شهدت الأشهر الأخيرة تطورًا في اللقاءات الرسمية التي أجرتها الإمارات على الصعيد العربي والإقليمي، تناولت خلالها سبل تعزيز العلاقات وتطويرها بما يخدم المصالح المشتركة مع البلدان التي زارتها، وبحثت في القضايا والملفات الإقليمية والدولية ذات الاهتمام المشترك.
ولم تقتصر هذه الزيارات على دول حليفة أو صديقة، إنما أجرت زيارات لدول تقف عكس التوجهات الإماراتية في العديد من القضايا والملفات.
تقارب تركي- إماراتي
شهدت العلاقات التركية- الإماراتية تقاربًا بين البلدين منذ الأشهر الأخيرة من العام الماضي.
وصرّح الرئيس التركي، رجب طيب أردوغان، عقب لقائه بمستشار الأمن الوطني الإماراتي، طحنون بن زايد، في آب الماضي، أن الإمارات ستجري قريبًا استثمارات كبيرة في تركيا، وعقدت أنقرة مع إدارة أبو ظبي خلال الأشهر الماضية مجموعة من اللقاءات، وفق ما نقلته وكالة “الأناضول” التركية.
وتبع التصريحات، في الشهر نفسه، اتصال هاتفي بين ولي عهد أبو ظبي، محمد بن زايد آل نهيان، وأردوغان، بحثا من خلاله العلاقات الثنائية بين البلدين، وسبل تعزيزها وتطويرها بما يخدم المصالح المشتركة بينهما.
وأعلن السفير التركي لدى أبو ظبي، توجاي تونشير، عن حقبة جديدة في العلاقات بين تركيا والإمارات العربية المتحدة، مشيدًا بنمو حركة التجارة بين البلدين، وفي 21 من تشرين الأول الماضي، قال تونشير، إن مشاركة بلاده في معرض “إكسبو 2020 دبي”، “تجسّد حقبة جديدة من التعاون وتعزيز العلاقات مع دولة الإمارات”، وفق ما نقلته وكالة “وام”.
كما لفت تونشير إلى أن حجم التجارة بين تركيا والإمارات بلغ 8.5 مليار دولار، مشيرًا إلى أن الأشهر الستة الأولى من العام الحالي شهدت نموًا في حركة التجارة يقارب الـ100%.
وخلال اجتماع جمع وزير الاقتصاد الإماراتي، عبد الله بن طوق المري، بوزير التجارة التركي، محمد موش، في 23 من تشرين الثاني الماضي في دبي، اعتبر المري أن جهود التعاون بين الإمارات وتركيا تحمل فرصًا وآفاقًا تنموية واعدة للمستقبل في مختلف مجالات التجارة والاستثمار.
من جانبه، قال موش إن تركيا والإمارات شريكان تجاريان مهمان وحريصان على تعزيز تعاونهما في مختلف المجالات، مضيفًا أن الإمارات هي الشريك التجاري الأكبر لتركيا في منطقة الخليج.
استثمارات بالمليارات بعد حرب التصريحات
بدأت العلاقات الإماراتية- التركية في إطار تعاون وتقارب جديد، بعد توتر وخلافات حول العديد من القضايا الإقليمية والدولية، لتنهي حرب التصريحات التي شهدها البلدان، بين اتهامات لتركيا بالإجرام والسرقة، واتهام أبو ظبي بعداء تركيا للتستر على جهل وعجز وخيانة أبو ظبي، واتهام حكومة أبو ظبي بقيامها بأعمال ضارة في ليبيا وسوريا، وتوعدات تركيا بمحاسبتها.
لم يقتصر الخلاف على حرب التصريحات إنما في العديد من القضايا، كالموقف من الثورة السورية التي دعمتها أنقرة، وكذلك ليبيا، إذ تدعم أنقرة حكومة “الوفاق” المعترف بها دوليًا في ليبيا ضد قوات اللواء المتقاعد خليفة حفتر، الذي تدعمه حكومة أبو ظبي، رغم مشاركتها في التحالف الغربي الذي أسقط حكم القذافي.
وخلال حصار قطر الذي فرضته كل من السعودية والبحرين ومصر والإمارات، في حزيران 2017، وانتهى رسميًا في كانون الثاني الماضي، بتوقيع “بيان العلا”، وقفت أنقرة إلى جانب الدوحة، ما أسفر عن تعزيز العلاقات بين الجانبين التركي والقطري، وزيادة الشرخ في العلاقة مع الإمارات.
وفي 24 من تشرين الثاني الماضي، التقى الرئيس التركي بولي عهد أبو ظبي، في زيارة أجراها الأخير لأنقرة، تلبية لدعوة أردوغان، وسط مراسم استقبال رسمية، بعد عشر سنوات من الخلاف وتوتر العلاقات.
وشهدت زيارة ابن زايد إلى أنقرة توقيع العديد من الاتفاقيات ومذكرات التعاون بين البلدين شملت مجالات التجارة والطاقة والبيئة والاستثمار.
وفي اليوم نفسه، أعلنت الإمارات تأسيس صندوق بقيمة عشرة مليارات دولار لدعم الاستثمارات في تركيا، وسيركز الصندوق على الاستثمارات الاستراتيجية، وعلى رأسها القطاعات اللوجستية ومنها الطاقة والصحة والغذاء.
وأعلن أردوغان، في 29 من تشرين الثاني الماضي، نيته زيارة الإمارات العربية المتحدة في شباط المقبل، بعد زيارة تحضيرية يسبقه إليها وزير الخارجية، مولود جاويش أوغلو، ورئيس جهاز الاستخبارات، هاكان فيدان.
وأضاف، بحسب ما نقلته وكالة “الأناضول“، “لقد قدموا (الإماراتيون) خطوة استثمار بعشرة مليارات دولار، سنبني مستقبلًا مختلفًا عبر تنفيذ ذلك، وستكون هناك تطورات إيجابية”.
وأعرب الرئيس التركي عن ثقته بأن مواد الاتفاق الذي تم التوقيع عليه خلال زيارة ولي العهد ابن زايد، هي خطوة من أجل بدء فترة جديدة بين تركيا والإمارات، وإبقاء ذلك دائمًا.
علاقات وطيدة بين الإمارات والنظام السوري
تباينت مواقف الدول الخليجية وعمق علاقاتها تجاه النظام السوري، وعدم امتلاكها موقفًا ثابتًا، خاصة في ظل الخلافات الخليجية- الخليجية، وارتباطها بدول إقليمية، كعلاقات قطر بإيران وتركيا، وعلاقات الإمارات والبحرين بإسرائيل، وكل من تركيا وإسرائيل تملكان حضورًا سياسيًا وعسكريًا في الملف السوري.
ورغم إغلاق دولة الإمارات سفارتها في سوريا عام 2012 تزامنًا مع إجراءات مماثلة اتخذتها عدة دول عربية وغربية، نتيجة قرارات غير ملزمة من جامعة الدول العربية بنزع الشرعية عن النظام السوري، أبقت قسمًا قنصليًا بالسفارة السورية في أبو ظبي قيد الخدمة، من أجل تقديم الخدمات للجالية السورية الموجودة على الأراضي الإماراتية، قبل أن تعيد فتح سفارتها في دمشق أواخر 2012.
العلاقات السورية- الإماراتية اتصالات توّجها لقاء في دمشق
جرى الاتصال الأول بين النظام السوري والإمارات في آذار 2020، منذ اندلاع الثورة السورية في 2011، بعد أن تلقى رئيس النظام السوري، بشار الأسد، اتصالًا من ولي عهد أبو ظبي، محمد بن زايد، ناقشا خلاله تفشي فيروس “كورونا المستجد” (كوفيد- 19).
وأكّد ابن زايد حينها “دعم الإمارات للشعب السوري في هذه الظروف الاستثنائية، وأن سوريا لن تبقى وحدها في هذه الظروف الحرجة”. بحسب منصات “رئاسة الجمهورية السورية” في وسائل التواصل.
وقال ابن زايد، عبر حسابه في “تويتر”، إنه بحث هاتفيًا مع الأسد تداعيات انتشار فيروس (كورونا)، وأكد دعم الإمارات ومساعدتها للشعب السوري.
وكان الاتصال الثاني بين الطرفين في 20 من تشرين الأول الماضي، إذ أجرى رئيس النظام السوري اتصالًا هاتفيًا مع ابن زايد، ودار الحديث بين الجانبين خلال الاتصال حول “العلاقات الثنائية بين البلدين، ومجالات التعاون الثنائي والجهود المشتركة لتوسيعها”.
وأصدرت وزارة الاقتصاد والتجارة الخارجية في حكومة النظام السوري، عقب الاتصال، قرارًا يقضي بتشكيل “مجلس الأعمال السوري- الإماراتي”، وتعيين رئيس للمجلس ونائب له، بهدف تفعيل دور القطاع الخاص في تطوير التعاون الاقتصادي بين البلدين بكل مجالاته التجارية والصناعية والزراعية والسياحية.
وتسارع تقارب العلاقات بين البلدين، باستقبال رئيس النظام السوري وزير الخارجية الإماراتي، عبد الله بن زايد، برفقة وفد رفيع المستوى، في العاصمة دمشق، في 9 من تشرين الثاني الماضي.
وأكد الأسد على العلاقات الأخوية الوثيقة التي تجمع البلدين منذ أيام الراحل الشيخ زايد بن سلطان آل نهيان، على حد قوله.
ونوه الأسد إلى ما وصفها بـ”المواقف الموضوعية والصائبة التي تتخذها الإمارات”، معتبرًا أن الإمارات وقفت دائمًا إلى جانب الشعب السوري.
من جانبه، أكد الوزير الإماراتي دعم بلاده لجهود الاستقرار في سوريا، معتبرًا أن ما حصل في سوريا أثّر على كل الدول العربية.
لقاءات وزارية تدعم الاقتصاد والاستثمار السوري
ظهرت مؤشرات، خلال عام 2020، حول عودة العلاقات بين النظام والإمارات لكن بشكل غير رسمي، منها عودة الشركات الإماراتية إلى السوق السورية للاستثمار، وكذلك استأنفت شركة طيران “فلاي دبي”، في 16 من كانون الثاني 2020، رحلاتها الجوية إلى العاصمة السورية دمشق.
تبع هذه المؤشرات تعاون وتوقيع اتفاقيات بين البلدين، تجلّت بلقاء وزير الاقتصاد والتجارة الخارجية في حكومة النظام بنظيره الإماراتي، عبد الله طوق، على هامش أعمال معرض “إكسبو 2020 دبي”، في 3 من تشرين الأول الماضي.
وأجرى وزير الموارد المائية السوري، تمام رعد، زيارة إلى الإمارات، في 23 من أيلول الماضي، والتقى خلالها بوزير الطاقة والبنى التحتية الإماراتي، سهيل المزروعي.
وكشف اللقاء الذي جرى على هامش المنتدى العربي الخامس للمياه “AWF5“، عن دعم إماراتي ومساعدة تقنية ونقل “الخبرات اللازمة” للمساهمة في إعادة تأهيل وتطوير المنظومات والبنى التحتية المائية في سوريا، وفق ما نقلته صحيفة “الوطن” المحلية.
كما شهدت الأشهر الأخيرة من العام الحالي توقيع العديد من الاتفاقيات، وكان أبرزها توقيع وزارة الكهرباء في حكومة النظام السوري، اتفاقية تعاون مع “تجمع شركات إماراتية” (لم تسمِّها)، لإنشاء محطة توليد كهروضوئية باستطاعة 300 ميغاواط بريف دمشق، في 11 من تشرين الثاني الماضي.
كما التقى السفير السوري لدى الإمارات، غسان عباس، بعضو المجلس الاستشاري الوطني لإمارة أبو ظبي، الشيخ مسلم بن سالم بن حم العامري، في 22 من تشرين الثاني الماضي، وبحث الطرفان سبل تطوير العلاقات الثنائية والتعاون الاقتصادي، والتعاون المشترك في مختلف المجالات.
غزل إيراني- إماراتي بعد خلاف لسنوات
منذ أشهر قليلة، تشهد العلاقات الإماراتية- الإيرانية تطورًا إيجابيًا ملحوظًا، بعدما كان يشوبها التوتر لسنوات، تطرق إليه نائب وزير الخارجية الإيراني للشؤون السياسية، علي باقري، في حديثه أن إيران اتفقت مع الإمارات على فتح صفحة جديدة في العلاقات الثنائية، في 24 من تشرين الثاني الماضي
والتقى باقري مع أنور قرقاش المستشار الدبلوماسي لرئيس دولة الإمارات، ووزير الدولة خليفة شاهين المرر، وشمل اللقاء التأكيد على “العمل على تحقيق المزيد من الاستقرار والازدهار في المنطقة، وتنمية العلاقات الاقتصادية والتجارية بين البلدين الجارين”.
Following to traveling to the countries in the region, today in Dubai, in a friendly & cordial meeting w Dr. A.Gargash, Seniors Foreign Policy Ad’ of the Sheikh Khalifa bin Zayed, & Khalifa Shahin Almarar UAE Minister of State, we agreed to open a new chapter in 🇮🇷 & 🇦🇪 relations https://t.co/Z4g8OeebzM
— علی باقریکنی (@Bagheri_Kani) November 24, 2021
وأجرى وزير الخارجية الإيراني، حسين أمير عبد اللهيان، اتصالًا مع نظيره الإمارتي، عبد الله بن زايد، ناقشا فيه العلاقات الثنائية ومجالات التعاون المشترك وسبل تعزيزها، ووجّه عبد اللهيان دعوة لابن زايد لزيارة إيران، بحسب ما ذكرته وكالة أنباء الإمارات في 30 من تشرين الثاني الماضي.
وأكد الوزيران ضرورة التشاور المستمر بين البلدين، وأن العلاقات بين طهران وأبو ظبي شهدت تحسنًا، وأن الحكومة الإيرانية الجديدة عازمة على مواصلة التشاور والتعاون الفعال مع الدول الصديقة والجارة.
وشهد أمس، الاثنين 6 من كانون الأول، زيارة مستشار الأمن القومي لدولة الإمارات، طحنون بن زايد، لإيران، توّج فيها تقارب العلاقات بين الطرفين، والتقى بعدد من المسؤولين الإيرانيين في زيارة نادرة لطهران استمرت يومًا واحدًا، سلّم خلالها دعوة للرئيس الإيراني لزيارة أبو ظبي.
وأعرب علي شمخاني الذي التقي بطحنون بن زايد، عن أمله في أن تكون الزيارة “بداية جولة جديدة من العلاقات الثنائية، وتمهيدًا لتعزيز وتوسيع العلاقات بين البلدين”.
وتضمنت الزيارة لقاء جمع مستشار الأمن القومي الإماراتي بالرئيس الإيراني، إبراهيم رئيسي، الذي أكد أن بناء علاقة جيدة مع دول المنطقة هو من أولويات سياسته الخارجية.
وخلال اللقاء، قال ابن زايد، إن “إيران دولة كبيرة وقوية بالمنطقة، وتتمتع بموقع جيوسياسي فريد يربط بين شرق العالم وغربه، وتطوير العلاقات الأخوية مع طهران من أهم أولوياتنا”.
بينما قال شمخاني، إنه “يمكن لدول الخليج أن تؤدي دورًا مهمًا في اقتصاد المنطقة والعالم إذا تعاونت مع بعضها الآخر”.
الجزر الثلاث وإسرائيل و”الحوثيون” نقاط خلاف
وجود التقارب في العلاقات بين الإمارات وإيران، جاء بعد سنوات من الخلاف والوقوف على طرفي نقيض في العديد من القضايا العربية والإقليمية والدولية، وأبرز نقاط الخلاف هي قضية الجزر الثلاث “طنب الكبرى” و”طنب الصغرى” و”أبو موسى”، المتنازع عليها بين البلدين.
وزاد التوتر انضمام الإمارات إلى تحالف عربي تقوده السعودية منذ 2015 في اليمن لمواجهة “الحوثيين” المدعومين من طهران.
تقف إيران والإمارات على طرفي نقيض بخصوص العلاقات مع إسرائيل، إذ تسود علاقات التعاون بين الإمارات وإسرائيل، وخاصة بعد تطبيع علاقاتها بشكل كامل بينهما في آب 2020، وتصاعدت أوجه التعاون بين الطرفين بشكل كبير في العديد من مجالات الاستثمار، خاصة في المجال العسكري، وتبادل التدريبات والمناورات العسكرية المشتركة.
في حين يسود التوتر والصراع بين إيران وإسرائيل، وتعرضت إيران في السنوات العشر الأخيرة لهجمات ضد أهداف مرتبطة ببرنامجها النووي، تحمّل طهران مسؤوليتها لأجهزة استخبارات إسرائيلية أو أمريكية، وفق وسائل إعلام إيرانية.
ويتخذ الصراع الإسرائيلي- الإيراني مسارًا تصاعديًا من الهجمات المتبادلة، بالصواريخ أو بألغام بحرية أو بتفجيرات أو هجمات إلكترونية، مع الحرص المتبادل على عدم الانجرار لحرب شاملة مفتوحة على كل الاحتمالات.
زيارات سورية- إماراتية متزامنة إلى طهران
وتزامنت زيارة طحنون بن زايد إلى طهران مع زيارة مماثلة لوزير الخارجية السوري، فيصل المقداد، الذي وصل إلى طهران، في 5 من كانون الأول الحالي، لإجراء مباحثات مع المسؤولين الإيرانيين.
والتقى المقداد صباح أمس، الاثنين 6 من كانون الأول، بنظيره الإيراني، حسين أمير عبداللهيان، في أول زيارة له بعد تشكيل الحكومة الإيرانية الجديدة في آب الماضي.
وأثار تزامن الزيارتين جدلًا وتوقعات باحتمال انعقاد لقاءات ثلاثية مشتركة بين ابن زايد والمقداد والمسؤولين الإيرانيين.
وقال المتحدث باسم الخارجية الإيرانية، سعيد خطيب زادة، في مؤتمر صحفي في 5 من كانون الأول الحالي، إن زيارة مستشار الأمن القومي الإماراتي تأتي وفق مخطط مسبق للقاء شمخاني، لكن زيارة وزير الخارجية السوري تأتي بدعوة من نظيره الإيراني، حسين أمير عبد اللهيان، في إطار الزيارات والعلاقات الثنائية.
–