نتابع في هذه الفقرة، استكمالًا لملف “إسرائيل “العدوة”.. تاريخ الأسد الحافل بالتسويات والاحتفاظ بحق الرد“، تناول تسع من صحف الإعلام البديل لهذا الموضوع الشائك، وقد أعددنا مسارًا تاريخيًا للعدوان الإسرائيلي على كل من سوريا وفلسطين خلال سنين الثورة، بدءًا من أول مرة تم فيها القصف في كانون الثاني 2013 إلى لحظة إعلان روسيا وإسرائيل عن اتفاقيات بشأن تنسيق الأعمال العسكرية على أرض سوريا في 24 أيلول 2015. ومن ثم تابعنا تغطية هذه الصحف لهذه الأحداث، وما نشرته في حينها من مقالات وافتتاحيات، ثم طرحنا عدة أسئلة على مدراء التحرير بغية الإحاطة الشاملة بالموضوع.
الكارثة السورية فاقت الكوارث الفلسطينية
لقد تراجعت أهمية القضية الفلسطينية عما كانت عليه الحال قبل أن يصل الربيع العربي إلى سوريا، فالأهوال التي تعرض لها السوريون على مدى خمس سنوات، وكثافة المجازر وتتاليها جعلت التركيز الأساسي للصحف منصبًا على القضايا المحلية الداخلية، “نحاول أن نغطي الجانب الخدمي بشكل خاص في محافظة إدلب ولا نستطيع أن نتجاهل المعارك والتطورات الميدانية، ويرجع ذلك إلى قلة الكوادر في الجريدة”، يقول رائد رزوق، رئيس تحرير جريدة زيتون، وإلى هذا الرأي أيضًا يذهب أحمد أبو وديع، رئيس تحرير جريدة حبر، الصادرة في حلب”، نحن جريدة محلية بالدرجة الأولى نركز جل اهتمامنا على الشمال السوري ومن ثم عموم سوريا بشكل أقل، ولذلك فإننا نعتقد أن أخبار القصف الإسرائيلي المتكرر لم تكن تهم القارئ في هذه المناطق”. ويفسر طارق الأحمد، مدير تحرير مجلة عين المدينة، عدم تغطية مجلته للشأن الفلسطيني بقوله: “لا نعتبر أن ما يحدث من ظلم في فلسطين أولى بغيره من تغطية ما يحدث من ظلم في مصر واليمن والبحرين وغيرها، ولذلك فإننا نركز على الشأن السوري فقط”.
خطاب الممانعة ينتهي مفعوله
غالبًا ما كانت تغطية الإعلام البديل للقصف الإسرائيلي، على قلتها، تشير إلى احتفاظ النظام دائمًا بحق الرد مقابل إسرائيل وليس مقابل شعبه،” مرة جديدة يلتزم محور المقاومة والممانعة الصمت مدركًا أنه عاجز وفاشل، وأن عجزه قد انكشف للقاصي والداني… وكلها شعارات كاذبة وزائفة )المقاومة والممانعة) لتثبيت سلطة الطاغية السوري”، تقول افتتاحية العدد 55 من جريدة تمدن، بينما تسخر جريدة “كلنا سوريون” في افتتاحية العدد 20 “فتى القصر الجمهوري يحتفظ بحق الرد”، وتعلق جريدة صدى الشام في العدد 46 على قصف إسرائيل للقنيطرة “النظام وصفها بالانتهاك السافر، لكنه لم يرد”.
وكثيرًا ما نجد في الصحف التي تابعناها اتهامًا للنظام بكونه حام لإسرائيل، مقابل دفاع إسرائيل عنه في المحافل الدولية، “النظام السوري هو حامي حدود إسرائيل ونؤمن أيضًا بأن بقاء النظام كل هذه المدة هو بسبب الرغبة الإسرائيلية بعدم انهياره لأن ضامن لحدودها وأمنها”، بحسب السياسة التحريرية لجريدة تمدن كما يوضحها دياب سرية رئيس التحرير.
غزة وسوريا جرح واحد
على خلاف تغطية القصف الإسرائيلي للنظام، اتخذت جميع الصحف التي تابعناها موقفًا معارضًا خلال العدوان الإسرائيلي على غزة في تموز 2014، وكثيرًا ما أشارت إلى تشابه محنتي الشعبين السوري والفلسطيني، كما نجد في العدد 147 لجريدة سوريتنا.
“الضحايا يتعاطفون مع الضحايا، والحرية لا تتجزأ”، يقول ماجد كيالي في مقال له في مجلة طلعنا عالحرية، أما جريدة صدى الشام فتشير في عددها الـ50 إلى أن “معركة سوريا وفلسطين معركة واحدة”، وفي العدد الذي قبله علقت الجريدة على العدوان ذاته بأن النظام السوري تفوّق على إسرائيل بقتل المدنيين، وفقًا لتقرير نشرته الشبكة السورية لحقوق الإنسان.
عدو عدوي صديقي
لم تبدِ الصحف التي تابعناها أي تعاطف مع حزب الله حين قتلت إسرائيل قادته في غارة على القنيطرة في كانون الثاني من هذا العام، كما أن رد حزب الله بعدها بعشرة أيام قوبل بتشكيك شديد، ” كم كنا سنفرح لو أنها ولعت بين إسرائيل وحزب الله”، يكتب مازن دياب في العدد 176 من جريدة سوريتنا، معتبرًا أن الحرب بين الطرفين “ستكف أذى الحزب عن الشعب السوري”، أما الكاتب غازي حمدان فكتب في مقاله المنشور في العدد 88 من جريدة تمدن “لماذا استدعاء إسرائيل الآن”، معتبرًا أن افتعال المشاكل مع إسرائيل اليوم جاء كجزء من الحملة الإعلامية الموجهة لأنصار إيران في المنطقة.
“ففي الوقت الذي يعتبر فيه جميع السوريين أن إسرائيل هي عدو، فإن قسمًا كبيرًا منهم يؤيد ضرباتها ضد النظام السوري، فالسوريون مستعدون للاستنجاد بالشيطان من أجل التخلص من هذا النظام … كما أن ما تعرض له السوريون لا يقارن بما تعرض له الفلسطينيون أنفسهم على أيدي هذا البعبع الذي اتخدته الديكتاتوريات العربية مطية لقهر شعوبها… ولذلك ركزت تغطية عنب بلدي على الانتهاكات التي لا تنتهي لـ (للسيادة الوطنية) التي يتشدق بها نظام الممانعة دائمًا”، يبين عمار زيادة في حديثه عن السياسة التحريرية لجريدة عنب بلدي تجاه هذه القضية.
خاتمة وتوصيات
المأساة الهائلة التي يعيشها السوريون بسبب النظام السوري أدت إلى تراجع القضية “المركزية” في سلّم اهتماماتهم، فالسوريون يعيشون اليوم بحسب ما أكدته صحف الإعلام البديل، مأساة فاقت في حجمها ما عاناه الفلسطينيون أنفسهم، كما أن متاجرة النظام بالقضية واعتماده عليها في شرعنة حربه المنظمة على شعبه في حين اكتفى بالاحتفاظ بحق بالرد في وجه إسرائيل، التي تنعم حدودها الجنوبية مع سوريا بهدوء تام، جعل القناعة منتشرة لدى كثير من الصحف أن هناك تعاونًا بين الطرفين، وجعل الكثيرين يؤيدون الضربات العسكرية الإسرائيلية لأنها تستهدف النظام السوري.
الموقف الواضح لدى جميع صحف الإعلام البديل أن إسرائيل عدو مؤجل على حساب النظام السوري المتسبب بالقسم الأكبر من المعاناة السورية، وهو ما أظهره الموقف الموحد لجميع الصحف ضد العدوان الإسرائيلي على غزة، فلم تنشر هذه الصحف ولو لمرة واحدة مقالًا يدعو إلى الصداقة مع إسرائيل أو تجريم المقاومة الفلسطينية، على عكس ما يروجه أنصار النظام من عمالة فعاليات الثورة لصالح إسرائيل.
وأخيرًا أظهرت إجابات رؤساء التحرير غياب أي نوع من أنواع التنسيق بين صحف الإعلام البديل حول هذا الموضوع، ما يؤكد مرة أخرى على ضرورة التنسيق المشترك لإنتاج سياسة تحريرية مضبوطة تحافظ على الثوابت الوطنية السورية.
لقراءة الملف كاملًا: إسرائيل “العدوة”.. تاريخ الأسد الحافل بالتسويات والاحتفاظ بحق الرد.