عنب بلدي- زينب مصري
لم تحد العقوبات المفروضة على شركة “أجنحة الشام” السورية للطيران من نشاطها الواضح، وتصدّرت في الأشهر الأخيرة عناوين الأخبار لمشاركتها في أزمة المهاجرين على الحدود البيلاروسية- البولندية، وإعلانها تسيير رحلات لوجهات سفر جديدة، ورعيها مؤتمر طيران “إنساني” في الإمارات بتنظيم من وكالة أممية، على الرغم من دعمها لنظام متهم بانتهاك حقوق الإنسان.
نما نشاط الشركة الخاصة، وكسرت احتكار “الخطوط الجوية السورية” الذي امتد لعقود طويلة، مع حصولها على رخصة مشغل رحلات منتظمة كناقل وطني في 2014، بعد أن أوقفت عملياتها عام 2012 عقب اندلاع الثورة السورية.
ولا تعلن الشركة عبر موقعها الرسمي عن عدد طائراتها، وتقول إن أسطولها يضم طائرات حديثة من طراز “إيرباص- 320″، “ولديها خطط مستقبلية لشراء وضم مجموعة طائرات أخرى تتناسب مع خطط التشغيل لمحطات إقليمية وعالمية مختلفة”.
مشاركة في أزمة
بعد أن كانت جميع رحلاتها لشهر تشرين الثاني الماضي محجوزة بالكامل من دمشق إلى مينسك، سيّرت “أجنحة الشام” رحلة جوية فارغة إلى بيلاروسيا لإعادة “من يرغب” من السوريين العالقين على الحدود البيلاروسية- البولندية إلى دمشق.
ونقلت طائرة “إيرباص إي- 320” التابعة للشركة 96 مسافرًا من مطار “مينسك” إلى دمشق في 8 من كانون الأول الحالي، بحسب بيان نشره موقع المطار عبر معرفاته في “تلجرام”، دون ذكر تفاصيل إضافية عن جنسية وهوية الركاب.
وعلى الرغم من حديث مصدر في “الطيران المدني” في سوريا أن هذه الرحلة لم تكن رحلة “ترحيل أو إجلاء”، وترجيحه أن تكون “رحلة وحيدة”، أعلنت الشركة تنفيذ رحلة أخرى من بيلاروسيا، في 10 من كانون الأول الحالي، أعادت على متنها سوريين عالقين على حدود بيلاروسيا.
وبسبب أنشطتها في نقل المهاجرين إلى بيلاروسيا، والمساعدة على “تحريض وتنظيم” عبور المهاجرين من المعابر الحدودية غير الشرعية عبر روسيا إلى الاتحاد الأوروبي، وعلى الرغم من إعلانها تعليق رحلاتها إلى هناك، في 13 من تشرين الثاني الماضي، فرض الاتحاد الأوروبي، في 2 من كانون الأول الحالي، إجراءات تقييدية على الشركة مع 17 فردًا وعشرة كيانات أخرى معظمها بيلاروسية.
وبحسب الجريدة الرسمية للاتحاد الأوروبي، زادت شركة “أجنحة الشام” السورية عدد الرحلات الجوية بين دمشق ومينسك منذ صيف 2021، بهدف نقل المهاجرين إلى بيلاروسيا الذين يعتزمون عبور الحدود بشكل غير قانوني.
وأوضحت الجريدة أن الشركة افتتحت مكتبين جديدين في مينسك في خريف 2021، من أجل التمكّن من تنظيم الرحلات بين دمشق ومينسك.
الصحفي السوري والمدافع عن حقوق الإنسان منصور العمري قال لعنب بلدي، إن “أجنحة الشام” تعمل في “تهريب البشر” من دمشق إلى مينسك، وكثير من الرحلات حملت طالبي لجوء من كردستان العراق، إذ أخفت الشركة معلومات الطيران بخصوص هذه الرحلات.
وأضاف أن حكومة النظام تمارس هذا الدور لضخ الأموال باشتراط أن يكون الدفع لتذاكر الطيران من داخل سوريا، ولدعم نظام الرئيس البيلاروسي، ألكسندر لوكاشينكو، حليف روسيا في استخدامه غير الإنساني لطالبي اللجوء، وزجهم في معركة سياسية مميتة ضد أوروبا على حدود بولندا مع بيلاروسيا.
وجهات سفر جديدة
في 27 من تشرين الثاني الماضي، أعلنت الشركة إقلاع أولى رحلاتها من مطار “دمشق” الدولي إلى مطار “أبو ظبي”، “ضمن إطار خطتها في توسيع شبكات المحطات الخارجية المباشرة”.
وكانت الشركة أعلنت، في 25 من تشرين الثاني الماضي، إمكانية حجز المسافرين رحلة مباشرة إلى مدينة كراتشي الباكستانية بدءًا من 15 من كانون الأول الحالي.
تُسيّر شركة “أجنحة الشام” للطيران رحلات جوية من وإلى العراق ولبنان وليبيا والسودان والكويت وسلطنة عُمان وإيران والإمارات وروسيا وأرمينيا وبيلاروسيا وباكستان، بحسب موقعها الرسمي.
رعاية مؤتمر دولي بالرغم من العقوبات
في 28 من تشرين الأول الماضي، أعلنت “أجنحة الشام” أنها تشارك كداعم وراعٍ رئيس في فعاليات المؤتمر الـ13 للطيران الإنساني في دبي بتنظيم برنامج الغذاء العالمي (WFP) التابع للأمم المتحدة.
والهدف الرئيس من هذه المشاركة، بحسب الشركة، تبادل الآراء مع الجهات المشاركة، وإيجاد حلول في نقل المساعدات الإنسانية والإمدادات الأساسية بالتعاون مع المنظمات ذات الصلة وخاصة برنامج الغذاء العالمي.
يجمع المؤتمر “نخبة من مبتكري الطيران وصنّاع القرار وكبار المديرين، لمناقشة مجموعة واسعة من مخاوف سلامة الطيران الملحّة، والاتجاهات الناشئة في الصناعة”، بحسب موقعه الرسمي.
ويوضح الموقع أن مبادرات تعزيز السلامة الخاصة بالمؤتمر معترف بها من قبل المنظمات الخاصة والدولية وسلطات الطيران المدني والمنظمات غير الحكومية، كما أن هذا المؤتمر مهّد الطريق لمبادرات سلامة جديدة وشراكات مبتكرة وكفاءة أكبر في العمليات الجوية الإنسانية من خلال تعاون أفضل.
وتعاون الأمم المتحدة عبر وكالاتها مع شركة “أجنحة الشام” ليس جديدًا، إذ تعاملت منظمة الصحة العالمية التابعة للأمم المتحدة ماليًا مع الشركة الربحية الضالعة في جرائم حرب.
وفي 6 من كانون الثاني الماضي، استخدمت الوكالة “أجنحة الشام” لنقل 16 طنًا من الأدوية والإمدادات والمعدات الطبية من مستودعات المنظمة في مدينة دبي الإماراتية إلى بنغازي الليبية.
وقال الحقوقي منصور العمري، إن حكومة الولايات المتحدة تتعاون مع برنامج الأمم المتحدة للأغذية من أجل “تعزيز قدرة وفعالية” كيان معاقَب من قبل الولايات المتحدة (أجنحة الشام) لضلوعه في جرائم الحرب والإرهاب الدولي.
وتنقل الشركة السلاح في سوريا لقتل السوريين، كما تنقل مقاتلي الميليشيات الإيرانية و”حزب الله” إلى سوريا، وتنقل “المرتزقة” السوريين ومقاتلي “فاغنر” للقتال في ليبيا، بحسب العمري، وهو ما أثبتته تقارير أممية.
وأوضح الحقوقي أن الشركة تحايلت على العقوبات ضد إيران، وتدعم الفساد وجهود الإعمار التي تنتهك الحقوق في سوريا، وتبيّض الأموال في الشرق الأوسط.
وأوضح العمري أن النظام السوري يستفيد ماليًا وسياسيًا من أنشطة الشركة، مشيرًا إلى أن أي تعاون معها يجعل المتعاونين متواطئين بالترويج وتمويل مؤسسة تشارك في جرائم حرب في سوريا، لذلك يجب وقف أي تعامل معها ومحاسبة المتورطين.
أُسّست شركة “أجنحة الشام” للطيران عام 2007 كإحدى شركات “مجموعة شموط التجارية” التي تعمل في مجال بيع السيارات الجديدة والمستعملة، بإدارة رجل الأعمال السوري عصام شموط وشريكه محمد علاء شموط.
حصلت الشركة، في 23 من أيلول 2007، على شهادة ناقل جوي من سلطة الطيران المدني السوري، وتتخذ من دمشق مقرًا لها. |
النظام بحاجة إلى “أجنحة الشام”
يحتاج النظام والإيرانيون إلى شركة طيران لإبقاء تواصلهم مع العالم مفتوحًا، فينقلون من خلالها السلاح الخفيف، والمخدرات والأموال، بحسب ما قاله الباحث السوري في الاقتصاد والمختص في قضايا الشرق الأوسط خالد تركاوي لعنب بلدي.
وأضاف تركاوي أن الشركة محسوبة أكثر على الإيرانيين ومدعومة من قبلهم، ولا شك أن النظام السوري يستخدمها كذلك لتنفيذ سياساته، مثل الضغط على الأوروبيين في موضوع اللجوء، فردّ الأوروبيون بحجب التعامل معها ومعاقبتها.
وأوضح الباحث أن العقوبات المفروضة على الشركة تجعل التعامل معها في حدوده الدنيا، وتبقى تحويلاتها المالية ومواردها في إطار مراقب للغاية.
عقوبات أمريكية سابقة
كان مكتب مراقبة الأصول الأجنبية التابع للخزانة الأمريكية، أدرج شركة “أجنحة الشام” ضمن قائمة العقوبات الأمريكية، في 31 من كانون الأول 2016، لتقديمها الدعم المالي والتكنولوجي والخدمي لحكومة النظام السوري وللخطوط الجوية العربية السورية.
وبحسب وزارة الخزانة الأمريكية، تعاونت “أجنحة الشام” مع مسؤولي الحكومة السورية لنقل المسلحين إلى سوريا للقتال نيابة عن النظام السوري، وساعدت المخابرات العسكرية في نقل الأسلحة والمعدات للنظام السوري.
واعتبرت “الخزانة” أن رحلات “أجنحة الشام” من دمشق إلى دبي إحدى الطرق الرئيسة التي استخدمتها المخابرات العسكرية السورية لغسل الأموال في جميع أنحاء المنطقة.
إدارة شركة “أجنحة الشام” نفت جميع هذه التهم المنسوبة إليها في بيان لها، نشرته في 13 من كانون الثاني الماضي، قالت فيه إنها “نقلت بعض المساعدات الطبية الإنسانية إلى ليبيا لمواجهة أزمة فيروس (كورونا)”، وإن رحلات الطيران الخاصة بالشركة مخصصة فقط لـ”نقل مدنيين وبعضها إنساني (…) ولنقل الرعايا السوريين المقيمين في ليبيا”.