قرى في السويداء ضحية تجارة المخدرات والنزوح يهدد أهلها
عنب بلدي- السويداء
في بداية تشرين الثاني الماضي، تعرّضت أراضي قرية خربة عواد جنوبي محافظة السويداء المتاخمة للحدود السورية- الأردنية لرشقات نارية من قبل حرس الحدود الأردني.
أدت تلك النيران إلى نفوق عدد من رؤوس الماشية، التي تعود لأهالي القرية، الذين بدأت مخاوف النزوح من قراهم تحيط بهم، بحسب ما عبّر عنه “أبو ياسر” (45 عامًا) لعنب بلدي.
يعاني سكان القرية من “حياة أمنية تهدد بقاءنا في قريتنا ونزوحنا عنها”، الأمر الذي يخشاه “أبو ياسر” وبقية أهالي القرية، وذلك بسبب “إطلاق النار بمختلف العيارات النارية ليلًا ونهارًا الموجهة إلى بيوتنا ومواشينا ورعاتنا والعاملين في الزراعة من قبل حرس الحدود الأردني”.
تتكرر عمليات أمن الحدود الأردني لإحباط محاولات تهريب كميات من المخدرات مصدرها المنطقة الجنوبية السورية، وتتسبب هذه العمليات بخلق جو أمني متوتر يهدد استقرار سكان المنطقة، الأمر الذي ينعكس بالضرورة على مستقبل الحقوق العينية العقارية الخاصة بتلك القرى.
القرى ضحية تجارة المخدرات
“قُتل عدد من الأغنام والماعز، وتضررت أشجار زيتون، هذا عدا عن البيوت التي تضررت أيضًا بسبب إطلاق النار عليها من أمن الحدود (الأردني)”، وفق ما قاله “أبو ياسر” وهو مزارع يمتلك 60 دونمًا من الأرض الزراعية.
ترتسم هذه المعاناة على المشهد اليومي في القرية، لأنها تعد ممرًا لتهريب المخدرات من الأراضي السورية إلى داخل الأراضي الأردنية، التي تقوم بدورها باستهداف أي تحرك مشبوه.
وكانت منازل المدنيين في قرية خربة عواد تعرضت منذ حوالي العام لإطلاق نار ألحق أضرارًا مادية بالمنازل، وذلك بعد اندلاع اشتباكات عنيفة بين حرس الحدود الأردني ومجموعة من المهربين، الأمر الذي لا يزال قائمًا دون أي حلول.
“يخشى مزارعو المنطقة العمل بأراضيهم المحاذية للحد الفاصل على الحدود السورية- الأردنية، ونحن متخوفون من إصابتنا برشقات نارية في أثناء عملية التصدي لمحاولة المهربين التسلل إلى الأردن”، بحسب ما قاله المزارع الأربعيني، الذي تحفظ على نشر اسمه الكامل لأسباب أمنية.
وبحسب استطلاع للرأي أجرته عنب بلدي في الريف المحاذي للأراضي الأردنية، فإن عمليات التهريب قد ازدادت خلال السنوات الأخيرة الماضية، حيث يتم تهريب كميات كبيرة من المخدرات المتمثلة بمادة الحشيش المخدر، وحبوب “الكبتاجون”، بالإضافة إلى السلاح الخفيف.
وبحسب تحقيق نشرته عنب بلدي في وقت سابق تحت عنوان “موت يموّل الموت.. جنوب في دوامة المخدرات“، فإن الجماعات المقاتلة التابعة لحكومة النظام السوري أو التي تقاتل إلى جانبها والمدعومة من إيران و”حزب الله”، تتحكّم بعملية التوزيع في الداخل والتهريب نحو الخارج، وتنظّم نشاطًا تكامليًا للتصنيع والتوضيب والتهريب، وكذلك إدارة شبكات معقّدة من التجار الصغار لتوزيعها داخل سوريا.
وفي الجنوب السوري، الذي يسمى حوران، امتدادًا من القنيطرة غربًا وحتى السويداء شرقًا مرورًا بدرعا، “يمكن ملاحظة مستوى فوق اعتيادي من عدد المتعاطين، ولعله حديث الشارع، وشغل الناس الشاغل”.
ويستغل مهربو المواد المخدرة فترة فصل الشتاء لما توفره من ظروف ملائمة لهم من أجل تسهيل عملية تجاوزهم الحد الفاصل بين سوريا والأردن، وعدم كشفهم عبر الكاميرات الحرارية المثبتة في نقاط حرس الحدود الأردني المنتشرة على طول الحدود الأردنية- السورية، وذلك بسب كثافة الضباب والعواصف الرعدية.
وعبر عملية رصد أجراها التحقيق، يتبيّن أن إدارة مكافحة المخدرات الأردنية والمنطقتين العسكريتين الشمالية والشرقية قبالة الحدود السورية، ضبطت خلال عام 2020 حوالي عشرة آلاف و100 “كفّ” من الحشيش (الكف يساوي نحو 200 غرام) يصل وزنها إلى قرابة 2.2 طن، وأكثر من أربعة ملايين و156 ألفًا و460 حبة من “الكبتاجون” (نحو 700 كيلوغرام)، وكميات أخرى بينها “الكريستال” (المادة الأولية لصناعة حبوب الكبتاجون)، إلا أن هذه الكمية لا تعبر عن حجم التهريب عبر الحدود.
وفي تشرين الأول الماضي، أعلنت القيادة العامة الأردنية عن إحباطها محاولة تهريب كمية من المواد المخدرة محمّلة بطائرة مسيّرة قادمة من الأراضي السورية إلى الأراضي الأردنية.
وأكد مصدر عسكري مسؤول في القيادة العامة الأردنية، أن القوات المسلحة ستتعامل “بكل قوة وحزم مع أي عملية تسلل أو محاولة تهريب لحماية الحدود، وستضرب بيد من حديد وتمنع من تسوّل له نفسه العبث بالأمن الوطني الأردني”.
وفي آب الماضي، عادت حركة معبر “نصيب” الحدودي بين سوريا والأردن إلى طبيعتها بالنسبة إلى الشحن فقط، بعد أن أعلنت وزارة الداخلية الأردنية، في 31 من تموز الماضي، عن إغلاق مؤقت للمعبر على خلفية التطورات الأمنية في درعا، وقطع الطريق الدولي الواصل بين دمشق ومعبر “نصيب”.
هواجس من ضياع الملكية
تعد قرية خربة عواد أكثر القرى المتضررة جنوبي السويداء من العمليات الأمنية الأردنية لمكافحة تهريب المواد المخدرة، كونها المنطقة المأهولة الأقرب إلى خط الحدود.
وحتى الآن لم تشهد قرية خربة عواد أو القرى المحيطة بها أي حالة نزوح جماعية نحو مناطق أخرى، إلا أن “أهالي القرية من الناس البسطاء، لا حول لهم ولا قوة، إذا زادت حالة إطلاق النار وتضررت البيوت أكثر، سيضطر الناس إلى النزوح من دون شك”، وفق ما نوّه إليه المزارع “أبو ياسر”.
وضمن حالة أي نزوح داخلي يعتبر إيجاد المأوى من الأولويات الأساسية للنازحين، ما يستلزم الاهتمام بحماية الأراضي الزراعية والممتلكات الخاصة بمدنيي هذه القرى في أثناء العمليات الأمنية لمكافحة تهريب المواد المخدرة.
وهناك عوامل تعقّد التحديات التي يواجهها النازحون من مناطقهم الأصلية في سوريا، أبرزها غياب أي أدوات قانونية تضمن حقهم في التعويضات واسترداد الملكية في حال الاستيلاء عليها من قبل أي مجموعات مسلحة.
ولا تقتصر مخاوف الأهالي في هذه القرى على مواجهتهم مصير النزوح فحسب، بل يزيدها هاجس ضياع ملكيتهم للأراضي الزراعية التي يملكونها، “عندما يغيب الفلاح عن أرضه يفقد جزءًا من حياته، عدا أن هذه الأراضي في حال نزوحنا ستتحول إلى ساحة مواجهة بين حرس الأمن والمهربين”، وفق ما عبّر عنه المزارع “أبو ياسر”، الأمر الذي سيؤدي إلى ضرر المحصول الزراعي وتلف تربة هذه الأراضي، فضلًا عن ضياع ملكيتها.
اذا كنت تعتقد/تعتقدين أن المقال يحوي معلومات خاطئة أو لديك تفاصيل إضافية أرسل/أرسلي تصحيحًا
إذا كنت تعتقد/تعتقدين أن المقال ينتهك أيًا من المبادئ الأخلاقية أو المعايير المهنية قدم/قدمي شكوى
-
تابعنا على :