كما أحرق جميع الأوراق الرسمية للطلاب، بذريعة الحد من الكفر الذي كانت تنشره مناهج النظام السوري، واكتفى بتوزيع أقراص رقمية على المعلمين تتضمن المواد الأساسية، مع الحفاظ على ألا يخالف مضمونها سياسة التنظيم، وفق دراسة أجراها مركز “حرمون للدراسات المعاصرة” حول العملية التعليمية في سوريا.
وبحسب الدراسة، أعاد التنظيم افتتاح المدارس بعد طباعة مناهج تتفق مع مبادئه وأفكاره، إلى جانب إلغاء العديد من المواد التي خالفت منهجيته.
واستخدم التنظيم التعليم كأداة لتلقين العقائد، والعمل على تجنيد الأطفال، إذ حوّل المدارس إلى معسكرات تدريبية للأطفال لاستخدامهم في أدوار قتالية، من خلال أسلوب ممنهج يتضمّن عرض مشاهد تؤدي إلى تبلّد شعور الأطفال تجاه العنف المفرط، إلى جانب تدريبهم عسكريًا، بحسب تقريــر للجنة التحقيق الدولية المعنية بالجمهورية العربية السورية.
المرحلة الانتقالية
شكّلت عودة التعليم تحديًا بعد إعلان “الإدارة” سيطرتها، إذ اعتمدت المؤسسات التعليمية في بدايتها على إنشاء مؤسسات مدنية تعنى بإدارة شؤون المدينة، ومنها “لجنة التربية والتعليم” التابعة لـ”مجلس الرقة المدني”، وفق ما رصده مراسل عنب بلدي في الرقة حسام العمر.
ومن خلال المتابعة، اتضح أن معظم الشباب الذين تطوعوا لافتتاح المدارس بعد خروج التنظيم من المنطقة، واجهوا تحديات تمثّلت بقلة الخبرة، تزامنًا مع رفض نسبة كبيرة من المعلمين ذوي الخبرة الانخراط بالعملية التعليمية، رفضًا لحكم “الإدارة”.
وقال أحد المدرّسين في ريف الرقة، ويدعى دحام (33 عامًا)، في حديث إلى عنب بلدي، إن معظم الشباب المتطوعين في المدارس، أُجبروا على جمع أعداد كبيرة من الأطفال بأعمار متفاوتة في صف واحد، لإعطائهم معلومات أساسية نظرًا إلى انقطاعهم الطويل عن التعليم.
ولم يمنح الأهالي المدارس التي افتُتحت حديثًا الثقة، خوفًا من أن يتلقى أطفالهم المزيد من المعلومات والأفكار “المشوّهة”، لكن عودة الحياة إلى طبيعتها، ولو بشكل جزئي، دفعت الأهالي إلى تجاوز تلك المرحلة، وإعادة الأطفال إلى المدارس.
فجوة بين الطفل والتعليم
أُجبر المعلمون في شمال شرقي سوريا على البحث عن آليات جديدة لتبسيط المعلومات، بما يتناسب مع الأطفال الذين انقطعوا عن التعليم لأكثر من أربع سنوات، وفق ما قاله صالح لعنب بلدي (28 عامًا)، وهو أحد المعلمين في مدارس “الإدارة”.
وقدمت “الإدارة” للمعلمين دورات صيفية للتعامل مع الأطفال المنقطعين عن التعليم، بعد أن أثّر الانقطاع عن التعليم على قدرتهم الاستيعابية.
وأوضح صالح أن الأطفال لا يتفاعلون مع المدرّسين بالشكل المطلوب، وغالبًا ما يكونون في حالة شرود، مشيرًا إلى أن المؤسسات التعليمية ما زالت عاجزة عن تحفيز الأطفال، وإعادة حب المعرفة وسد الثغرات التي تركها التنظيم.
بينما أكد الأهالي الذين تحدثت إليهم عنب بلدي، ومن بينهم آلاء، أن مدارس “الإدارة” كانت بمثابة منقذ للأطفال من مستقبل حكم عليه غياب التعليم بالضياع.
التعليم أداة بيد “الإدارة الذاتية”
عملت “الإدارة” على فرض سياستها من خلال هذه المناهج التي أُعدت استنادًا إلى فلسفة عبد الله أوجلان، باعتباره قائدًا روحيًا للشعب الكردي، ولقيت هذه المناهج رفضًا من قبل شريحة كبيرة من العرب والكرد والمكوّنات الأخرى، بسبب تخوفهم على مستقبل أبنائهم، وفق دراسة مركز “حرمون“.
وتتضمّن المناهج الحالية لـ”الإدارة” أفكارًا تمسّ الدين الإسلامي، وتعديلات كبيرة على المعلومات التاريخية والجغرافية بما يتناسب مع مبادئها.
كما حوّلت “قسد” أغلب المدارس المخصصة لتقديم خدمة التعليم إلى مراكز عسكرية.
وقال المدير التنفيذي لمنظمة “اليوم التالي”، معتصم السيوفي، إن العملية التعليمية التي تديرها “الإدارة” لم تسهم في معالجة الأطفال من آثار التنظيم، إذ إن المناهج اعتمدت على “أدلجة” الأطفال، وفرض منهجية موحدة على منطقة واسعة فيها تنوع قومي وفكري.
الحالة النفسية ودور المنظمات
تظهر الآثار النفسية لأعمال العنف التي ارتكبها التنظيم في كثير من سلوكيات الأطفال، من خلال ردود فعلهم “العدوانية” التي عجز الأهالي في كثير من الأحيان عن التعامل معها، وفق إيمان، العاملة في مجال الدعم النفسي.
واعتبرت إيمان حاجة الأهالي إلى الدعم النفسي لتجاوز الأثر الكبير الذي تركه التنظيم على نفوس الكبار والصغار، عاملًا أساسيًا لإعادة تأهيل الأطفال والمجتمع بشكل كامل.
كما انعكس الأثر النفسي على الصحة الجسدية للأطفال، إذ أُصيب العديد من الأطفال بمرض السكري، وتعرضوا في بعض الحالات لإعاقة سمعية، بالإضافة إلى نوبات الهلع والاختلاجات، وفق إيمان.
من جهته، قال السيوفي إن الإمكانيات في سوريا محدودة وغير كافية، بينما تتطلب إعادة تأهيل الأطفال بعد تعرضهم للفكر المتطرف ومشاهد العنف وحالة الخوف التي لازمتهم لسنوات، قدرات هائلة، مشيرًا إلى أن المجتمع السوري إلى جانب المؤسسات الحكومية ومنظمات المجتمع المدني في سوريا، تعيش بحالة عدم استقرار.
ولعبت المنظمات التابعة للأمم المتحدة دورًا أساسيًا في إعادة تأهيل الأطفال، وتقديم الدعم النفسي، من خلال جلسات توعوية للأهالي والأطفال، وإقامة الأنشطة التي أسهمت في التخفيف من آثار الصدمة على نفسية الطفل.
وفي حديث إلى عنب بلدي، قالت الطبيبة النفسية نسيبة جلال، إن الاضطرابات التي عاشها أطفال شمال شرقي سوريا ظهرت لاحقًا على هيئة اضطراب سلوكي، أو ما يُعرف بـ”اضطراب ما بعد الصدمة”، أو “اضطراب القلق المرهق”.
وأضافت أن الطفل خلال مرحلة ما بعد الصدمة يستعيد الأحداث في ذاكرته لتنعكس على سلوكياته.
وأوصت الطبيبة بإعادة الأطفال إلى بيئة مفرحة، ومحاولة تفريغ صدماتهم من خلال أنشطة تحمل آثارًا إيجابية على نفسية الطفل وشخصيته.