عنب بلدي – الرقة
في ظل الظروف المعيشية المتردية في مدينة الرقة شمال شرقي سوريا، لا يجد الأهالي إلا الحدائق العامة كأماكن يقصدونها للراحة والهدوء، وكمتنفّس وحيد لأطفالهم، غير أن هناك ما يمنع الناس من ارتيادها، مثل التحرش والمشاجرات، حسب شهادات أهالي وسكان الرقة.
خليل المحمود (33 عامًا)، خرج قبل فترة برفقة زوجته وأطفاله قاصدًا منتزه “الرشيد” الأشهر في مدينة الرقة، لكنه لاحظ سلوكيات من قبل مجموعة من الأفراد تتعارض مع الآداب العامة ولا تراعي النظام العام، ما دفعه للمغادرة مع العائلة فورًا، والامتناع عن زيارتها، وفق ما قاله خليل المحمود لعنب بلدي.
لا يعد خليل الشخص الوحيد الذي منع زيارة عائلته لحديقة “الرشيد”، وإنما تشتكي أغلبية زوارها من انتشار ما أسموه “الظواهر الاجتماعية السلبية” في الحديقة، وتحوّلها تدريجيًا إلى تجمع المراهقين دون التزامهم بضوابط أخلاقية، في الوقت الذي تعاني فيه المدينة من قلة وجود الحدائق العامة.
سلوكيات تثير مخاوف الزوار
تعد حديقة “الرشيد” أكبر حدائق الرقة وأشهر منتزهاتها، تتوسط أحياء المدينة، وكانت أولى الحدائق التي أُعيد تأهيلها قبل حوالي عام، بعد سيطرة “قوات سوريا الديمقراطية” (قسد) على المدينة.
وقد رصدت عنب بلدي في أثناء تجولها في الحديقة شبانًا مراهقين يصرخون بكلمات بذيئة، ويتعرضون بالسوء للفتيات لدى مرورهن أو جلوسهن في الحديقة، وسط غياب تام لدوريات وعناصر “قوى الأمن الداخلي” (أسايش)، وهي الجهة المنوط بها مراقبة الأوضاع الأمنية داخل المدن في مناطق شمالي وشرقي سوريا.
ومن المشاهد التي رصدتها عنب بلدي، وجود أطفال قاصرين يحملون ويدخنون السجائر أو يطلبونها من زوار الحديقة، إلى جانب انتشار ظاهرة التسوّل في نطاق الحديقة أيضًا، ما يجعل الزوار يخافون على سلامة أطفالهم في أثناء وجودهم فيها.
وقال أسعد العبد الله لعنب بلدي، إنه يشهد بشكل شبه يومي حدوث مشاجرات بين زوار الحديقة، وذلك بسبب قيام شبان موجودين فيها بالتحرش بالفتيات، سواء لفظيًا أو جسديًا.
وأضاف أسعد العبد الله، الذي يعمل بائعًا للمشروبات الساخنة داخل الحديقة، أنه نادرًا ما يتدخل عناصر “أسايش” من أجل حل تلك المشاجرات، على الرغم من وجود نقطة أمنية تتبع لها، ولا تبعد سوى أمتار قليلة عن باب حديقة “الرشيد”.
دوريات نهارية وليلية
عضو في “أسايش” قال لعنب بلدي، إن “قوى الأمن الداخلي” تسيّر دوريات ليلية ونهارية في المدينة، ومن بينها الحدائق والمنتزهات العامة، إلى جانب وجود نقاط أمنية مزوّدة برقم اتصال موزع على السكان للتبليغ عن الشكاوى.
ويرى عضو “أسايش”، الذي تحفظ على ذكر اسمه لأسباب أمنية، أن “تدخلنا بشكل مستمر في الحديقة أو الأماكن العامة قد يثير الهلع بين زوارها، على اعتبار أن أغلبية أولئك الزوار هم من العائلات والأطفال”.
وأضاف العضو أن “أسايش” ألقت “القبض على عدد من الشبان، بينهم مروّجون للحبوب المخدرة والحشيش”، مشيرًا إلى أنه تم تسليمهم لمكتب “الجريمة المنظمة” المختص بهذا الشأن.
تتمتع الحدائق العامة والمنتزهات والمساحات الخضراء ضمن المدن بأهمية كبيرة وتأثير مباشر على صحة سكانها وسلامتهم، إذ تسهم في تلطيف المناخ وتنقية الهواء، وتعتبر مساحة تتيح للسكان ممارسة الأنشطة الرياضية في الهواء الطلق وللأطفال اللعب.
وأعاد “مجلس الرقة المدني” و”بلدية الرقة” تأهيل عدة منتزهات في المدينة، بالتعاون مع عدد من المنظمات المدنية العاملة في الرقة، ومنها حديقة “نيسان”، وحديقة “البستان”، و”الحديقة المرورية”، وحديقة “البجعة”، لكن تعتبر حديقة “الرشيد” من أبرز حدائق المدينة لتوسطها وقربها من الأحياء السكنية.