عنب بلدي – زينب مصري
وفق المنطق الاقتصادي، ترفع الزيادات على الرواتب المستوى العام للأسعار، وتسهم في مزيد من التضخم. وفي الحالة السورية، ارتفاع الأسعار قبل زيادة الرواتب يسبق ارتفاعها المتوقع بعد الزيادة، إذ تعمد حكومة النظام إلى رفع أسعار مواد استهلاكية قبل إقرار زيادة الرواتب والأجور، ولا تحسّن هذه الزيادات على الرواتب مستوى معيشة السوريين.
اتبعت حكومة النظام السوري سياسة رفع الأسعار قبل الزيادتين الأخيرتين على الرواتب اللتين أقرهما رئيس النظام، بشار الأسد، خلال العام الحالي.
ورفعت وزارة التجارة الداخلية وحماية المستهلك في حكومة النظام سعر البنزين المدعوم بنسبة نحو 47%، ليصبح سعر الليتر من نوع “أوكتان 90” على “البطاقة الذكية” 1100 ليرة سورية لليتر الواحد، بعد أن كان يُباع بـ750 ليرة، في 12 من كانون الأول الحالي.
انعكس هذا الارتفاع على أجور النقل وأسعار المواد الغذائية، وتوقع مسؤولون في حكومة النظام أن تصل الزيادة في أسعار مبيع الخضار والفواكه حتى 15%.
كما رفعت الوزارة، في 8 من كانون الأول الحالي، سعر مبيع ربطة الخبز “السياحي” بوزن كيلوغرام واحد إلى ألفين و500 ليرة سورية، بعد أن كانت تُباع بـ1700 ليرة.
وفي 11 من تشرين الثاني الماضي، حددت الوزارة سعر مبيع الليتر الواحد من مادة المازوت (غير المدعوم) بألف و700 ليرة سورية، وسعر مبيع الليتر الواحد من مادة البنزين “أوكتان 90” (غير المدعوم) بألفين و500 ليرة سورية.
في 15 من كانون الأول الحالي، أصدر رئيس النظام السوري، بشار الأسد، مرسومًا يقضي بزيادة نسبة 30% على الأجور المقطوعة لكل من العاملين المدنيين والعسكريين. وتشمل زيادة الرواتب بنسبة 30% كلًا من المشاهرين والمياومين والمؤقتين، بجميع أنواع التعيينات، والعاملين على أساس الدوام الجزئي أو على أساس الإنتاج أو الأجر الثابت والمتحول. وتضمّن المرسوم رفع الحد الأدنى العام للأجور، والحد الأدنى لأجور المهن لعمال القطاع الخاص والتعاوني والمشترك إلى 92 ألفًا و970 ليرة سورية (ما يعادل 37 دولارًا أمريكيًا). وفي مرسوم منفصل، يُمنح العاملون المدنيون والعسكريون المتقاعدون، “المشمولون بأي من قوانين وأنظمة التقاعد والتأمين والمعاشات والتأمينات الاجتماعية النافذة”، زيادة على رواتبهم التقاعدية قدرها 25% من أجورهم الحالية. كما نص مرسوم ثالث على حساب التعويضات الممنوحة بموجب القوانين والأنظمة النافذة على أساس الرواتب والأجور الشهرية المقطوعة النافذة بتاريخ أداء العمل (بدلًا من حسابها على أساس الرواتب والأجور النافذة بتاريخ 30 من حزيران 2013). |
نموذج سابق
في 11 من تموز الماضي، وبعد سنتين من زيادة على الرواتب والأجور في سوريا، أعلن النظام عن زيادة على الرواتب والأجور، لكنه سبقها برفع أسعار مواد غذائية أساسية، إلى جانب أسعار المحروقات، بعد تمهيد لرفعها بسبب عدم قدرته على التمويل، وبذريعة ارتفاع تكاليف الإنتاج.
بلغت نسبة الزيادة على الرواتب، التي أقرها الأسد حينها، 50% بالنسبة إلى العاملين والموظفين، أما الزيادة على رواتب المتقاعدين فبلغت 40%، بينما رفعت حكومة النظام سعر المازوت بنسبة 172%، وسعر الخبز بنسبة 100%، وسعر السكر والأرز بنسبة 100% تقريبًا.
زيادة خجولة
الزيادة الأخيرة على الرواتب لن تسهم في تحسين الوضع المعيشي للسوريين في مناطق سيطرة النظام، بحسب الباحث والدكتور في العلوم المالية والمصرفية فراس شعبو، إذ إن التقديرات التابعة لمحسوبين على النظام تقول إن العائلة الواحدة تحتاج من 400 إلى 500 ألف ليرة سورية شهريًا.
ووصف الباحث الزيادة الأخير على الرواتب بأنها “خجولة وضحك على الشعب لا أكثر”، إذ إن الزيادة الحقيقية التي يمكن أن تُحسّن حياة المواطنين المعيشية يجب أن تكون بحدود 300% أو 400%.
وأوضح شعبو أن الارتفاع في المستوى العام للأسعار آتٍ لا محالة، وهو أمر طبيعي، لأن النظام عمد إلى رفع بعض الأسعار قبل الزيادة، ما سيؤدي إلى رفع تكاليف الإنتاج بشكل كبير جدًا.
كما تحدث النظام عن إزالة أو تخفيض الدعم واستثناء نحو ربع السوريين منه، وهذا يدل على الحالة الاقتصادية التي يعيشها النظام.
ويأتي هذا كله وسط عدم توفر المازوت والكهرباء والمواد الأساسية، وغياب البيئة المناخية الاستثمارية، ووجود الاحتكار و”التشبيح” المالي، والإتاوات التي يفرضها “شبيحة” النظام على عمليات نقل البضائع.
“الأمل بالهروب”
اليوم لم يعد هناك “أمل بالعمل” على الإطلاق (شعار حملة بشار الأسد الانتخابية)، بحسب شعبو، والشعار الذي يجب على الأسد رفعه هو “الأمل بالهروب”، في وقت تتحدث فيه كثير من التقارير الأممية عن مجاعة في سوريا، وهي مؤشرات توحي بأن الوضع في سوريا سيتجه إلى الأسوأ بشكل كبير.
وستؤثر هذه الزيادة على أسعار الصرف، وفق ما أوضحه الباحث، فمن ناحية اقتصادية، من الطبيعي انخفاض قيمة السلعة عند زيادة العرض عليها، ومع زيادة المعروض النقدي من الليرة في الأسواق ستنخفض قيمتها.
ويرى شعبو أن النظام مدرك لهذا الأمر، خصوصًا أنه قانون اقتصادي عام، لكن الحكومة تريد القول من خلال هذه الزيادة إنها موجودة، وإن رئيس النظام “أنعم على المواطنين بمكرمة الرواتب”.
سعر صرف الدولار الأمريكي في السوق السوداء السورية شهد نوعًا من الاستقرار منذ نيسان الماضي، ويبلغ سعر الدولار 3585 ليرة سورية، بحسب موقع “الليرة اليوم”، بينما تُبقي حكومة النظام سعر الصرف ثابتًا عند مستوى 2252 ليرة للدولار الواحد.
وكان أمين سر مجلس الشعب، سلوم السلوم، أوضح في تصريحات لإذاعة “شام إف إم” المحلية في 14 من كانون الأول الحالي، أن كتلة الرواتب والأجور الواردة في موازنة عام 2022، والتي أقرها المجلس في 13 من الشهر نفسه، تبلغ ألفًا و586 مليار ليرة سورية.
ويلجأ معظم السوريين إلى الاعتماد على أكثر من مصدر دخل بسبب انخفاض قيمة الرواتب وانخفاض قدرتهم الشرائية، ويواجهون الغلاء وصعوبات المعيشة في مناطق سيطرة النظام بالحوالات المالية من مغتربين خارج سوريا، ويعتمدون على أعمال ثانية كمصدر دخل ثانٍ، كما تستغني عائلات عن أساسيات في حياتها لتخفض من معدّل إنفاقها.
وكان المدير التنفيذي لبرنامج الأغذية العالمي التابع للأمم المتحدة، ديفيد بيزلي، حذّر من التدابير “القاسية” التي يضطر الأهالي إلى اتخاذها بسبب الجوع والفقر في سوريا.
وقال المسؤول الأممي، في بيان صادر في 12 من تشرين الثاني الماضي، إن الصراع والتغيّر المناخي وجائحة فيروس “كورونا المستجد” (كوفيد- 19)، والآن تكلفة المعيشة، تدفع الناس إلى ما وراء قدرتهم على التحمل.
وحذّر بيزلي من الانتظار أكثر لمساعدة من هم بحاجة، إذ “أظهر التاريخ لنا أننا إذا لم نساعد الناس قبل أن يصبحوا معدَمين، فسوف يتخذون تدابير قاسية وسنشهد هجرة جماعية”، بحسب تعبيره.
وبحسب بيانات لبرنامج الأغذية العالمي، يعاني الآن حوالي 12.4 مليون شخص (ما يقرب من 60% من السكان) من انعدام الأمن الغذائي، ولا يعرفون من أين ستأتي وجبتهم التالية، وهذا أعلى رقم سُجل في تاريخ سوريا بزيادة نسبتها 57% على عام 2019.