انقطاع شبه دائم للكهرباء.. النور غائب في درعا والبطاريات غالية

  • 2021/12/12
  • 10:28 ص

بطارية من أجل تأمين الكهرباء وسط انقطاعها شبه الدائم في طفس بريف درعا الغربي- 5 من كانون الأول 2021 (عنب بلدي حليم محمد)

عنب بلدي- درعا

لم ترغب رهام (30 عامًا) بالعودة للإنارة عبر الوسائل البدائية، مثل الشموع والقنديل، أو ما يُعرف بالسراج الذي يعمل على مادة الكاز، وسط انقطاع شبه دائم للكهرباء الحكومية في مدينة درعا، إلا أن غلاء أسعار البطاريات (المدخرات) قد يجبرها على العودة إلى هذه الوسائل.

مع قدوم فصل الشتاء وحاجة السكان في درعا إلى تأمين إنارة ليلية للمنازل، بسبب غياب ضوء الشمس نتيجة الغيوم معظم الأوقات، ارتفعت أسعار البطاريات خلال تشرين الثاني الماضي، حتى صارت تشكّل عبئًا ماليًا على الأهالي إلى جانب تأمين الاحتياجات الأساسية شهريًا.

تعتبر البطاريات البدائل الأساسية في حالة الانقطاع الطويل للكهرباء، ولكن الغلاء ألقى بظلاله حتى على تلك البدائل، ما جعل السكان يعيشون في حيرة وقلق بشأن كيفية تأمين الكهرباء.

أسعار مرتفعة

قصدت رهام محلًا لبيع الأدوات الكهربائية في مدينة طفس شمال غربي درعا، للاستفسار عن أسعار البطاريات بما يناسب حجم الإنارة في منزلها، “الأسعار كانت عالية جدًا، عدت إلى المنزل ولم أستطع الشراء”، قالت السيدة واصفة خيبة أملها.

يختلف سعر البطاريات ذات المنشأ الأجنبي عالية الجودة، عن سعر البطاريات المصنوعة محليًا، الأرخص نسبيًا، إلا أن الأخيرة “لا تخدم طويلًا وتفوح منها رائحة الأسيد”، وفق ما قالته رهام لعنب بلدي.

ووصل سعر البطارية المستوردة 200 أمبير إلى حدود مليون ليرة سورية (حوالي 290 دولارًا)، وسعر 150 أمبيرًا إلى 800 ألف ليرة (230 دولارًا)، وسعر البطارية 100 أمبير إلى 400 ألف ليرة (حوالي 115 دولارًا)، وسعر البطارية 50 أمبيرًا إلى 200 ألف ليرة (60 دولارًا).

في حين يقل سعر البطارية ذات الصناعة المحلية، حسب حجمها، عن نصف هذه الأسعار تقريبًا.

واعتمد السكان في درعا من أجل تأمين الإنارة على “اللدات” التي توصل على البطارية مباشرة، ولكن يجب أن تكون “المدخرة” جيدة حتى تستمر بالإنارة طوال ساعات الليل.

البطارية التي تحتاج إليها رهام، قالت إن راتب ثلاثة أشهر لا يكفيها لشرائها، فهي من النوع المستورد ذات الـ50 أمبيرًا.

تعمل رهام، التي تحفظت عنب بلدي على نشر اسمها الكامل لأسباب أمنية، معلمة في مدرسة حكومية براتب 60 ألف ليرة شهريًا (حوالي 17 دولارًا)، وهذه الحيرة في تأمين أسعار البطاريات، بالإضافة إلى المتطلبات الأساسية الشهرية، لا ترافق رهام وحدها، إذ تسود حالة من الإحباط الشديد لدى معظم الموظفين الحكوميين في المحافظة، بسبب تردي الوضع المعيشي وقلة الأجور وغلاء المستلزمات الأساسية.

البدائل مكلفة أيضًا

لا يقتصر عمل البطارية على الإنارة ليلًا في درعا، إنما هي بحاجة إلى شحن يحوّل الكهرباء المنزلية إلى البطارية في أثناء ساعات التشغيل طوال اليوم خلال ساعات التقنين الكهربائي الطويلة.

ورصيد الناس من الكهرباء يوميًا هو ساعة واحدة كل سبع ساعات من التقنين الكهربائي كحد أدنى، ويكون معدل التزويد بالكهرباء في هذه الساعة ضعيفًا جدًا، وفق ما رصدته عنب بلدي في المنطقة.

ويصل سعر شاحن البطارية، الذي تعتبره رهام عبئًا يضاف إلى البطارية، إلى حدود الـ80 ألف ليرة (حوالي 23 دولارًا).

كما أن الاستهلاك الدائم للبطارية يقلل من عمرها الافتراضي، حسب نوعها ومكان صناعتها، ففي الوضع الطبيعي يمكن أن تبقى البطارية صالحة للعمل لخمسة أعوام أو أكثر، إلا أن كثرة الاستهلاك مع زيادة معدل انقطاع الكهرباء قد يزيد من إضعاف جهدها.

ويلجأ بعض السكان إلى شحن البطارية عن طريق ألواح الطاقة الشمسية، ولكنها صارت أيضًا خيارًا مكلفًا، إذ يصل سعر لوح الطاقة الشمسية بقدرة شحن 150 واطًا إلى 96 ألف ليرة (77 دولارًا).

وتعد الطاقة البديلة خيارًا يمكن أن يلجأ إليه الأهالي لحل مشكلة غياب الكهرباء، وسط عجز الحكومة عن حلها، لكنه خيار يصطدم بتكاليف مرتفعة لا يستطيع أصحاب الدخل المحدود تحمّلها، وسط أزمة اقتصادية ومعيشية تُخيّم على مناطق سيطرة النظام السوري.

وخلال استطلاع للرأي أجرته عنب بلدي في مدينة نوى شمال غربي درعا، فإن ألواح الطاقة الشمسية صارت أيضًا خارج القدرة الشرائية، إذ يحتاج البيت ليكتفي بكهرباء تغنيه عن التغذية من المؤسسة العامة عن طريق الألواح الشمسية بطاقة كاملة إلى أربعة أو خمسة ألواح على الأقل (حسب حجم واحتياج كل بيت)، ويكلّف هذا العدد من الألواح حوالي 15 مليون ليرة (أربعة آلاف دولار).

الكهرباء لا تلبي حاجة السكان

ترى رهام أن الساعة التي تأتي فيها الكهرباء لا تلبي حاجة السكان من ناحية الإضاءة، أو تشغيل الأدوات الكهربائية، إنما تكمن أهميتها في شحن البطارية، ولكن ضعف التيار الكهربائي الواصل يؤثر أحيانًا على قدرة شحنها.

وأضافت أن غلاء الأسعار جعلها تستعمل بطارية قديمة لا تستمر إنارتها أكثر من ساعتين ليلًا، ما يجبر العائلة على النوم مبكرًا، أو العودة لاستخدام الشموع والسراج.

وفي تشرين الثاني الماضي، أصدرت وزارة الكهرباء في حكومة النظام السوري، قرارًا يقضي برفع أسعار الكهرباء في معظم شرائحها بنسب تراوحت بين 100% و800%.

وبررت الوزارة زيادة التعرفة على استهلاك الكهرباء بـما وصفته بـ”تحفيز” المشتركين على الاعتماد على مصادر الطاقات المتجددة، لتغطية جزء من استهلاك الكهرباء عبرها، بالإضافة إلى تحقيق تخفيض بالخسائر المالية لدى مؤسسات الكهرباء، وتوفير السيولة المالية لاستمرار عمل المنظومة الكهربائية.

كما اعتبر مدير التخطيط والتعاون الدولي في الوزارة، أدهم بلان، أن الزيادة جاءت “للحفاظ على قطاع الكهرباء”، إذ تصل التكاليف فيه سنويًا إلى حدود 5.3 تريليون ليرة، وإيراداته حسب التعرفة السابقة لم تكن تتجاوز 300 مليار ليرة.

وبحسب دراسة أعدّها الباحثان السوريان سنان حتاحت وكرم شعار، نُشرت في مركز “الشرق الأوسط للدراسات”، في أيلول الماضي، انخفضت القدرة الإنتاجية للكهرباء في سوريا خلال السنوات العشر الأخيرة بنسبة 44.8%، ويشير هذا الانخفاض إلى وجود 43 يومًا من انقطاع التيار الكهربائي سنويًا.

كما تحتاج المؤسسة العامة للكهرباء إلى 18 مليون متر مكعب من الغاز يوميًا لتشغيل التوربينات الغازية المسؤولة عن 70% من تغذية الكهرباء، ولم تحصل المؤسسة العامة إلا على 8.2 مليون متر مكعب من الغاز.

ولخّصت الدراسة أسباب مشكلة نقص الكهرباء في سوريا بعدم تعافي شبكة النقل تعافيًا كافيًا في المناطق المدمرة، ونقص الوقود اللازم لتشغيل محطات توليد الكهرباء.

كما ذكرت الدراسة، أنه على الرغم من “كثرة الكلام وتوقيع العديد من مذكرات التفاهم في قطاع الكهرباء”، فإن حكومة النظام لم تستعد إلا “نسبة ضئيلة جدًا” من القدرة الإنتاجية للكهرباء.

وأشارت الدراسة إلى أن الداعمين الرئيسين لحكومة النظام، روسيا وإيران، لم يبديا رغبة تُذكر في متابعة الاتفاقيات المُوقعّة، “نظرًا إلى عجز حكومة النظام عن تأمين الأموال اللازمة”.

مقالات متعلقة

خدمات محلية

المزيد من خدمات محلية