تحدث مبعوث الولايات المتحدة السابق إلى سوريا، جيمس جيفري، عن تجاهل الإدارة الأمريكية للملف السوري في ظل إعطاء أولويتها للملف النووي الإيراني.
وقال جيفري في مقال نشرته مجلة ““فورين أفيرز” الأمريكية، في 14 من كانون الأول، وترجمته عنب بلدي، إن انتصار نظام رئيس النظام السوري، بشار الأسد، سيرسل رسالة إلى الحكام المستبدين في العالم بأن القتل الجماعي تكتيك قابل للتطبيق للاحتفاظ بالسلطة، مع الإشارة إلى الصعود الإقليمي لعناصر التمكين الروسية والإيرانية للأسد.
اجتذبت الحرب السورية أيضًا الجيوش الأمريكية والإسرائيلية والتركية، ولا يزال خطر الاشتباكات بينها وبين القوات الإيرانية والروسية وقوات النظام السوري حقيقيًا للغاية.
ويرى جيفري أن على واشنطن أن تقود جهود دبلوماسية متجددة للتوصل إلى حل للصراع السوري، على الرغم من أن أي اتفاق يجب أن يكون متسقًا مع الدور الرسمي للأمم المتحدة، إلا أن واشنطن وحدها هي التي يمكنها تنسيق العديد من أعضاء التحالف المناهض للأسد.
انخفاض الآمال الروسية في تحقيق الأسد للنصر
المحاور الوحيد القابل لواشنطن في هذه المفاوضات هو روسيا، ورغم أن موسكو لا تملك سيطرة كاملة على الأسد ويجب أن تتنافس على النفوذ مع إيران، تظل الشريك الأكبر في التحالف الروسي السوري الإيراني، كما أن لدى موسكو أيضًا طموحات محدودة أكثر من دمشق أو طهران، مما يجعلها أكثر قابلية لحل تفاوضي للصراع.
يجب أن تسعى إدارة بايدن إلى خفض التصعيد خطوة بخطوة من كلا الجانبين، وقد يكون هذا مشابهًا للاستراتيجية التي اعتمدتها الإدارتان الأمريكيتان السابقتان، ولكن القضايا التي يجب تحديد أولوياتها ستعتمد على تفضيلات إدارة بايدن وتفضيلات شركائها والجانب الآخر.
من المحتمل أن تكون على رأس قائمة القضايا التي يجب مناقشتها، التنازلات السياسية من قبل دمشق لضمان عودة آمنة للاجئين، بما في ذلك إعادة التوطين التي تتم مراقبتها دوليًا، وأحكام أمنية ورقابية مماثلة لإعادة دمج قوات المعارضة و”قوات سوريا الديمقراطية”، وتأمين ضمانات أمنية للحدود الجنوبية لتركيا، والإزالة الدائمة للأسلحة الاستراتيجية الإيرانية، لا سيما صواريخها الدقيقة من الأراضي السورية.
ويرى جيفري أنه من المرجح أن تضغط روسيا على الجيوش الأمريكية والإسرائيلية والتركية للانسحاب من سوريا، ومن المحتمل أيضًا أن تطالب موسكو بالتعاون الأمريكي في مكافحة الإرهاب في سوريا ضد التنظيم، الذي يبدو أن الأسد غير قادر على هزيمته، إلى جانب تخفيف العقوبات وعودة اللاجئين من تركيا والأردن ولبنان إلى مدنهم وبلداتهم الأصلية.
وتأمل روسيا، أن تؤدي هذه الخطوات إلى إطلاق العنان للاستثمار الأجنبي في سوريا، وبالتالي تحرير موسكو من محاولة دعم اقتصاد البلاد المنهار.
ويتعين بناء على ذلك، اتخاذ مجلس الأمن التابع للأمم المتحدة لقرار جديد بإبرام أي صفقة رسميًا وإنشاء رقابة على التزامات كل جانب، والنتيجة النهائية ستكون عودة سوريا كدولة “طبيعية” وعضو كامل في جامعة الدول العربية، بحسب جيفري.
دفعت إدارة الرئيس الأمريكي السابق، دونالد ترامب، الروس إلى إيجاد حل وسط يقوم بشكل عام على إنهاء الضغط الدولي، ولا سيما العقوبات، وقبول الأسد مقابل تنازلات في القضايا الجيوستراتيجية.
وشملت هذه القضايا إزالة الأسلحة الاستراتيجية الإيرانية، والعملية السياسية للأمم المتحدة إلى جانب المصالحة مع قوى المعارضة واللاجئين، ووضع حد لبرامج الأسلحة الكيماوية.
كان هذا الاقتراح جذابًا بدرجة كافية للرئيس الروسي، فلاديمير بوتين، لدعوة وزير الخارجية الأمريكي السابق، مايك بومبيو، إلى سوتشي في أيار 2019 لمراجعته، واختار بوتين في النهاية عدم عقد الصفقة في ذلك الوقت.
وحاولت موسكو باستمرار تقسيم التحالف المناهض للأسد، وضغطت على الأتراك، والإسرائيليين، والحلفاء الكرد للولايات المتحدة لعقد صفقات منفصلة مع الأسد، كما شجعت تواصل الدول العربية مع دمشق.
آفاق السلام
تعلم موسكو أن الأسد لم ينتصر في الصراع وليس لديه خيارات واضحة لفعل ذلك، إذ تسيطر “الإدارة الذاتية” المدعومة من الولايات المتحدة وتركيا على ما يقرب من 30% من الأراضي السورية، بما في ذلك معظم احتياطيات النفط في البلاد وجزء كبير من أراضيها الصالحة للزراعة.
ولا يزال نصف السكان الذين تحولوا إلى لاجئين أو نازحين داخليًا يخشون العودة إلى حكم الأسد، وقيدت القوات الجوية الإسرائيلية نشر الصواريخ الإيرانية، وعلى الرغم من أن المخاطر والتكاليف التي تتحملها موسكو محدودة، فهي ليست بسيطة.
وتشمل هذه زيادة تدهور اقتصاد الأسد المتذبذب، والاحتكاك الداخلي للنظام، والتصعيد غير المقصود مع القوات الإسرائيلية أو الأمريكية أو التركية.
وطرح كبار المسؤولين الروس في نهاية إدارة ترامب، صفقات محتملة مع الولايات المتحدة التي كان من الممكن أن تضع حدًا للصراع.
وعمقت اتفاقات “إبراهيم” علاقات إسرائيل مع دول الخليج العربي، وخفف الرئيس التركي، رجب طيب أردوغان، بشكل كبير خلافاته مع شركاء الولايات المتحدة الآخرين في المنطقة، وتم إصلاح الخلاف بين قطر ومجلس التعاون الخليجي.
يحث قادة الدول الإقليمية الأكثر أهمية الولايات المتحدة على الاضطلاع بدور أكثر بروزًا، حتى الجهود الفاشلة لتحقيق انفراجة بشأن سوريا من شأنها أن تعزز الدعم الإقليمي لموقف واشنطن الاحتياطي، مما يحافظ على حالة الجمود التي تحرم إيران وروسيا من تحقيق نصر استراتيجي.
وستؤذي أي مبادرة دبلوماسية كبيرة بشأن سوريا الإدارة الأمريكية بالتأكيد، لكن القيام بذلك أقل خطورة من السماح للصراع بالاستمرار، بحسب جيفري، الذي اعتبر أن وضع حد للحرب في سوريا، من شأنه أن يعزز بشكل كبير قيمة واشنطن كشريك الأمن في منطقة الشرق الأوسط وخارجها.