قبلة في فيلم سوري

  • 2021/12/12
  • 11:23 ص

نبيل محمد

من الصعب أن نتخيّل فيلمًا سوريًا منتَجًا خلال الأعوام الأخيرة بإشراف القطاع العام، أي المؤسسة العامة للسينما، ينال شهرة حقيقية تتجاوز حدود مجموعة العاملين بالشأن السينمائي والفني في سوريا وبعض المتابعين، والأدلة كثيرة على ذلك، وتتمثّل في عشرات الأفلام السينمائية التي أُنتجت منذ 2011 وحتى اليوم، والتي لم تتجاوز حدود شهرتها القطاعات المذكورة، بل إن محاولة تتبعها ومشاهدتها غير متاحة غالبًا، حتى لتلك الأفلام المنتَجة قبل ست وسبع سنوات، وهي صعوبة منبعها قلّة الاهتمام بهذه السينما بالدرجة الأولى، وتحوّلها بشكل فاقع إلى جزء من الدعاية السياسية التي يمارسها النظام السوري.

ما يمكن أن يمنح فيلمًا سوريًا منتَجًا في دمشق اليوم شهرة، هو لقطة أو جملة، كالشهرة التي نالها مؤخرًا فيلم “الإفطار الأخير” للمخرج عبد اللطيف عبد الحميد، بسبب القبلة التي وردت في المقطع الدعائي للفيلم، الذي صار خلال أيام يمثّل الفيلم ذاته، إذ إن النقد الموجّه لهذا المقطع (التريلر) صار وكأنه موجه لفيلم بكامل مكوّناته، مع العلم أن الفيلم لم يُعرض حتى الآن إلا مرة واحدة ضمن فعاليات ما سمي “أيام الثقافة السورية”، وبالتأكيد لا يتوفر الفيلم على الشبكة كأغلبية إنتاجات المؤسسة العامة خلال السنوات الأخيرة.

فضائيات عربية وأخرى عالمية ناطقة بالعربية، ومنصات على وسائل التواصل الاجتماعي، كانت قبلة عبد المنعم عمايري وكندة حنا هي موضوعها، الذي سيفتح المجال لحوارات أوسع، عنوانها “مأزق القبلة في السينما العربية” أو “انحرافات الدراما السورية”، الدراما وليس السينما، في حين لم يُطرح موضوع الفيلم ومدى أهمية القبلة أو عدمها في سياقه الدرامي، على اعتبار الفيلم غير متاح، أو على اعتبار أن ما سُرّب من خلال من شاهدوه وكتبوا عنه، يصب في الموضوع ذاته الذي يناقشه عبد الحميد وسواه من مخرجي القطاع العام في سوريا خلال السنوات الأخيرة، بمعنى أن لا شيء يدعو للاهتمام باستثناء هذه القبلة.

من نافلة القول إن تكرار الحديث والنقد يتم بعد مشاهدة العمل كاملًا، ومن السفاهة أن يتم الهجوم على فيلم بسبب قبلة واردة في مقطع دعائي له، مع العلم أن الفيلم قد يتضمن في سياقه مآخذ عدة تفتح باب الهجوم عليه من قبل النقاد، وهو الاحتمال الأكبر في أفلام عبد اللطيف عبد الحميد الأخيرة، ولعلّ القبلة لن تكون واحدة من هذه المآخذ، بل ربما ما يؤخذ على هذه القبلة، حسبما ظهر في “التريلر”، أنها قبلة باردة، كئيبة نوعًا ما، من غير المعروف تمامًا هل برودتها وسذاجتها متأتية من أجواء الفيلم بشكل عام، أم من قله خبرة الممثلين في أداء مشاهد كتلك، أو ارتباكهم في أثناء أدائها؟

يفتتح تلفزيون سوري في الضفة المعارضة برنامجًا يعرض آخر “التريندات” على “السوشيال ميديا”، فيناقش قضية القبلة في فيلم “الإفطار الأخير”، مستذكرًا الخوالي من أيام الدراما السورية، عندما “كانت الدراما تحترم المشاهدين وثقافتهم”، وتكرر مذيعة البرنامج الحديث عن القبلة من بوابة أنها انحراف في الدراما السورية، دون أن يخطر في بالها أو في بال معدّ أو مخرج أو أي من العاملين في البرنامج أن القبلة مرّت في فيلم وليس في مسلسل تلفزيوني، وأن ما يمر في الدراما يختلف عما يمر في صالات العرض السينمائي، وأن القبلات في تاريخ السينما المصرية وحتى السورية لم تكن على هذا المستوى من الغرابة، وقد صنعتها شفاه كثيرين من صنّاع الدراما الأوائل الذين يفتخر بهم الجمهور المحافظ حاليًا.

صبّت القبلة في مصلحة شهرة الفيلم، مثلما توقع مخرجه بالتأكيد، وهو ما يبدو منطقيًا اليوم في هذا النوع من السينما، إذ لا شيء يمنح الشهرة والمتابعة لفيلم سوري منتَج بإشراف مؤسسات النظام السوري اليوم كمشهد ساخن أو قبلة، تحرّك جمود الفكرة والرسالة المكررة المستهلكة، وتخرج الفيلم للحظات من وظيفته المحددة، الوظيفة التي تؤديها السينما السورية بحذافيرها منذ 2011 وحتى اليوم.

مقالات متعلقة

مقالات الرأي

المزيد من مقالات الرأي